بيروت – «القدس العربي»: هنّ أربع نساء، عنونّ عرضهنّ المسرحي بـ«شو يا قشطة». تفحصٌ وبحث في الملصق الإعلاني المرفق مع الدعوة تلتقي العين مباشرة بسينتيا كرم، ولون شفاه بنفسجي، وكبسة اسنان على زند النظارة، وعينين بنظرة «مش ولا بد». فيتبادر السؤال إلى الذهن: ماذا في بال هذه الممثلة؟ تليها صورة وفاء حلاوي وقد تمددت فرشاة الرسم بين شفتيها، فأي تعبير تريده من خلالها؟ وتبدو سلمى شلبي وكأنها تحاول أن تستكشف أمام المرآة آثاراً ما على وجهها أو في أعماقها، قد يكون القلق؟ وتختار كاتي يونس تقمّص شخصية رجل باصطناعها لشاربين من شعرها الطويل، وتعزز شخصيتها هذه بالـ»بيريه» والتحدّي، وكأنها تقول «راس براس» مع الآخر.
مطالعة أولى ذاتية تفضي لتوقع دعوة إلى وليمة مسرح كوميدية. توقع خاب تماماً بعد المشاهدة ليحلّ مكانه إعجاب بمسرح مقدام حطّم اصناماً قديمة العهد، ورمى جانباً بتحريم وصول جرائم الاغتصاب والتحرّش إلى الناس، ووجهاً لوجه، ومن خلال الفن.
«شو يا قشطة» على مسرح المونو في معالجة أثمرها بحث استقصائي وعلمي، وبأسلوب فني راقي. ويلي كل عرض حوار مع الجمهور أثمر ويثمر إنجازات ايجابية متعددة، يتطلعُ إليها كل كاتب، ومخرج ومنتج، وبالتأكيد كلّ ممثل وممثلة.
«شو يا قشطة» كوميديا سوداء تفتح دفاتر مغلقة، وقلوبٌ تتألم من الصمت. عرض سعى لتشريح درامي لما تعيشه النساء من البيت إلى المدرسة إلى الشارع والجامعة والعمل من تحرش وعلى مختلف المستويات. لتخلص للتأكيد بأن التحرش ليس قدراً، ومواجهته ضرورة. وأن القانون 205 في لبنان يجرّم التحرّش، وإن كان بحاجة للتعديل.
إذاً في مسرحية «شو يا قشطة» على مسرح المونو كنّ على الخشبة أربع فتيات، بينهنّ مختصة بـ«سكس ثيرابي» والهدف كما صرّحت «بدّي شيل الزهق من غرفة النوم». النساء الأربع موجودات على المسرح كلّن منهنّ في إطار متحرك يشبه القفص. تلتقين في مشاهد معاً، وتفترقن في أخرى. وتبقى المعالجة سينتيا كرم «هيا» حاضرة طوال العرض.
نساء تُمثّلن حكايات مع التحرّش الجنسي في مراحل الحياة جميعها، من الطفولة والمراهقة والشباب، وجهل الأهل وعدم احترامهم لأجساد اطفالهم وتحصينهم بالمعرفة. تحرش متعدد الوجوه والأهداف، وفيه تصبح المرأة مهما كان عمرها شبيهة بفاكهة «القشطة». تشبيه تؤديه سلمى شلبي على المسرح بمشهد مؤثر. تمسك بحبة القشطة وتبدأ بتفريق حباتها ورميها «حبة حبة»، تماماً كما تُجرّد المرأة أو الفتاة أو الطفلة المتحرّش بها من مشاعرها، وبالتالي إحساسها بكونها بشر. هكذا تتبدد المشاعر «حبة حبة» وينتهك الأمان والإنسانية، من الأقربين غالباً في الطفولة. ومن المسيطرين بدماثة معشرهم الكاذبة، مقتنصين ثقة اكتسبوها بفعل سلوكهم الثعلبي، ومظهرهم الخادع في المراهقة. كما وتتبدد المشاعر وتُنتهك الكرامة من أولئك المتربصين شراً للفتيات في الشوارع. قطّاع طرق أو مفارق يمنحون ذاتهم سلطة العنف اللفظي الواسعة، وبكل القوة المتحصّنة بخلفياتهم الأخلاقية والتربوية.
إذاً «شو يا قشطة» عرض مسرحي مستوحى من قصص حقيقية. عندما نسجته الممثلة وفاء حلاوي نصاً مع المخرج رياض شيرزاي كانا في حالة انتماء كلي له. بحيث بات قضيتهما في مكان ما. لكن هذا الإيمان بضرورة كشف اللثام وعلى المسرح عن قضايا الاغتصاب والتحرش، وأثرها على الضحايا، لم ينح بالعمل سواء نصاً أو اخراجاً نحو المبالغة. ما قاله العرض المسرحي فاق بقوة فعله وانتشاره جهود الجمعيات النسائية التي تتبنى الدفاع عن المرأة. وهذا ما يُحسب للمنتجتين ميشال فنيانوس ووفاء حلاوي، وللمخرج رياض شيرازي.