لم تعد تظهر شيرين أبو عاقلة من القدس المحتلة، فقد ظهرت مراسلة للجزيرة من القاهرة بعد سنوات من غلق المكتب، ومطاردة من يعملون فيه «بيت بيت.. زنقة زنقة»!
هذا الظهور لمراسلة الجزيرة يأتي طبيعياً بعد المصالحة بين الدوحة والقاهرة، لكن كيف يمكن فهم عملية اعتقال ربيع الشيخ، منتج المقابلات في قناة «الجزيرة مباشر» في مطار القاهرة قادماً من قطر لقضاء إجازة الصيف وسط أهله، والذين حرم من زيارتهم خلال السنوات الأخيرة، وبعد اعتقال إثنين من زملائه، وقبل اعتقال ثالثهم، وهذا الثلاثي المعتقل هو الذي مثل عقبة أمام من لم يمتنعوا عن زيارة مصر من العاملين في الجزيرة، لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مهنيون، وليسوا طرفاً في الصراع السياسي، ومن بين هؤلاء كان ربيع الشيخ!
ومشكلة أولي الأمر منهم في مصر، في عدم وجود قواعد للعب، فالأمور تسير ارتجالياً، على نحو يصعب معه التنبؤ بشيء، وقد ظل محمود حسين يتردد على القاهرة بمعدل مرتين في السنة، وفي ذات سفرية ألقوا القبض عليه، ليلبث في سجنهم سنين عدداً، ويخلى سبيله بإجراءات احترازية تمنعه من السفر أو ممارسة حياته بشكل طبيعي، وقد أسرفت السلطة في استخدام هذا الاجراء في قضايا الرأي والسياسة، وكان لا يطبق في الماضي سوى على المجرمين الخطرين، الذين يُستهدف وضعهم «تحت الوصاية» وتقييد حركتهم بعد الإفراج عنهم!
وكل قواعد الاشتباك التي كان يمكن الوقوف عليها من الممارسة في بداية الانقلاب تلاشت الآن، ربما لتعدد الأجهزة الأمنية التي تتنازع الاختصاص على ملف الداخل، وإذ خرجت من مطار القاهرة بعد الانقلاب، ثم رجعت اليها عبره، فقد ناقشني زميل في أمر عودته، وقد أغراه أنه لم يتم توقيفي بعد أن قضيت أسبوعين على شاشة «الجزيرة» على مدار الساعة، فقد لفتت انتباهه إلى أن حالتي لا يقاس عليها، لأن الأجهزة الأمنية تركز على الإخوان، ولم تحن ساعتنا نحن بعد، ولأنه منهم فسوف يعتقلونه، لكنه لم يقتنع بما قلت فعاد. وبعد الفض غادرت مصر من المطار أيضاً ولم يستوقفني سوى أمناء شرطة رحبوا بي، ليشدوا من أزري، بشكل أذهلني لأعلم بعد سنوات أنهم في هذه الفترة قاموا بحركة احتجاجية لزيادة رواتبهم، إذ تصوروا أن 3 يوليو/تموز 2013 ثورة تتحمل المطالب الفئوية.
وغادرت القاهرة:
كنت أدرك وأنا أغادر القاهرة أنه سفر بلا عودة، ما لم يتغير «الظرف السياسي» المانع، ولم يكن مفاجأة لي عندما اتصل بي زميل وكان قلقاً، لأن هناك من سأل مسؤولا أمنيا رفيع المستوى عن مصير الصحافيين المصريين المعارضين إذا عادوا، وربما اعتقد لسبب ما، أنه يسأل عن مصير شخصي الكريم، ولم يكن هذا صحيحاً، فنزل من التعميم إلى التخصيص، ليقول له إنه لن يسمح لـ «سليم عزوز» بأن ينزل إلى أرض المطار وسوف يتم اعتقاله وهو في كرسيه في الطائرة، فقلت: بلغ المسؤول الأمني رفيع المستوى تحياتي لحسن تعاونه معي، فقد تسبب سلوك الفتوة الطاغي على أدائه، في حرمانه من صيد ثمين!
وكان المستقر عندي، حتى قبل تعاون القيادة الأمنية رفيعة المستوى مع جنابنا، أن القوم عندما يفرغوا من الإخوان، سنكون نحن هدفهم التالي، فكانت هناك قواعد تبدو واضحة ومنطقية، وكانت القاعدة لدى البعض أنه ما داموا ليسوا من نجوم الشاشة، أو من المشتبكين مع الحالة السياسية، فهم في أمان، ولهذا استمروا يسافرون إلى مصر مع احتدام الأزمة، وقد أربك القبض على محمود حسين حساباتهم، لكنهم استوعبوا الصدمة بعد نزول البعض بدون توقيف، وبالقبض على هشام عبد العزيز، كانت الرسالة مقلقة، لا سيما وأنه «في حاله» و»شغله» لا يدخل في حوار سياسي أو خاص، وقد شاهدته أكثر من مرة، فلم يكن طرفاً في أي حوار، وليست له ولو صفحة على منصات التواصل الاجتماعي، يمكن أن يفهم منها أن له رأي سياسي!
وبالقبض على هشام عبد العزيز، ومن بعده وربما من قبله بهاء إبراهيم من «الجزيرة مباشر» كان القاعدة التي تبدو لي جلية هي الفصل بين من التحقوا في الجزيرة قبل 2013 وبين من التحقوا بها بعد الانقلاب، فقبل هذا التاريخ ومع أن العداء بين نظام مبارك وقطر كان على أشده، كان الصحافيون المصريون الذين يعملون في الجزيرة في الأمان، مرة واحدة يتيمة تورط فيها مسؤول، هو وزير الإعلام صفوت الشريف، وقال إنهم يدرسون اسقاط الجنسية عن مدير الأخبار في الجزيرة المصري صلاح نجم، وهو الأمر الذي هاجمته عليه كثيراً في مقالي اليومي في جريدة «الأحرار» لكن بدا أن تهديده هو زلة لسان، فلم تسحب الجنسية، ولم يكرر الوزير هذا التهديد!
اعتقال النجدي
قاعدة ما قبل وما بعد، سقطت باعتقال أحمد النجدي، الذي يعمل في الجزيرة منذ عشرين عاماً، قادماً اليها من الإذاعة المصرية «بيت الخبرة ذائع الصيت» وهو رجل مريض وقد تجاوز الستين من عمره، وعمله محصور في التدقيق اللغوي، فليس موجهاً، أو مسؤولاً، أو صانع سياسة أو منفذا لها، وفي المرات القليلة التي تحدثت معه انصب حديثنا عن ذكرياته مع «صبري سلامة» وغيره من نجوم الإذاعة، وفي أمور مرتبطة بدورهم في إدارة هذا المرفق في مرحلة مجده، فلا سياسة ولا يحزنون!
وهذا ما جعله كثير التردد على القاهرة، حتى في فترة حصار قطر، وما يصاحبه من إرهاق عندما يضطر المسافر لدولة وسيطة «ترانزيت» من وإلى الدوحة، وعندما يعتقل «النجدي» والحال كذلك، فقط سقطت القاعدة التي كنت أعتقد أنه معمول بها، لنصبح أمام حالة من السيولة، هذا إن كانت ثمة قاعدة وُضعت من الأساس!
وفي المصالحة المصرية القطرية، تعامل البعض على أن هذه أزمة قد خلت، وأنه صار متاحاً لهم السفر، فلا مبرر لتجريم العمل في الجزيرة، وهو الأمر الذي حرضت عليه الأبواق الإعلامية للسيسي في فترة الصراع، فات هؤلاء لغبائهم أنه لولاها ولولا قنوات تركيا ما كان لهم وجود مع شخصية السيسي، التي تميل لمرحلة «الأبيض والأسود» ويود لو أعاد كل هذا الزحام الفضائي إلى زمن القناتين الأولى والثانية لينام على برنامج «نادي السينما» لدرية شرف الدين، التي أثرت فيه حتى أنه يتنقل بها بين المناصب من وزيرة للإعلام إلى رئيسة لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان، لم يبق إلا أن يعيد التقليد الفرعوني القديم بتحويلها إلى عروس لنهر النيل.
المصالحة تعني للمراقب، إعادة فتح مكتب الجزيرة في القاهرة، وذلك ليعود العاملون فيها إلى حدود ما قبل 2011، وقد بدأ البعض بالفعل يسافر ويعود، من غير نجوم الشاشة، بطبيعة الحال، وهو ما أغرى ربيع الشيخ بأنه يمكنه السفر والرجوع في أمان، لا سيما وأنه يركز في مهنته، ولا يكتب في السياسة ولا يمارسها، وهو صحافي شاب ومجتهد، اعتبر أن وجوده في الجزيرة فرصة لتكوينه المهني، فاندفع يحصل على الدورة تلو الدورة في معهد الجزيرة للتدريب.
ولأنه مجتهد، ولكل مجتهد نصيب، فقد كان يعمل كل ما في وسعه من أجل اقناع شخصيات عدة للظهور على شاشة الجزيرة مباشر، في وقت كانوا يحجمون عن ذلك بمن في ذلك الذين انسلخوا من معسكر الانقلاب العسكري، وكانت المصالحة فرصته لتحقيق الغاية المنشودة لقناة شعارها «الرأي والرأي الآخر» ومعظم الشخصيات التي ظهرت منحازة للنظام وتميزت بظهورها شاشة «مباشر» كان هذا نتاج نضال ربيع الشيخ، وهو شخصية قد لا تجد معها بداً للهروب من دعوته، إلا الامتناع عن الرد على اتصالاته الملحة!
ولم يكن اجتهاده فقط في المسألة المصرية، فكل الملفات كان فيها حاضراً يقوم في عمل مكتب كامل، بل كان مكتباً متنقلاً، وعندما قامت الثورة السودانية، احتشد ليكون ضيوفه شخصيات نراها لأول مرة ومن كل ألوان الطيف السياسي هناك، ومن عسكريين صاروا في سدة الحكم، سواء من الدوحة، أو من خلال مقابلات أحمد طه من الخرطوم. وقد تفوقت الجزيرة مباشر على ما عداها من الشاشات الأخرى في تغطية الثورة السودانية.
وقد كانت سعادة ربيع بالمصالحة غامرة، وطلبت منه أن يتريث في السفر، وقال ألم تشاهد شيرين أبو عاقلة في القاهرة، وقلت له إن هذا الاستدعاء لإعلامية غير مصرية، دلالته تدعو للتريث فيبدو أن الإعلاميين المصريين في الجزيرة لا يزالون هم موضوع أهل الحكم، لكنه لم يوافقني الرأي وسافر ليعتقل، وقد وجهوا له الاتهام بنشر أخبار كاذبة، مع أن كل الأخبار المنشورة على صفحته متعلقة بالمصالحة!
إنهم يعادون المهنة يا ربيع!
صحافي من مصر
” وبعد الفض غادرت مصر من المطار أيضاً ولم يستوقفني سوى أمناء شرطة رحبوا بي، ليشدوا من أزري، بشكل أذهلني لأعلم بعد سنوات أنهم في هذه الفترة قاموا بحركة احتجاجية لزيادة رواتبهم، إذ تصوروا أن 3 يوليو/تموز 2013 ثورة تتحمل المطالب الفئوية.” إهـ
هذا كلام صحيح!
كنت بذلك الوقت بفندق في دولة خليجية وكان مدير الفندق فرحاً بالإنقلاب,
لعل وعسى يرتفع الوضع الإقتصادي بمصر!! ولا حول ولا قوة الا بالله
عندما تكون الطبقة الحاكمة عبارة عن عصابة و رأسها هو زعيم هذه العصابة و كل من حوله يسبحون بحمده و هدفهم التطبيل له مهما فعل و قال الى درجة ان أحدهم صرح بعد ان أعلن زعيم العصابة انه سيرفع لا محالة سعر الخبز ، اكبر الخطوط الحمراء ، و في مقارنة قمة في الكوميديا السوداء حين قارن السعر مع سعر السيكارة، صرح المومأ اليه ان الرئيس أعاد الكرامة الى العيش المصري !
.عندما يحصل كل ذلك في مصر و اكثر بكثير ،فلا غرابة البتة ان تكون هذه هي النتائج!
الامور و القرارات في مصر يتخذها المسؤولون وهم نيام