تحتاج دوائر القرار للوقوف بتعمق أمام قواعد مبررات واحتياجات الإصلاح الحقيقي بسبب اليأس الاجتماعي والضجر الأفقي من كثرة الحديث عن الإصلاح والتحديث من دون ممارسته في الميدان.
عمان-»القدس العربي»: قد تنجح سياسة أو فلسفة إخلاء مواقع الصف الأول في صالة العرض السياسي الداخلي الأردني إذا ما ارتبطت حقا باستراتيجية متدرجة مرتبطة بإرادة سياسية أفقية.
لكن مثل هذا الإخلاء النخبوي لمواقع الصف الأول قد يؤدي إلى دحرجة تأزيم سياسي غير مسبوق أو معهود لم يألفه الأردنيون إذا انتهت مقررات وتوصيات تحديث المنظومة السياسية للبلاد بمتوالية هندسية جديدة لها علاقة بالانتخابات والأحزاب هذه المرة أو بجملة تكتيكية لعوب فيها قدر من التحايل على الواقع فقط.
تحتاج دوائر القرار للوقوف بتعمق أمام قواعد مبررات واحتياجات الإصلاح الحقيقي بسبب اليأس الاجتماعي والضجر الأفقي من كثرة الحديث عن الإصلاح والتحديث من دون ممارسته في الميدان، لأن ما قاله معارض مثل الشيخ مراد العضايلة لا يزال ماثلا عندما يتعلق الأمر بسؤال الإصلاح الشامل على أساس انه احتياج للدولة والنظام هذه المرة.
سمعت «القدس العربي «العضايلة يقول ويكرر تلك القناعة. وسمعت عضو لجنة التحديث للمنظومة السياسية والباحث الأكاديمي الدكتور زيد عيادات يؤشر على أن الخطوات المتدرجة ينبغي ان يتعامل معها الجميع الآن بجدية لأن الكلفة لن تكون بسيطة.
المضمون الأعمق في خطاب التحديث والذي تضمن تنازلات للناس قدمتها الدولة ومؤسسات القرار ضمنيا بعد انتخابات شهيرة عبثت بها ميكانيزمات الهندسة.
وما يعنيه ذلك أن كلفة وفاتورة مراوغة التحديث إلىن بعد إنضاج صفقته للمنظومة ستكون أكبر بكثير مستقبلا إذا بقيت الجملة السياسية في إطار الملاعبة والمراوغة وإذا لم يتم فعلا تجهيز بديل وطني ومنتج والأهم جاهز للعمل والواجب عندما تحين لحظة إخلاء مواقع ومقاعد الصف الأول.
ناقشت المعارضة الإسلامية ذلك خلف الستارة والكواليس.
ولاحظت شخصيات خبيرة وعميقة بأن نمطية الإحلال والاستبدال يبدو أنها تؤثر في المناخ العام.
والفكرة من التحديث ومنظومته كانت أصلا التبديل والتغيير والتخلص من تكدس بعض النخب الكلاسيكية وإخلاء مقاعدها بالتدريج حفاظا على التوازنات إلى ان تتاح فرصة التحول لبرامج حزبية تحكم سلطة التشريع ثم تنتقل لاحقا وفي غضون عشر سنوات إلى لعب دور رئيسي في الإدارة وسلطة التنفيذ.
ذلك طموح كبير ومشروع تحول برعاية ملكية.
لكن الاقتراحات التي تتحدث عن عبث محتمل والشكوك متراكمة أيضا في الساحة، حيث يصر قطب برلماني مثل صالح العرموطي على ان الطريق الأقصر والأسرع والأفضل هو الالتزام بدفع كلفة البقاء في مستوى الإحتكام للدستور فقط.
المسألة تتعلق بالإجراءات وفقا للمحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، فإخلاء مواقع الصف الأول لا يحتاج لعصف ذهني بل لقرارات وإجراءات إصلاحية يمكن ان يصفق لها الجميع قبل البحث في تفاصيل المنظومة وتحديثها.
والسؤال المركزي في هذا السياق هو إخلاء مقاعد من لمن؟
عند بروز أي محاولة للإجابة على هذا السؤال يعيد بعض السياسيين الأمر لمضمون ومحتوى وثيقة تحديث المنظومة السياسية، فالأحزاب لديها فرصة مضمونة لـ 42 مقعدا على الأقل من 138 مقعدا في مجلس النواب المقبل.
وفرصتها بناء على التشبيك بين التيارات الحزبية متاحة في التقاط مقاعد أخرى من الدوائر المحلية بعد إعادة ترسيم حدودها الجغرافية والديموغرافية إداريا.
ويعني إفراز قيادات جديدة خصوصا من قطاعي الشباب والمرأة عبر تلك الرافعات الحزبية وانضمام قيادات حزبية لها حضور اجتماعي إلى مقاعد الصف الأول في البرلمان ولاحقا في الحكومة ان سارت العملية بهدوء.
وما يتحدث عنه بعض المراقبين الآن هو إطلاق العنان للتفكير العميق لهذه الصورة البانورامية في المستقبل.
وهو تفكير تنشغل فيه اليوم الأحزاب السياسية القادرة على المنافسة والمناولة وتنشغل فيه أيضا مشاريع أحزاب تحت التأسيس وتحظى بالعناية والرعاية الرسمية البيروقراطية وقد يخضع بعضها لاحقا للتسمين والتغذية.
دوائر الدولة والقرار يفترض أيضا ان تهتم، فالحديث عن نخبة وأدوات جديدة في الصف الأمامي بعيدا عن المنظومة أو الإلهاء تراقب مسبقا تركيبة الطبقة السياسية التي ستنتج عن تعديلات قانوني الانتخاب والأحزاب.
وتلك مسألة تستحق التوقف ومن الواضح ان الجميع ينشغل بها مرة في سياق الهندسة والجاهزية والاستعداد ومرات انطلاقا من الفضول والتكهن والرغبة في التوقع ودائما استنادا إلى طموح الحصول ولو على حصة أو قضمة من كعكة تحديث المنظومة السياسية أو مقعد من أي نوع في الصف الأمامي الجديد.
الزحام شديد لكنه حائر مسبقا.
التيار الإسلامي يناقش ويناور ويستعد. وجبهة نشطة باسم التيار الحزبي المدني تبحث عن فرصتها ومقعدها. وجبهة ثالثة بلون يساري كذلك.
لكن القضمة الكبرى قد تكون مرتبطة بجاهزية الإسلاميين وقدرة عملية التسمين والتغذية على حجز مسبق لمقاعد أمامية لا يمكن حسم حجمها وعددها إلا بعملية تأسيس لتيارات حزبية حقيقية، الأمر الذي يظهر بالتوازي هواجس ومخاوف الاحتياج لهندسة ما.