لندن – “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “صاندي تايمز” مقالا للمحاضر بجامعة هال البريطانية ديراج باراميشا شايا عن دور المخابرات الهندية في الخارج، وسط التوتر الحاصل بين كندا والهند بسبب مقتل زعيم سيخي واتهام أوتاوا نيودلهي بالضلوع في الجريمة.
وقال في بداية المقال إن التفجيرات التي ضربت مدينة مومباي في 12 موقعا عام 1993 وخلفت وراءها 257 قتيلا ونظمتها جماعة سرية مرتبطة بالمخابرات الباكستانية كانت درسا لجناح البحث والتحليل “أر أند إي دبليو” وهو الاسم الذي يطلق على وكالة الاستخبارات الخارجية الهندية، وحضرت نفسها للرد. فعلى مدى سنين كانت الوكالة تدرب عملاءها في باكستان وكان رئيس الوحدة بشبكته القوية يعرف أين يختبئ المتشددون وينتظر أوامر الرد، وعندما جاء الأمر من رئيس الوزراء، طالب بالمتابعة والإبلاغ ولم يحدث أي رد.
وعلى مدى العقود شعرت الوكالة “أر أند إي دبليو” والتي أنشأتها رئيسة الوزراء أنديرا غاندي في 1968 بالإحباط نتيجة الإحباط السياسي، لكن هذا جعلها بعيدة عن الأضواء مقارنة مع خدمات أجنبية استخباراتية أخرى. لكنها خرجت للأضواء في الأسبوع الماضي عندما قال رئيس الوزراء جاستين ترودو إن لديه أسبابا للاعتقاد أن عملاء هنودا كانوا وراء جريمة قتل هذا الصيف في فانكوفر. وكان هارديب سينغ نيجار، الكندي- الهندي من أشد الداعمين للحركة الانفصالية السيخية في الهند ومطلوبا للهند بناء على قانون منع الإرهاب لعام 2002، حيث كمن له شخصان ملثمان وأطلقا النار عليه أمام معبد في ساري، بكولومبيا البريطانية في 18 حزيران/يونيو.
وقال ترودو أمام البرلمان الكندي إن “أي توط لحكومة أجنبية في مقتل مواطن كندي على التراب الكندي انتهاك غير مقبول لسيادتنا”، وإنه طرح موضوع الاتهامات مع رئيس وزراء الهند ناريندا مودي أثناء قمة العشرين هذا الشهر. ونفت الهند بشدة الاتهامات ووصفتها بالغريبة إلا أن القضية أثارت الفضول حول عمل وكالة الاستخبارات الخارجية “ار أند اي دبليو” وطرقها وأهدافها، وما هي حقيقة وكالة الاستخبارات الخارجية الهندية؟ فهل هي منظمة حميدة كما يوحي اسمها أم أنها آلة قتل مسلحة لملاحقة أعداء الدولة بعيدا عن حدودها مثل الموساد؟ والحقيقة هي “بين بين” وفي الظلال الرمادية التي تعمل فيها المنظمة.
وفي ظل التاريخ المضطرب للبلد، عملت المنظمة هذه بناء على معتقدات وسياسات قادة البلد السياسيين. فبعد الاستقلال عن بريطانيا في 1947، رفض الزعيم الهندي جواهر لال نهرو إنشاء وكالة استخبارات خارجية، نظرا للتجربة المرة الاستعمارية مع بريطانيا والسياسة الخارجية التي توجهها المبادئ. إلا أن ابنته وخليفته أنديرا غاندي شعرت أن هذا الموقف المعطل أعمى الهند عن التهديدات الأمنية. وأعلنت في أيلول/سبتمبر 1968 وبأمر تنفيذي عن إنشاء “أر أند إي دبليو” وكلفتها بمهمة إعداد تقارير أمنية استراتيجية والحفاظ على التأثير في دول الجوار، وبخاصة باكستان. وحصلت خلال فترة حكمها وحكم ابنها راجيف غاندي على دعم ورعاية سياسية قوية. لكن لم يكن لديها ميثاق قانوني للواجبات، فصلاحياتها تعتمد على سياسات ومعتقدات من هو في منصب رئيس الوزراء.
وتوسعت الوكالة في الخارج حيث ركزت على التهديدات العسكرية النابعة من باكستان والصين، وتبنت بشكل تدريجي سياسة متابعة الجماعات الإرهابية الانفصالية التي تريد تمزيق البلد. وبحلول عام 1970 كان لأر أند إي دبليو محطات في الدولة الجارة وباريس وبون واسطنبول وهانون وبنوم بنه وموريشوس وفيجي وترينداد حيث كانت تراقب تطورات عسكرية تتعلق بباكستان والصين. ومع تزايد التهديدات من البنجاب وكشمير ونمور التاميل في فترة الثمانينات من القرن الماضي، نشرت “أر أند إي دبليو” محطاتها وتوسعت إلى أمريكا الشمالية واستراليا ودول الخليج. ودفعت المطالب الانفصالية من السيخ والكشميريين والتاميل لتوسع هذه الوكالة. وظلت نشاطاتها مقتصرة على المراقبة والعمل السياسي لا القتل.
ومع زيادة التهديدات الإرهابية في عقد التسعينات من القرن العشرين، بدأ المجتمع الاستخباراتي الهندي يعبر عن إعجاب بنجاحات الاغتيالات المستهدفة الإسرائيلية، وملاحقة مجرمي الحرب النازيين ومهندسي السلاح المصريين، الذين أطلقت النار عليهم أو سقطوا من شرفات المنازل أو سمموا من بلجيكا إلى البرازيل. لكن حماس المنظمة خفت بسبب غياب الدعم السياسي.
وبعد وقفها عن الرد على هجمات مومباي 1993، قررت التركيز على اختراق العصابات. واعتمدت عقيدتها على الإقناع والرشوة والتفرقة واللجوء إلى العنف كحل أخير. ولكن سياسة التفرقة كانت تثمر عن خلافات وقتل داخل المنظمات بدون تورط المنظمة التي تستثمر هذه لصالحها. وتبنت هذه السياسة في دول الجوار، فحرب العملات المزيفة في نيبال أسهمت في تمويل الجماعات الإرهابية في الهند والعصابات المتنافسة التي تريد السيطرة على التجارة المربحة، واستخدمت العنف ضد منافسيها. وساعدت الصراعات المسلحة بين هذه الجماعات المنظمة الاستخباراتية على خرق المنظمات الإرهابية وبدون حاجة لتصريح رسمي في معظم الأحيان.
إلا أن الهجوم الدموي في عام 2008 في مومباي والذي أدى لمقتل 175 واتهمت جماعة لاشقر طيبة بتنفيذه قاد أر أند إي دبليو لتغيير موقفها باتجاه القتل المستهدف. وبعد الهجمات مباشرة، عززت أر أند إي دبليو من تعاونها مع الموساد وتعلمت المهارات المطلوبة للقيام باغتيالات خارجية. ولكن هذا كان بمثابة رد فعل غير محسوب لم يثمر أي نتائج مباشرة. وفي عام 2014 عين مودي، أجيت دوفال، مدير مكتب الاستخبارات، أو وكالة مكافحة التجسس الهندية، كمستشار للأمن القومي. ونظرا لسمعته في الهند كجيمس بوند فقد دار الحديث حول تحول الهند إلى إسرائيل جديدة، مع أنه ينتمي إلى مجتمع استخباراتي تبنى سياسة فرق تسد ضد الجماعات الإرهابية.
وبالتعاون مع مودي قوى دوفال وكالة أر أند إي دبليو. ومن هنا فسواء تحولت المنظمة لموساد جديدة أم أنها حافظت على أسلوبها القديم فهذا يعتمد على الأدلة التي تملكها كندا. فعندما تقوم أوتاوا بنشر أدلة عن تورط فعلي لمنظمة أر أند إي دبليو بمقتل نيجار، فسيجد أنصار مودي مناسبة للاحتفال بأن الهند هي إسرائيل الجديدة.