لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا أعده فيليب شيرويل قال فيه إن الصين أقامت “السجون السرية” ووضعت فيها آلاف النقاد الذين اختفوا ولكي تتجنب أي إحراج في الدورة الشتوية للألعاب الأولمبية.
فقد عرف محامي حقوق الإنسان تشي يانغ ماذا سيحصل عندما جاءت الشرطة له بعدما دخل شبكة السجون السرية لأول مرة عام 2015 واستعاد الرعب الذي تعرض إليه. ووصف كيف قيد على مقعد حديدي وركل وضرب، وكيف علقه المحققون من سطح الزنزانة وعذبوه، وهددوه بالأذى الجسدي الذي يمنعه من الحركة لو لم يعترف بما فعل من جرائم.
وطالما أخبر تشي أصدقاءه “لا تتركوا الصمت لكي يصبح عادة”، إلا أن التعذيب الذي عانى منه خلف صدمة نفسية. وأفرج عنه في محكمة العام الماضي عندما اعترف بشريط فيديو أنه تعرض “لغسيل الدماغ في الخارج” ونفى أن يكون تعرض للتعذيب كما قال سابقا.
واختطف تشي مرة ثانية هذا الشهر من بيته في ولاية هونان بتهمة “التحريض على تخريب سلطة الدولة”، وطلب من عائلته الإمتناع عن تقديم مقابلات للصحافة. لكن الجرم الحقيقي الذي ارتكبه هو احتجاجه على معاملة مدرسة رميت في مستشفى للأمراض العقلية بعدما انتقدت السلطات. إلا أن توقيت اعتقاله يقترح أمرا آخر وهو محو أي حرف للإنتباه عن العدد التنازلي للألعاب الأوليمبية الشتوية في بكين الشهر المقبل.
وهي مناسبة يرغب الحزب الشيوعي الصيني تقديم صورة عن المجد الذي حققته الجمهورية الشعبية الصينية في عهد وتحت قيادة شي جين بينغ.
وحذر المسؤولون الصينيون في الأسبوع الماضي اللاعبين الأجانب من إصدار تصريحات سياسية أثناء المباريات وإلا تعرضوا “لعقوبات معينة”. لكن سقف العقوبة هو أعلى بالنسبة للمتظاهرين الصينيين. وأصبحت سياسة شي الذي يعتبر من أهم الزعماء الصينيين منذ ماوتسي تونغ، وبعدما سحق أعداءه الحقيقيين والمفترضين هي الإعتماد على شبكة واسعة من السجون السرية وعمليات التغييب القسري لهم.
فقد اختفى الناشط يانغ ماودنغ والمعروف باسمه المستعار غيو فيكسيونغ في كانون الأول/ ديسمبر بعد معركة طويلة للحصول على تصريح زيارة لزوجته المريضة في الولايات المتحدة. وتوفيت قبل شهرين، حيث أخبرت عائلته هذا الشهر أن السلطات وجهت إليه تهمة التخريب. ولا يعرف مكان اختفاء تشي (50 عاما)، ويانغ (55 عاما)، وهناك فرصة كبيرة أنهما في سجون سرية تديرها أجهزة الأمن التابعة للدولة.
ويتعرض المحتجزون إلى “رقابة سكنية في موقع محدد” وهو تعبير ملطف لاعتقال الشخص سرا ولمدة ستة أشهر وبدون اتصال مع العائلة أو المحامين. ولا يقطع الأيام الطويلة في السجن سوى ساعات من التعذيب والتحقيق.
وعندما وصل إلى الشبكة السرية قبل ستة أعوام فقد كان ينتظره استقبال مثير للخوف. وقيل له “أنت تحت رقابة سكنية في موقع محدد” و”حقك هو الطاعة”.
وتم تسجيل تجربته مع آخرين عانوا في الشبكة السرية في تقريرين أعدتهما منظمة حقوق الإنسان “سيف غارد ديفندرز” بعنوان “معتفل: داخل سجون الرقابة السكنية في موقع محدد السرية في الصين” و”سكان جمهورية الإختفاء الشعبية”. وتذكر الضحايا كيف تم احتجازهم في زنازين محصنة من الإنتحار وبدون ضوء طبيعي وتحت رقابة مستمرة من الحرس. وأشاروا إلى “التعذيب الجسدي والنفسي بما في ذلك الحرمان من النوم، ومنعهم من الطعام وساعات طويلة في الأصفاد، الضرب، الجلوس في أوضاع غير مريحة، الإجبار على تناول الأدوية، الحرمان من العناية الطبية، الإنتهاك الجنسي والتهديد بعاهات جسدية لهم ومن يحبون”.
وعبر التدقيق في سجلات المحاكم قدرت المنظمة الحقوقية عدد من سجنوا في شبكات السرية “الإقامة السكنية في موقع محدد” بما بين 27.000- 57.000 شخصا. وزاد العدد بنسبة 15.000 في عام 2020. وسجن بيتر دالين، مدير المنظمة السويدية نفسه وأجبر على الإعتراف المرتبط في عام 2016، معترفا بأنه خرق القانون ودعم محامين صينيين يطالبون بالحقوق المدنية.
ولاحظ قبل فترة أن البيانات المتعلقة بالسجون السرية قد اختفت ولم تعد هناك إشارة لحجم الإختفاء. ولاحظ الناجون من هذه المعتقلات صورة حية فيما تعرضت له لاعبة التنس المعروفة بينغ شوي. واختفت بطلة التنس الزوجي في ويمبلدون سابقا في تشرين الثاني/ نوفمبر بعدما أتهمت مسؤولا كبيرا سابقا بمحاولة إجبارها على ممارسة الجنس معه. ولم تر منذ 19 كانون الأول/ ديسمبر. ومثل تشي، فقد اختفى محامي حقوق الإنسان تينع بياو مرتين في المعتقل.
وعندما شاهد شريط فيديو لبينغ الذي بثه الإعلام الصيني وقالت إنها في حالة جيدة وسعيدة، عرف أنه من ألاعيب الحزب الشيوعي الصيني. وقال تينغ، 48 عاما “التغييب القسري هو ضرورة للديكتاتورية” و”لكن الصين لا تمارس التغييب القسري فقط بل وتعتمد على الظهور القسري، كما شاهدنا مع بينغ. فهم يستعرضونك أمام الكاميرات عندما يخدم هذا هدفهم ولكي تقول ما يهدف غرضهم”.
ويعرف هذا لأنه أجبر على تسجيل فيديو اعترف فيه بالتخريب وقال كلمات كتبها المحققون له. وقال “تم اختطافي من الشارع ونقلت إلى الشرطة السرية”. ويعيش الآن بالمنفى بالولايات المتحدة مع عائلته بعد سماح السلطات له العمل كمحاضر في هونغ كونغ عام 2012 حيث انتقل من هناك. وقال “لقد تنقلت بين المواقع ورأسي مغطى بكيس، وصفعوني على وجهي وقيدوا يدي وأجبروني للجلوس على الأرض في وضع معين ولساعات طويلة، وتم لي رجلي تحتي وأجبرت على الحفاظ على ظهري في وضع مستقيم، وضربت لو تحركت ولو قليلا”. إلا “أن الجزء الأصعب هو عدم معرفة مصيري خلال 71 يوما، وليس التعذيب. ولم تكن تعلم عن المدة التي ستظل فيها معتقلا، وكنت تعيش في الظلام ولمعرفتك أن عائلتك لا تعرف شيئا عنك، فقد كانت العزلة كاملة”.
واتهمت بينغ (36 عاما) نائب الرئيس السابق جانغ غاولي، 73 عاما، في منشور على منصات التواصل تم حذفه مباشرة، وليس قبل تحميله بشكل واسع. ولم يكن اختفاؤها مريحا لتحضيرات بكين للدورة الأولمبية. فقد لعبت نفسها في ثلاثة دورات أولمبية قبل تقاعدها. وأدار الشخص المتهم مجموعة العمل الحكومية التي تعاملت مع اللجنة الأولمبية الدولية. وقام رئيس اللجنة توماس باخ بعقد لقاء عبر الفيديو مع بينغ اعتبر “مهزلة”. وقال مؤسس سيف غارد ديفندرز، مايكل كاستر “قررت الصين تغييب بينغ شوي لأنه كان لديها الشجاعة للحديث ضد الإنتهاكات الجنسية قام بها مسؤول بارز في الحزب”. وقال إن بكين غيبت عشرات الآلاف من المواطنين الصينيين ولأسباب أقل من أجل إسكاتهم وتخويفهم. ودعا لعدم السماح للصين كي تستخدم المناسبة لتبييض سمعتها.
وسجن الفنان أي وي وي الذي ساهم بتصميم الملعب الوطني الذي جاء على شكل عش عصفور لدورة 2008 لمدة 81 يوما بعد ثلاثة أعوام من المناسبة. وتوسع نظام التغييب منذ ذلك الوقت وأصبح قانونا. واستخدم لمواجهة المناطق التي حدثت فيها اضطرابات مثل هونغ كونغ، وضد زعيم الطلبة السابق جوشوا وونغ وجيمي لاي، مالك صحيفة معروف.
وكان المواطن البريطاني بو لي واحدا من أول خمسة ناشطين اختطفوا ونقلوا إلى داخل الصين عام 2015، وبتهمة بيع محتويات أغضبت بكين. واستخدم الأسلوب نفسه ضد مسلمي إقليم تشينغ يانغ، حيث تم احتجاز حوالي مليون من الإيغور في معتقلات “إعادة التعليم”. وتم تجربة الوسائل نفسها من قبل على سكان التيبت.
ووضع أربعة صحافيين مواطنيين في شبكة السجون بعد نشرهم تقارير عن معاناتهم من الإغلاق بسبب كوفيد-19 بشكل ناقض الرواية الرسمية. وقالت عائلة واحدة منهم وهي جانغ جان إنها على حافة الموت بسبب إضرابها عن الطعام.
واختفت الصحافية هوانغ تشوكين بعد إغضابها السلطات بدعمها حركة وأنا أيضا، ولم يعرف مصيرها منذ مغادرتها البيت للسفر إلى بريطانيا من أجل إكمال دراستها بمنحة دراسية بريطانية. ولم يكن الرابط الخارجي مفيدا، فقد اختفت الصحافية والمواطنة الأسترالية تشينغ لي عام 2020.
ونفس الأمر عن الكنديين مايكل كوفريغ ومايكل سبافور اللذان اعتقلا انتقاما لاعتقال المسؤولة المالية في هواوي عام 2018 بكندا، ظلا في المعتقل ثلاثة أعوام. ودخل الكاتب والمواطن الأسترالي يانغ هينغجون عامه الرابع بالمعتقل. ويقول أصدقاؤه إن حالته الصحية تتدهور.
ولا تعلق الصين على الحالات الفردية لكنها اتهمت جماعات حقوق إنسان بأنها تسيء تصوير معتقلات “الإقامة السكنية في موقع محدد”. وكان والد شي قد طهره الحزب إلا أن ابنه الذي أصبح الزعيم الأوحد تبنى الوسائل نفسها بحجة مكافحة الفساد والقضاء على منافسيه، ففي العام الماضي تمت محاكمة حوالي 170.000 شخصا واختفاء 3.000 آخرين كجزء من حملة “تعديل” قانون فرض القانون والقضاء.