صدمة انتصار اليمين

حجم الخط
0

يعرف كل مشجع للرياضة الشعور بذلك التأثر اللذيذ الذي يشيع في الجسم كله، أعني بهجة الانتصار. وهو يتمنى من أعماقه سواء كان مشجعا لفريق انجليزي أو فرنسي أو غيره، يتمنى فوزه ويحلم بالشعور بالبهجة الذي يصاحب ذلك الفوز. وليست بهجة الفوز واحدة في قوتها. فحينما يهزم فريقك فريقا أضعف منه يكون التأثر أقل، لكنه حينما يهزم فريقا أقوى منه تصاحبك بهجة الفوز اياما كثيرة. وقد أُضيف في الآونة الاخيرة الى طائفة مشاعر الفوز شعور معروف بقدر أقل يمكن أن نسميه صدمة الفوز (الانتصار). أي الدخول في حال صدمة الى أن يأتي النصر المطلق.
يصعب أن نحدد ما هو النصر في معركة مع حماس. إن عددا من رؤساء المجالس الاقليمية في خط المواجهة في الجنوب مهتمين بسلامة السكان يتحدثون مثلا عن احراز تهدئة مدة طويلة يتم خلالها تمهيد طريق سياسي نحو تسوية دائمة. ولم أقصد الى ذلك بل أقصد بعبارة صدمة الانتصار الى صدمة تصيب دائما اليمين الايديولوجي وشركاءه الكثيرين.
كتب اسرائيل هرئيل عن «عقلية اسرائيلية» لا تسعى الى حسم شامل («بعد حرب لبنان الثالثة»، صحيفة «هآرتس» 7/8). ويأسف كلمان لبسكيند، وهو ايضا يميني سافر، يأسف في صحيفة «معاريف» لأن الحكومة لا تحاول أن تسقط حماس وهو يطمح ايضا الى حسم مطلق، وكاد ماتي توخفيلد، المراسل السياسي للصحيفة التي تعبر عن رأي نتنياهو (التي أخذت تُسمع في الآونة الاخيرة انتقادا خفيا لاجراءات السيد)، كاد يكشف عن اسباب صدمة النصر الساحق: «إن فكرة أن تنجح اسرائيل في تنشئة زعيم عربي في مواجهة اسماعيل هنية وخالد مشعل، يوقع على اتفاقات سلام هي فكرة مضللة».
خرج الثعبان من الكيس: صحيح أن كل مواطن اسرائيلي يريد نجاح الدولة في صراعها مع حماس، لكن كثيرين يعتقدون أن هذه المعركة مع أصدائها الدولية تتطلب تفاوضا عاما مع دول الجامعة العربية ومع السلطة الفلسطينية. وإن اسرائيل هرئيل وكلمان لبسكيند شخصان ذكيان يدركان ذلك، وهما يعلمان ايضا أن طموحهما الى حسم شامل، أعني صدمة انتصارهما، هو جزء من رغبتهما في صد كل احتمال للتفاوض – لأنه لماذا نتنازل تنازلات سياسية ونحن اذا شئنا ننتصر دائما على كل عدو وذلك يتعلق بنا فقط.
إن جهاز الامن نفسه يُقدر أنه ليس من المحتمل ألبتة جعل حماس ترفع العلم الابيض. واحتمال اسقاطها ايضا ضعيف جدا. ونستطيع بحكمة سياسية وبقتال عنيد أن نُضعف قوتها ومكانتها في قطاع غزة وأن نمنح السلطة الفلسطينية قوة أكبر. لكن محمود عباس اسوأ من حماس في نظر لبسكيند وهرئيل وتوخفيلد لأن حماس بحسب ايديولوجيتها ليست أهلا للمحادثة لكن عباس والسلطة الفلسطينية هما كذلك. ولهما شرعية دولية واعتراف اسرائيلي. وهما في الأساس قوة علمانية تشارك كثيرين في العالم العربي التوق الى صد الاسلام ذي المطامح الاستعمارية.
كان يمكننا في السنوات الخمس الاخيرة أن نقوي السلطة الفلسطينية وأن نلتزم بسياسة واضحة تفضلها على حماس. ولم نفعل ذلك لأن السلطة شريكة في اتفاق دائم وهذا بالضبط هو ما يخيف اليمين الاسرائيلي لأن هذا الاتفاق تهديد لحلم الخلاص بواسطة ارض اسرائيل الكاملة.
وهذا هو مصدر ، أعني اعتقاد أن النصر المطلق في المعركة يُجهض كل احتمال لاتفاقات بعد أن يضطر العالم العربي الى أن يعترف بقوتنا المتفوقة.
كل من يعلم أن دولة يهودية صغيرة في قلب شرق اوسط عربي تحتاج الى شريكات من الدول العربية والى الفلسطينيين يعلم أن الطموح الى النصر مشروع، لكن ينبغي الابتعاد عن ناشري صدمة الانتصار الذين يستعملون كلمة انتصار لاحباط اتفاق سلام.

هآرتس 12/8/2014

عوزي برعام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية