نواكشوط- ‘القدس العربي’: أظهر أول تقرير استراتيجي سنوي شامل عن موريتانيا رصد فيه المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية (هيئة مستقلة)، الحالة العامة لموريتانيا خلال السنتين (20012-2013)، أن موريتانيا شهدت خلال سنتي التقرير، تحولات كبيرة وهزات عميقة على مختلف الأصعدة.
وفي المحور السياسي تناول التقرير الذي نزل توا للأسواق، أزمة ‘رحيل الرئيس’ الذي دعت له المعارضة الراديكالية مستفيدة من رياح الربيع العربي، كما عرج على أزمة الانتخابات البلدية والنيابية التي نظمت في تشرين الثااني / نوفمبر 2013، مقدما معطيات رقمية وقراءة أولية عن نتائج هذا الاقتراع، قبل أن يتناول التقرير الحراك السياسي للشرائح الاجتماعية مثل الحراطين (الأرقاء السابقون) والزنوج و’لمعلمين’ (الصناع التقليديون).
وكانت أبرز ملاحظة سجلها التقرير عن انتخابات 2013 النيابية، هو طغيان المال السياسي والقبيلة وضعف الأحزاب الذي اتضح من خلال النتائج التي حققتها كل تشكلة على حدة.
وتوقف التقرير مطولا أمام الأزمة السياسية التي تشهدها موريتانيا منذ انقلاب 2008 الذي أطاح فيه الجيش بأول رئيس منتخب، مؤكدا ‘أن الأطراف السياسية الموريتانية فشلت في حل هذه الأزمة ولم تتمكن من إنهائها لا بالتراضي ولا بالغلبة، حيث رفعت منسقية المعارضة أولا شعار رحيل النظام ثم قبلت بمحاورته، كما أن النظام حاور أطرافا من المعارضة وتجاهل أطرافا أخرى’.
وفي المحور الدبلوماسي، توقف التقرير عند موضوعات أهمها إدارة النظام الحاكم في موريتانيا للأزمة في مالي، والتأرجح الديبلوماسي للعلاقات المغربية الموريتانية، متحدثا عن دفء بطعم المصالح والتحديات للعلاقات الموريتانية الجزائرية.
ولم يغفل التقرير تعامل موريتانيا مع الصراع الدائر بين فرنسا والولايات المتحدة حول الريادة الاستراتيجية في منطقة الساحل التي أصبحت المأوى المفضل للحركات الجهادية المسلحة.
وخلص التقرير إلى أن موريتانيا اتجهت بعد تشرين الاول / اكتوبر 2012، لمصالحة مالي وإعادة العلاقات معها إلى علاقات جوار طبيعية وشمل هذا التوجه تبادل الزيارات الرسمية وتأمين الحدود التي تمتد على 2500 كلم.
وبخصوص علاقات موريتانيا مع المغرب، أشار التقرير إلى أن هذه العلاقات تميزت في السنتين الأخيرتين بطابعها المتغير وبتجاذباتها غير المستقرة مما أثر سلبا على نموها وتطورها.
وتوقف التقرير عند انعكاس أزمة الصحراء الغربية على هذه العلاقات فأوضح أن المغرب يعول كثيرا على موقف موريتانيا المحايد في هذه الأزمة.
وذكر التقرير مظاهر لتأزم العلاقات بين نواكشوط والرباط بينها أزمة تسجيل الطلاب الموريتانيين في المغرب، واحتضان المغرب لمناوئين للنظام الموريتاني، وتعقيد منح التأشيرات للموريتانيين لدخول المغرب.
وسجل التقرير التطور الكبير الذي شهدته العلاقات الموريتانية الجزائرية على أكثر من صعيد خلال السنتبن الأخيرتين، وهو ما أرجعه التقرير لقدرة الجزائر على التأثير في مجريات الشأن السياسي الموريتاني مع أن الجزائر ،حسب التقرير، تعاني من شح شديد في الحلفاء بموريتانيا بسبب مخلفات حرب الصحراء وقوة نفوذ منافستها المملكة المغربية داخل موريتانيا’.
وحظي تعقيد حسابات العلاقات الموريتانية السنغالية بوقفة هامة في هذا التقرير الذي خلص إلى أن تشابك مصالح البلدين سيفرض عليهما التفاهم وإزاحة العراقيل.
وبخصوص علاقات موريتانيا بالاتحاد الأوروبي، تحدث التقرير عن ثلاثية السمك والأمن وصد الهجرة السرية التي جعلت موريتاينا تتبوأ الصدارة في اهتمامات الاتحاد خلال السنوات الأخيرة.
وأكد التقرير أن موريتانيا ، وإن لم تكن قد وصلت بالفعل لدرجة الحليف الاستراتيجي مع الاتحاد الأوروبي، فإن طبيعة اهتمام الأوروبيين بها اليوم تشير لاحتمال تحقيق تطور في العلاقات بين الجانبين.
وأفرد التقرير مكانة كبيرة للحديث عن العلاقات بين موريتانيا وكل من فرنسا والولايات المتحدة القوتين اللتين تصطرعان حول الدور الإستراتيجي في المنطقة الساحلية.
وشهد التقرير للنظام الموريتاني بأنه قد تمكن رغم حدة التنافس بين فرنسا وأمريكا، من تبني مقاربة ديبلوماسية مؤسسة على حسابات الملف الأمني، استوعبت طموحات انفتاح البلدين على موريتانيا.
وفي الجزء الخاص بالربيع العربي، أكد التقرير أن الثورات العربية التي انطلقت مطلع عام 2011 واستمرت خلال السنتين التاليتين دفعت النظام الموريتاني نحو خيارين أحدهما الاصطفاف مع الشعوب الثائرة وهو ما يزكي المد الثوري الداخلي، أو الوقوف مع الأنظمة الساقطة أو المترنحة بما في ذلك من كلفة أخلاقية مؤثرة على الشرعية السياسية.
وأكد التقرير أن النظام حاول الجمع بين الخيارين إلا أنه في الأخير اندرج في صف معارضي الثورات وبخاصة بعد انقلاب في مصر.
وتحدث التقرير في الأخير عن التسارع الكبير لدور وتأثير شبكات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك وتويتر)، التي تحولت، حسب ملاحظات التقرير، إلى نافذة ومصدر مقروء على أوسع نطاق.