صديق إسرائيل المغضوب عليه

حجم الخط
0

لا يحتمل الكيان الصهيوني أي تغير في الآراء المتضامنة معه، ولا يجيد أبدا فن استيعاب رأي الآخر، بل إنه يعتبر الصديقَ عدوا بمجرد إبداء وجهة نظره (المخالفة) وهذا بالضبط ما حصل مع الشيف العالمي الأمريكي الإسباني الأصل خوسيه أندريس، فما هي حقيقة ضرب المطبخ المركزي العالمي WCK في مقتل؟
مؤسس معهد الغذاء العالمي في جامعة جورج واشنطن
خوسيه إندريس هو مؤسس المركز المركزي العالمي World Central Kitchen (WCK) وهو منظمة غير ربحية مكرسة لتقديم وجبات الطعام في أعقاب الكوارث الطبيعية حول العالم. هو طباخ إسباني المولد، غالبا ما يُنسب إليه الفضل في جلب مفهوم الأطباق الصغيرة لتناول الطعام إلى أمريكا. حصل على الميدالية الوطنية للعلوم الإنسانية لعام 2015 في حفل أقيم في البيت الأبيض عام 2016 لعمله في المركز، بالإضافة إلى ذلك، حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة جورج تاون، وجامعة جورج واشنطن، وجامعة هارفارد، وجامعة تافتس. في مارس 2022، تم تعيينه رئيسا مشاركا لمجلس رئيس الولايات المتحدة المعني بالرياضة واللياقة البدنية والتغذية.

غرد خوسيه، قصف المدن ليس هو الطريق الصحيح، وقتل الناس ليس هو الطريق أبدا الطاولات الطويلة والسلام هو السبيل الوحيد، وغزة تستحق مستقبلا جيدا مثل إسرائيل

خوسيه أندريس صديقٌ فاعل لمعظم السياسيين الأمريكيين، بسبب نشاطاته الغذائية المتميزة في مجال الإغاثة الغذائية حول العالم، وهم وإعلامهم يعتبرونه ليبراليا، وهو من خلال لقاءاته وتصريحاته في وسائل الإعلام مناصر بطبيعة الحال لما يُسمى بإسرائيل، وعندما أطلق الصهاينة الدعاية الملفقة حول ذبح الأطفال وإحراقهم في السابع من أكتوبر، حتى أطلق مجموعة تغريدات تهاجم الفلسطينيين الإرهابيين ـ على حد زعمه – وقد وجه رسالة إلى الإسرائيليين نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» بقوله: «بعد أخطر هجوم إرهابي في تاريخها، حان الوقت لظهور أفضل ما في إسرائيل.. أنقذوا الرهائن بقصف كل مبنى في غزة» بل إنه هاجم السياسيين الذين وجدوا مبررا ما، ولو من وجهة نظر أمريكية لهجوم الفلسطينيين، فمثلا، وجه كلاما قاسيا ضد تيم سكوت عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية، الذي اعتبر أن بايدن متواطئ، لأن ضعفه ساعد على الهجوم، فرد عليه الطباخ خوسيه: «لقد احترمتك عندما أتيت للمساعدة في إطعام مواطنيك وسط الوباء، لقد احترمت سياستك حتى عندما لم أتفق معك. لكن من العار أن تلوم الرئيس في الهجوم على إسرائيل! هل ألقيت اللوم على بوش في أحداث 11 سبتمبر؟ كن رجل دولة! كن سياسيا جيدا.
وصل الأمر بالطباخ خوسيه أن يهاجم الوزيرة الإسبانية إيوني بيلارا ‏وزيرة الشؤون الاجتماعية، التي اتهمت الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، من خلال القصف المكثف، وقطع المياه والكهرباء، وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية. ووبخ الطباخُ الوزيرةَ قائلا لها: «عليكِ كوزيرة أن تدركي أولا أن هجوم حماس على المدنيين هو عمل إرهابي.. وأن (إسرائيل) تدافع عن مواطنيها، لم أسمعك تقولين كلمة واحدة ضد هذه المذبحة؟ هل أنت موالية لحماس؟ أنت لا تمثلينني أو تمثلين إسبانيا». ووصل به الأمر أن يشدد هجومه ويقول لها: لا تستحقين أن تكوني وزيرة، وعلى الرئيس الإسباني أن يقيلك من منصبك». لكن الجمهور الإسباني وجه للطباخ خوسيه ردا مفاده: «كرس نفسك للطهو أيها المتأمرك».

وجبات ساخنة لغلاف غزة

لم يكتفِ الطباخ خوسيه بالوقوف محاميا لما يسمى بإسرائيل، بل إنه نزل بثقل المطبخ المركزي العالمي منذ 7 أكتوبر، ليقدم أكثر من 500 ألف وجبة ساخنة (للإسرائيليين) النازحين من غلاف غزة في أعقاب الهجوم الفلسطيني، كما تعاون مع مطابخ معينة في تل أبيب لتقديم وجبات الطعام للصهاينة. وساعدت WCK في التمويل والخدمات اللوجستية في سديروت وبئر السبع، إلى جانب 20 مطعما آخر وثماني شركات تقدم المساعدات الغذائية التي دخلت في شراكة مع WCK في جميع أنحاء إسرائيل. وفي أواخر أكتوبر، ذكر منشور على موقع WCK أنه قدم حتى تاريخه أكثر من 200 ألف وجبة في دولة الكيان، وفي 7 نوفمبر قامت WCK بتحديث أنها قدمت 540 ألف وجبة ساخنة للصهاينة.

WCK بديلا لـ UNRWA

رأت دولة الكيان في WCK شراكة أساسية وضرورية «لليوم التالي» للحرب في قطاع غزة، بدلا من الأونروا، حسب محللين محليين. وازداد مدح القادة والمسؤولين الإسرائيليين لمنظمة خوسيه أندريس غير الحكومية، ففي الوقت الذي وجهوا فيه الانتقادات للأونروا، التي اتهموها «بالتواطؤ في إرهاب حماس» وأن «من بين موظفيها البالغ عددهم 13 ألف موظف، 12% ينتمون إلى حماس والجهاد». وأن منشآت الأونروا تنطلق منها الصواريخ ويختبئ فيها الإرهابيون!». وبالفعل، وبعد أن دعت إسرائيل «دول العالم إلى وقف تدفق الميزانيات إلى الأونروا» استجابت لها بسرعة 18 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا. وبعد أن ضعفت الأدلة بشأن تورط الأونروا، وزاد ضغط بعض الدول على التراجع عن قرارها، كإسبانيا التي قدمت للأونروا 20 مليون يورو أخرى «للعمل الإنساني المهم في غزة» لم يتراجع القادة الصهاينة عن رغبتهم في التخلص من الأونروا، ولإخفات الصوت المرتفع في إسبانيا، أراد القادة الصهاينة استرضاءها بأن تكون منظمة المطبخ العالمي التي يديرها الشيف الإسباني خوسيه أندريس بديلا للأونروا.
دبّ الحماس في همة الطباخ، ونزل بثقله إلى قطاع غزة، وشارك في الإنزال الجوي للمساعدات على رؤوس الجياع في غزة، وتقول إحصائيات مطبخه العالمي المركزي، إنه قدم حتى الآن أكثر من 43 مليون وجبة للفلسطينيين.
وأقامت منظمته مطبخين رئيسيين، في مدينتي رفح الجنوبية ودير البلح الوسطى. مقدمة الدعم لـ68 مطبخا مجتمعيا محليا في جميع أنحاء القطاع، بمقدار 170 ألف وجبة ساخنة يوميا. وكثفت المجموعة عملها خلال شهر رمضان، حيث تم توزيع 92 ألف صندوق طعام، أو حوالي 4.7 مليون وجبة. حسب أرقام WCK، بل إن نشاط الرجل وصل في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس الشهر الماضي، أن نسب لنفسه الفضل في دفع الولايات المتحدة إلى الإعلان عن أنها ستقوم ببناء رصيف عائم للمساعدات التي يتم تسليمها إلى غزة عن طريق البحر. قائلا: «إن هذا هو إنجازنا». فقاد بالفعل شحنتين بحريتين عن طريق البحر تحملان مئات الأطنان من المواد الغذائية إلى شمال غزة، حيث تشتد حالة الطوارئ الغذائية.

كيف تغير مزاج الطباخ خوسيه

هناك أمرٌ جعل خوسيه أندريس يغير من عباراته تجاه تأييده الأعمى لدولة الكيان، وهو التأثير الإنساني الذي تلمسته من تتبع تغريداته، فعندما هبطت فرق الرجل إلى غزة، هالهم ما رأوا من أهوال وكوارث، لا يمكن لبشر مهما قسا قلبه أن يحتملها، فتغيرت عبارات الرجل إلى عبارات أكثر توازنا، بأن ساوي بين (أطفال الطرفين) ففي أغسطس غرّد خوسيه بأن «إسرائيل لن تكون أكثر أمانا من قتل الأطفال والنساء والمدنيين. وينبغي للقوى الكبرى أن تتحلى دائما بضبط النفس. فقصف المدن ليس هو الطريق الصحيح. وقتل الناس ليس هو الطريق أبدا الطاولات الطويلة والسلام هو السبيل الوحيد، وغزة تستحق مستقبلا جيدا مثل إسرائيل… حسب تغريداته. ونادى في تغريدة أخرى بفتح المعابر، خاصة المعبر مع مصر «فلدينا الآن العديد من الشاحنات على الحدود الجنوبية لغزة مع مصر، يجب السماح بالمساعدات الإنسانية، وإعلان وقف إطلاق النار، ويجب أن ينتهي استهداف المدنيين على الفور، بالإضافة إلى إطلاق سراح جميع مواطني إسرائيل والمواطنين الآخرين دون أن يصابوا بأذى». ثم وجه كلامه إلى نتنياهو قائلا له: «سيدي؛ نحن في غزة بحاجة إلى الحفاظ على الممرات الإنسانية مفتوحة، بالإضافة إلى عدد قليل من الممرات الجديدة».

فشل الطبخات السياسية

يبدو أن الطاهي العالمي خوسيه أندريس لم يلعب سياسة جيدا وأخذته العواطف لإبداء مهنيته، ولم يجيد الطبخات السياسية، ووضع مشاعره وردود أفعاله في المقلاة الساخنة، ولأنه لا مجال حتى لمحاولة إبداء اللوم، وتعزيزا لأغراضٍ عسكرية صهيونية أخرى في كبح جماح المساعدات التي نزل بها خوسيه برا وبحرا وجوا، كان لا بد من التخلص منه ومن مطبخه المزعج، فهذا يتنافى مع مبدأ تجويع الشعب الفلسطيني، وشطب اسمه من بدائل الأونروا ليكون عبرة لمن اعتبر، فكانت الضربة القاتلة لثلاث سيارات تحمل شارة WCK في بداية أبريل 2024، وقتلوا سبعة من عماله في غزة بصواريخ إسرائيلية متعمدة في مدينة دير البلح فيما عُرف بمذبحة المطبخ المركزي العالمي. ثار الرجل، وخرج من خطابه التوافقي إلى خطابه الرافض لأفعال الصهاينة المعتدين، بل إنه وصف السلوك الإجرامي الصهيوني في غزة بأنه «لم يعد حربا ضد الإرهاب» بل «حربا ضد الإنسانية نفسها». فهل سيبقى الرجل على آرائه بعد أن تبرد الحرب، أم سيظل محافظا على مقادير موقفه؟

كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية