عبد الباري عطوانيبدو ان صلاة السيد رجب طيب اردوغان في المسجد الأموي في قلب دمشق ليست وشيكة مثلما قال في تصريحاته الاخيرة، فالتطورات التي تجري داخل تركيا لا توحي بذلك، كما ان الحليف الامريكي لا يظهر اي تجاوب مع المطالب التركية بإقامة مناطق حظر جوي لاستيعاب اللاجئين السوريين، الذين يتدفقون الى الاراضي التركية للنجاة بأرواحهم من قصف الدبابات والطائرات السورية الوحشي لاحيائهم ومدنهم.السلطات التركية بدأت تشعر بالأعراض الجانبية لتدخلها المباشر في الأزمة السورية لصالح الثورة المسلحة التي تقاتل لإطاحة النظام. وبات ذلك واضحا من خلال عمليات الاجلاء التي تقوم بها حاليا للاجئين السوريين في مدينة انطاكيا القريبة من الحدود السورية بعد حدوث صدامات طائفية مع السكان الاتراك ونسبة كبيرة منهم من العلويين.حكومة السيد اردوغان التي تعاني صداعا مزمنا من بعض الجماعات الكردية، سواء الانفصالية منها او المطالبة بحكم ذاتي وحقوق سياسية موسعة، لا تريد خسارة بعض ابناء الطائفة العلوية الاتراك الذين يحاول النظام في دمشق تعبئتهم ضدها، وتزيد اعدادهم عن 13 مليون شخص، حسب بعض التقديرات غير الرسمية، وهذا ما يفسر حملتها لترحيل لاجئين سوريين الى الداخل التركي، او الى مخيمات اللجوء لمن لا يحمل اوراقا او اقامة رسمية.’ ‘ ‘تركيا تستضيف حوالى 80 الف لاجئ سوري حاليا، ويوجود عشرة آلاف آخرين على الجانب الآخر من الحدود السورية ينتظرون السماح لهم بالدخول، وقد تعمدت حكومة السيد اردوغان اغلاق الحدود في وجههم للضغط على الولايات المتحدة لفرض منطقة حظر جوي، على غرار ما حدث في بنغازي وشمالي العراق وجنوبه قبل غزوه واحتلاله، ولكن السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية اظهرت برودا تجاه الالحاح التركي في هذا الصدد، وقالت للمسؤولين الاتراك صراحة بأن منطقة حظر جوي تحتاج الى تدخل عسكري، وهذا ليس واردا في حسابات واشنطن في الوقت الراهن على الاقل، كما انه لا يوجد اي دعم شعبي تركي لاي تدخل لقواتهم لحماية هذه المناطق في حال تفرد تركيا بإقامتها.بالأمس شهدت القاهرة اول تحرك مصري في عهد الرئيس محمد مرسي لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية عندما استضافت اول اجتماع للجنة الرباعية المقترحة، وتضم الدول الاقليمية العظمى، اي تركيا وايران والسعودية الى جانب الدولة الداعية مصر. اللقاء عقد على مستوى المسؤولين للإعداد لاجتماع اوسع على مستوى وزراء الخارجية، يلتئم في الايام القليلة المقبلة.ويتزامن انعقاد هذه اللجنة مع وجود السيد الأخضر الابراهيمي المبعوث الدولي والعربي في العاصمة المصرية، انتظارا لدعوة من الحكومة السورية لزيارة دمشق لتدشين مهمته خلفا للسيد كوفي عنان.وإذا كان السيد الابراهيمي قد اعترف بأن مهمته شبه مستحيلة، ثم عاد وأكد انها صعـــبة جــــدا، فإن فـــرص نجاح اللجنة الرباعية هذه ليست افضل حظا من مهمة الابراهيمي، ليس لأن السيد مرســي نسفها من اساسها عندما وصف الرئيس السوري بأنه غير شرعي، وايّد مطالب الثورة في الاطاحة به وبنظامه، وانما لأن اي حلّ سياسي يتطلب موافقة الدولتين العظميين اللتين تديران الصراع حاليا على الارض السورية.من الواضح ان السعودية غير متحمسة للجنة الرباعية، ولم تعلن ترحيبا قويا بها، والشيء نفسه يقال عن تركيا، والدولة الوحيدة التي باركتها منذ اللحظة الاولى هي ايران، وحماسها هذا يعود الى رغبتها في كسر العزلة الاقليمية والدولية التي تعيشها حاليا، بسبب الحصار الامريكي الاوروبي المفروض عليها لدعمها النظام السوري.فرص الحل السياسي تتراجع في ظل تقدم قناعة باتت راسخة لدى الطرفين بأن الحسم العسكري هو الخيار الوحيد للخروج من هذه الأزمة، فالنظام يقول لا حوار الا بعد تطهير البلاد من الجماعات ‘الارهابية’، والجيش السوري الحر او الوطني (الاسم الجديد) لن يتفاوض مع النظام الملطخة اياديه بدماء الأبرياء.’ ‘ ‘بمعنى آخر ستتواصل المواجهات الدموية حتى يستطيع طرف هزيمة الطرف الآخر. فإما ان يقضي النظام على المعارضة، وهذا شبه مستحيل لانه لم ينجح في ذلك على مدى 18 شهرا، حيث لم يترك سلاحا ثقيلا الا واستخدمه في القصف، وإما ان تقضي المعارضة على النظام وتدخل فاتحة الى دمشق، وهذا غير ممكن لان النظام لم ينهر رغم شراسة حرب الاستنزاف والحصار الخانق والانشقاقات التي لحقت به.عندما يقترب الطرفان من لحظة الحقيقة وينزفان حتى لحظة ما قبل السقوط إنهاكا، ويرفعان الراية البيضاء، في هذه الحالة يمكن للوسطاء ان يتدخلوا، ويمكن للحل السياسي ان ينجح، ولا نرى اي مؤشر على ان هذا سيحصل قريبا، ولهذا على السيد اردوغان ان ينتظر من اجل تحقيق امنيته في الصلاة في المسجد الأموي، وانتظاره قد يطول اكثر مما توقع.Twitter:@abdelbariatwan