الناصرة- “القدس العربي”: فيما تنقل وسائل إعلام أجنبية وعربية عن مصادر أمريكية قولها إن وقفاً لإطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله” سيدخل حيز التنفيذ خلال ساعات، يواصل طرفا الصراع التزام الصمت، وسط تراجع في حجم التراشق بالنار، في الساعات الأخيرة.
في إطار النقاشات الداخلية في إسرائيل حول مستقبل التصعيد مع “حزب الله”، وحول الصفقة العالقة مع “حماس”، دعا عددٌ من المراقبين في إسرائيل، قبيل وبعد الكشف عن المبادرة الأمريكية- الفرنسية، للمزج بين العمل العسكري والعمل السياسي، محذّرين من الرهان على القوة فحسب، ومن تبعات الحملة البريّة للأراضي اللبنانية، وذلك مقابل أوساط تدعو للمزيد من الضغط على “حزب الله”، بعضها يدعو لاغتيال أمينه العام حسن نصر الله.
المبادرة تتحدث عن هدنة لـ3 أسابيع على الجبهة الشمالية، يسعى خلالها الوسطاء لإحراز تسوية ترتّب الخلافات الحدودية، وتضمن عودة النازحين لبيوتهم، وتشق الطريق لصفقة مع “حماس”
وبموجب بيان مشترك صادر عن واشنطن وباريس، فإن المبادرة المشتركة تتحدث عن هدنة لثلاثة أسابيع على الجبهة الشمالية، يسعى خلالها الوسطاء لإحراز تسوية ترتّب الخلافات الحدودية العالقة، تضمن أمناً وسلاماً يتيح عودة النازحين لبيوتهم في الجانبين، وتشق الطريق لصفقة مع “حماس”.
حتى الآن، لم يعلن “حزب الله” وإسرائيل موقفهما من المبادرة، فيما نقلت صحيفة “هآرتس” العبرية عن مصدر دبلوماسي غربي قوله إن رد اسرائيل و”حماس” غير الرسمي ترك مكاناً للتفاؤل بإمكانية التقدم حسب المقترح الأمريكي- الفرنسي.
فيما تطلق إيران تصريحات يمكن تفسيرها على وجهين، يبدو أنها متوجّسة ومتحفّظة من تصعيد في الشمال يهدّد “حزب الله” ويهدد مصالحها، أعلنت السعودية، وقطر، والإمارات، عن دعمها للمبادرة الأمريكية الفرنسية، بينما لم تفصح مصر ودولٌ عربية أخرى عن موقفها بعد.
في انتظار ردّ إسرائيل رسمياً، من المنتظر أن يصل رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة لتقديم خطابه في الأمم المتحدة، بعدما أرجأ زيارته مرتين. ومن المتوقع أن يدير هناك مداولات مباشرة مع الوسطاء حول المبادرة الجديدة لوقف النار.
رغم أنه يملك إمكانية تقنية للاتصال عبر هواتف فضائية، لكن نتنياهو، بشكل مباشر أو عن طريق مكتبه، لم يصدر موقفاً حيال المبادرة، وهو في طريقه للأمم المتحدة، ويبدو أنه غير راغب بالظهور بصورة الطرف الرافض في العالم، ضمن المعركة على الوعي، وربما ينتظر سماع المزيد من الإيضاحات حولها، علماً أنه يبدو منضبطاً أكثر، وأقل حماسة للحملة البرّية، مقارنة مع وزير الأمن غالانت، لكنه قال، قبيل سفره، إن “مفاوضات تجري فقط تحت النار”.
في المقابل؛ هناك تساؤل عما إذا كان نتنياهو قادراً على تمرير قرار يقبل بالتسوية في الجبهة الشمالية تتبعها صفقة مع “حماس”، في ظل معارضة وزراء في ائتلافه يهدّدونه بتفكيك حكومته، كما حصل منذ شهور.
وفور نشر تقارير صحفية عن قرب دخول وقف النار لحيز التنفيذ بين إسرائيل و”حزب الله”، سارع وزير المالية المستوطن باتسلئيل سموتريتش للتعقيب محذراً: “من المحظور علينا وقف النار ومنح مهلة للعدو تمكنه من الانتعاش”.
فيما قال رئيس المعارضة يائير لبيد إنه يؤيد المبادرة الأمريكية الفرنسية، لكنه يطالب بتقصير مدتها لأسبوع واحد، فقط كي لا يتمكّن “حزب الله” من التقاط أنفاسه وترتيب صفوفه عسرياً.
وكانت إسرائيل قد شهدت، قبيل الكشف عن مبادرة لوقف النار مع “حزب الله” نقاشات متزايدة بين من يدعو للمزيد من الضغط ومن يحذّر من مغبة الحرب الشاملة والاستنزاف الطويل، ومن مخاطر حملة برية، مشدّدين على أن الجهد العسكري وحده لا يكفي، وأنه لا بد من تسوية في نهاية المطاف، وقد طالب بعضهم بصفقة مع “حماس” تعيد المخطوفين، وتشق الطريق لوقف النزيف مع لبنان.
ومن أبرز هذه الأصوات الداعية لحكمة سياسية جنرالاتٌ في الاحتياط، منهم الجنرال نوعم تيفون، الذي قال للقناة 12 العبرية إن “حزب الله” تَعرَّضَ لضربات موجعة، وهناك صورة في الوعي لصالح إسرائيل الآن ينبغي استثمارها بالتوصّل لصفقة مع “حماس” و”حزب الله” تعيد المخطوفين والنازحين وترتب الأوراق، منبهاً إلى أن البديل حربُ استنزاف وحملةٌ برية خطيرة مكلفة تمت تجربتها مرتين في لبنان.
وهذا ما أكده لذات القناة القائدُ الأسبق لغرفة العمليات الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، وكذلك مستشار الأمن الـسابق صاحب التوجهات اليمينية المتشددة، الذي حذّر من “الاحتفالية المبكّرة” بالانتصار على “حزب الله”، وشكّك بالمزاعم المعلنة بالقضاء على 50% من قدراته الصاروخية.
وضمن تحذيره من التصعيد، قال رئيس الاستخبارات الأسبق، مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب تامير هايمان إنه بعد سلسلة النجاحات العملانية، في الأسبوع الأخير، يجدر بنا أن ندرك أننا لم ننجز شيئاً، ولقد شهد “حزب الله” أصعب أسبوع منذ حرب لبنان الثانية (حرب تموز/يوليو 2006)، ومع ذلك، لا تزال الأحداث الدراماتيكية تنتظر إسرائيل.
ورغم أنه تبنّى المزاعم المذكورة، فإن المراسل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع يحذّر، اليوم الخميس، من هذه المزاعم، في مقال جديد بعنوان: “انتبه! أمامك حالة انتشاء”، قال فيه إن “حزب الله” تلقّى ضربات، لكنه قادرٌ على توجيه ضربات موجعة لإسرائيل، والوضع ما زال مركّباً وقابلاً للانفجار”.
هناك تساؤل عما إذا كان نتنياهو قادراً على تمرير قرار يقبل بالتسوية في ظل معارضة وزراء في ائتلافه يهدّدونه بتفكيك حكومته
غير أن زميله الصحفي المستعرب افي سخاروف، الذي يعتبر نفسه خبيراً بالشؤون العربية، يدعو، في مقاله اليوم، لاغتيال حسن نصر الله، الذي يربط وقف النار في الشمال بوقف النار على غزة، معتبراً أن هذا هو الحل من أجل تغيير المعادلة وزعزعة المنطقة”.
ويبدي محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفتي “يديعوت أحرونوت” و”نيويورك تايمز” رونين بيرغمان تشكّكاً حيال احتمالات المبادرة الأمريكية الفرنسية، فيقول، ضمن مقال بعنوان “تسوية مفقودة سلفاً”، إن وقف النار في الشمال يمرّ عبر وقف الدمار في الجنوب، لافتاً إلى العقدة الكأداء: “حزب الله” يرفض فكّ الارتباط عن غزة، ونتنياهو يرفض صفقة مع “حماس”.
كما يشاطره التشكّك المحللُ العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يقول، في مقال نشرته “هآرتس” في عددها المطبوع اليوم، قبل التقارير عن قرب دخول وقف النار لحيز التنفيذ، إن احتمالات المبادرة قليلة، لكنه لا يستبعد أن يحفّز التصعيدُ المتبادل المفاوضات في الشمال وفي الجنوب.