في زمن انشغلت فيه دول العالم الاول بالصناعات الثقيلة والتكنولوجيّة، انشغلنا في العالم الثالث بصناعات خفيفة جدا، مثل الشيبس والعلكة وتعليب الألبان وصناعة الطغاة . إن هذا الأمر بلا شك نابع من كسل غير مسبوق، تجاه الابتكار، فصناعة الأغذية البسيطة والعلكة لا تحتاج سوى أن نؤجر أرضا لمستثمر أجنبي، يحيلها إلى مصنع صغير ويستعين بالأيدي العاملة من أبناء المنطقة . كذلك لا تحتاج سوى إلى صبر قليل، وانسياق. قال لي صديقي ‘ كريم بدوان ‘ إن أقرباءه في قريّة ‘بدّو’ الواقعة في قضاء القدس ما زالوا حتى الآن لا يورثون البنات، وهذا أمر متفق عليه من قِبَل الجميع، حتى البنات يؤيّدن الأمر بالعادة، وعلى الجانب الآخر يسرد مريد البرغوثي ابن قرية ‘ دير غسانة’ قضاء رام الله، أن جدته أم عطا أولت ابنها اهتماما لا يقارن باهتمامها بابنتها التي صارت أمه فيما بعد، وذاك لأن ‘عطا’ كان السبب الوحيد في بقائها في بيت حميها بعد وفاة زوجها . فلو كان عطا بنتاً أيضا، لما وافقوا على بقائها في بيتهم كأرملة وأم لبنتين. هؤلاء الأولاد الذين يتربون على هذه الشاكلة، يتعلمون صنوف العنف جميعها ويرضعونها من صدور العائلة كلها، أليست هذه طرقٌ مثلى ل؟ ألسنا فنانين وموهوبين في صناعة الدكتاتور ؟ أيضا هناك مثقفون يواصلون هذه الحرفة فيضعون ألقابا كثيرة قبل اسم الطاغية، ويشكرونه بتقبيل الكفّين، فقط لأنه أنشأ مسرحا أو كرّم كاتباً، ألم يكن هذا واجبا عليه؟ في بلادنا يربينا أهلونا على عبارة أظنها خالدة في عقول ذكور العائلة كلها، إذ يستخدمونها منذ سن مبكرة جدا، للتوبيخ والمديح في آن معا، فإذا أخطأ الطفل يوبخونه بقولهم : ‘ أنت رجل البيت، فكيف تفعل هذا؟!’، وإذا أرادوا الثناء عليه قرأوا على مسامعه الخطبة ذاتها: ‘أحسنت، أنت رجل البيت’، و في المحصلة يفسدون على ‘رجل البيت’ طفولته، إذ يتنازل عن أشياء كثيرة كي يحافظ على رجولته الوهمية، كما يفسدون عليه شبابه وكهولته التي تصبح فيها وظيفته الوجودية مملة، لأنه يمارسها منذ أن كان في الخامسة. كذلك فإننا ندربه منذ نعومة قلبه على القسوة، فإن عبارة ‘رجل البيت’ تحمل في طيها أمرا بممارسة العنف ضد أهل البيت، ضد أخواته البنات تحديدا، وضد من يصغره سناً من الأولاد، معتمدين بذلك على الفهم الخاطئ لدعوة الدين لاحترام الكبير، وعلى التفسير الخاطئ لـ’الرجال قوامون على النساء’. لنفرض أننا في صدد تحليل الظاهرة، والوقوف على أسبابها، لنتمكن من حلها بمرور الوقت، سنخلص إلى أمر مريع، يتمثل في أن أشد العوامل تأثيرا في نفس هذا الطاغية المنتظر، هو إذعان المرأة أولا، إذعانها وانزواؤها غير المبرر، فحين تذهب المرأة لإعداد شعاراتها في جمعية حقوق النساء، تبدو كمن يرقص في العتمة، لا أحد يحس بما تفعل سواها، لا أحد يسمعها وهي تنتفض تحت هذا العنوان المنفّر. لذلك فإنني أدعو النساء في العالم الثالث إلى التخلي عن مؤسسات حقوق المرأة والتشبث بمؤسسات حقوق الإنسان بالمقابل، وأدعو الكاتبات في العالم الثالث إلى التخلي عن مصطلح ‘الإبداع النسوي’ والانضواء تحت مصطلح ‘الإبداع’، لأن المرأة إنسان، ولأنها بهذه السلوكيات تتقوقع في الزاوية المناسبة لقبضة الرجل العداوني الذي يفكر باستهدافها . أما في الدرجة الثانية فإن المثقف يلعب دورا هاما في هذا الأمر، والمعلم يلعب دورا أهم، والأب والأخ الأصغر أيضا،فإن الطغاة الذين يجلسون على كراسي الأبهة في سدة الحكم، ليسوا إلا إفراز المجتمع، إنهم من صنيعتنا، نحن من ربيناهم، ونحن من حملناهم إلى مواقعهم، وإن أردنا الصدق فإن كلا منا يحمل في داخله تلك الشهوة تجاه السلطة، ما يؤكد أنه يحمل في داخله طاغية صغيرا، يكبر ويتعاظم كلما اقترب من موقع المسؤولية، وإلا لماذا يتربع على أكتاف الثورة فاسدون ومتعفنون في كل مرة؟ لماذا نكتشف في كل مرة أن الطاغية لا يدفنه إلا طاغيةٌ أعتى منه بألف مرة ؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة مرهونة بالإجابة عن أسئلة أكثر بداهة، مثل الذي أوردته في البداية، لماذا يصفق المثقف طويلا للرئيس الذي يهبه جائزة الدولة الإبداعية، أو للوزير الذي يبني مسرحا؟ إننا في بلادنا نحب الطغاة حبا جما، ونسعى إليهم سعي النمل إلى الحبّة، وهذا أمر واقع يستحيل علاجه، لذلك نجد ميلا جارفا تجاه الحاكم العسكري، فأستطيع أن أتذكر بسهولة أن كثيرين من المصريين الذين عرفتهم، انتخبوا أحمد شفيق لأنه ذو خبرة، أي لأنه عسكري، فلقد انطبع في أذهاننا وقلوبنا أن الرئيس يجب أن يكون خبيرا عسكريا ليتمكن من إدارة البلاد، وهذا شكل آخر من أشكال الإذعان وعبادة الطاغية، والآن يهلل المصريون للسيسي، وكثيرون ينادونه بالرئيس السيسي لأنه تمكن من إحكام قبضته الحديدية، ولأنه يملك القوة المطلقة / الجيش، طبعا أنوّه هنا إلى نقطة مهمة، أن ما أسقط حكم الإخوان لم يكن فقط تلك القوة التي يملكها السيسي بل إن انسداد افقهم السياسي، وافتقارهم لمخطط وطني، وانحيازهم للجماعة على حساب الوطن، كان فرصة ثمينة، قدموها على طبق من ذهب . فما دمنا مأخوذين بعبادة الطاغية وتقديسه منذ أن صنعنا هُبَل، ومادمنا على هذه الدرجة من الخضوع، فلنبحث عن طاغية وطني يقودنا، طاغية يعي مصلحة البلاد، ويميل معها إينما مالت وآلت، لأننا في آخر الأمر سنقف أمام خيارات كثيرة ومختلفة، إلا أننا سنشير بيد كبيرة جدا إلى الطاغية ليصير زعيما. وحتى أكون عادلا في هذا الطرح، فإن هناك نساء طواغيت، فالمرأة التي تجر ابنها من يده إلى بيت الجيران لتخطب له البنت الطويلة البيضاء، طاغية أيضا، والأم التي ترسل معها صور ابنتها ليراها ابنها الذي يتلقى مرتبا جيدا، طاغية أيضا … إنه إذن مرض يسكن نخاعنا .
نعم نظم الحكم هي نتاج الثقافه السائده في المجتمع. أي حاكم لايشبه محكومينه يفشل. ألأستبداد والطغيان مثل الفوضى والفساد كلها تلازم بدائية المجتمع التي تقدم العرف والتقاليد على الدستور والقوانين. الفرد البدائي لايستطيع التصرف منفردا بحريه ومسؤوليه لأن تربيته خلت من هذه ألأدوات واستبدلتها بادوات مثل الخضوع والتبعيه. لذلك يبحث المجتمع (مجموع ألأفراد) عن القائد الملهم والزعيم ألأوحد والمستبد العادل والرمز وألأب وصاحب المنح والمكرمات والعطايا..الخ. كي يقود المجتمع!
نعم نظم الحكم هي نتاج الثقافه السائده في المجتمع. أي حاكم لايشبه محكومينه يفشل. ألأستبداد والطغيان مثل الفوضى والفساد كلها تلازم بدائية المجتمع التي تقدم العرف والتقاليد على الدستور والقوانين. الفرد البدائي لايستطيع التصرف منفردا بحريه ومسؤوليه لأن تربيته خلت من هذه ألأدوات واستبدلتها بادوات مثل الخضوع والتبعيه. لذلك يبحث المجتمع (مجموع ألأفراد) عن القائد الملهم والزعيم ألأوحد والمستبد العادل والرمز وألأب وصاحب المنح والمكرمات والعطايا..الخ. كي يقود المجتمع!