صناعة العرب المعاصرين

حجم الخط
0

صنع العرب المعاصرون، فيما يتصلون بالفلسفة الأوروبية الحديثة وينقلونها، مثلما فعل العربُ الأقدمون، عندما ترجموا الفلسفة اليونانية بعد تجريدها من جوهرها السجالي والنقدي. لقد تم التعاطي مع الفلسفة والجهود الفكرية الحديثة، باعتبارها أجوبة منجزة، وليس بوصفها أسئلة قيد العمل النشيط، واستدعائها طاقة المعرفة.
وهذا، بطبيعة الحال، ما يكشف كيف أن الأجوبة المنتهية ليست بالضرورة صالحة لحالات وإشكاليات وقائع حياتية، هي دائماً مختلفة المصادر والمذاهب.
يحدث هذا طوال تاريخنا العربي، بسبب الامتثال الجوهري للذهنية الثقافية ذاتها، عبر كل هذه العصور. وهي ثقافة تزيح وتتفادى نزوع الإنسان الفطري نحو مساءلة المعطيات الموروثة، وتحجب حريته النقدية إزاء تجليات الحياة المتواترة.
ثمة جاهزية بالغة، ووهم الاكتمال إزاء جميع الأسئلة والقضايا الكونية، منذ لحظة الولادة حتى لحظة الموت، وليس للفكر والفلسفة، ومن ثم العقل برمته، سوى تبرير الحياة كمصادفة وتبجيل الموت كضرورة.

٭ ٭ ٭

كيف يتسنى للشخص أن يستعيد حقه في طرح الأسئلة على جاهز الأجوبة؟
هذا ما تفرضه الرجعة اللافتة في معظم المشاهد الثقافية العربية في السنوات الأخيرة، كما لو أن ثمة من يكتشف شيئاً يسمى (فلسفة) في الثقافة الإنسانية، بعد أن كانت بعض الجامعات العربية، تستبعد مادة الفلسفة من الدرس الأكاديمي. إنهم يستديرون بغتة نحو الفلسفة، حتى لتخشى على البعض أن يستخدم الفلسفة للعسف بمن يطرون عودة الوعي، بمن يزجي المديح لاستخدام العقل في قضايا الإنسان، في الحياة وما بعدها.

٭ ٭ ٭

قل لهم إن بين جدار العقل والقلب بلاداً شاهقاً، بين هدايات المرايا الموغلات بسبات القلب، تأجيل لموت الميتين. كن لنا يا باب ورد العالمين.
قل لهم أخطاؤنا باب النجاة من الخطيئة، وانتحار الناس تتويجاً لمأساة الحياة. قل لهم إن النهايات بدايات الجحيم، فالجنة المجنونة الأحلام ليست جنةً، فالنار في أوهامنا والنار في أحلامنا والنار في أشيائنا الصغرى، لنا الذكرى، وننسى أننا ننسى، وبين الباب والمجرى لنا أخطاؤنا ولنا احتمالٌ واحد للموت.
قل لهم.
إذا سألوا عن المعنى
عن المنسي من أخبارنا إنّا
بكي في دفتر الأحباب ما يتذكر المعنى
لنا في مستحيل الظن
ما يبقى لنا
ما يستحيل جنازةً أو أغنية
نحن بقايا الأمنية
نحن نهايات الكلام
نحن كتاب الله في التفسير
في فلسفات الفقه والتأويل.
قل لهم
ما يشبه الإرجاء والتأجيل.

٭ ٭ ٭

فإذن، عندما يلتفت الآخرون لاكتشاف الفلسفة، سننال نحن حريتنا في فهم المعنى في ما يفعلون. فليست الفلسفة مطية الصقل. وليست هي أيضاً قناع الادعاء الذي يزعمون.
فإذن،
بين كل محطة والأخرى ثمة من يطرح الصوت علينا قائلاً إن وراء الأكمة ما وراءها، وإننا الخاسرون في ميدان الدلالات.
فقل لهم،
إننا لا نسعى لمن يذهب، نحن نحتفي بما يأتي.

شاعر بحريني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية