لندن ـ «القدس العربي»: نشرت صحيفة «صنداي تايمز» تقريراً لمراسلها في إسرائيل أنشيل فيفر عن الحرب السرية بين إسرائيل وإيران في سوريا. وذلك في مقابلة مع جنرال إسرائيلي بارز تحدث عن آلاف الهجمات ضد القوات الإيرانية في سوريا.
وقال إن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي غابي إزينكوت تحدث وبتفاصيل يكشفها لأول مرة عن الحرب السرية الدائرة مع إيران هناك. وأضاف أن إسرائيل تدير ومنذ عامين حرباً مباشرة مع إيران على التراب السوري. وقال الجنرال الذي خطط وبادر ووجه العمليات السرية: «في كانون الثاني (يناير) 2017 بدأنا بمهاجمة البنى التحتية الإيرانية التي تقوم ببنائها في سوريا». وتحدث الجنرال من مكتبه في الطابق الخامس عشر في تل أبيب حيث قال إن العمليات المكثفة ضد الوجود الإيراني «بدأت من منتصف عام 2107» و «بدأنا بالهجمات المنظمة ومرات عدة في الأسبوع بدون أي بيانات وتحت الرادار». وقال إزينكوت، 58 عاماً والذي سيتقاعد من الجيش بعد خدمة 40 عاماً كجندي وضابط إن العدو الحقيقي لهذه الحرب السرية هم عناصر الحرس الثوري الإيراني، خاصة عناصر فيلق القدس الذي يقوده قاسم سليماني. وأضاف: «قمنا بآلاف الهجمات بدون تحمل المسؤولية ونسبة العمليات لأنفسنا».
وأشار الى أن إسرائيل أسقطت في عام 2018 «2.000 قنبلة على الأهداف الإيرانية في سوريا». ورغم تهديدات إيران منذ الثورة عام 1979 بتدمير إسرائيل إلا أنها لم تخض أبداً حرباً مباشرة معها. وعندما بدأت الحرب الأهلية السورية عام 2011 بدأت إسرائيل بشن غارات جوية على قوافل تحمل الأسلحة الإيرانية في طريقها من سوريا إلى حزب الله. ولكنها حاولت قدر الإمكان أن تقتل الإيرانيين أنفسهم. وفي نهاية عام 2016 ومع دخول الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا مرحلتها الحاسمة والنهائية، بدأت إيران تخطط لملء الفراغ وتحقيق «الهيمنة الإقليمية».
«لم يكن سهلاً»
ومن هنا يقول إزينكوت «قمنا برصد الإستراتيجية الإيرانية. فقد خططوا بنهاية عام 2018 أن يكون لديهم 100.000 مقاتل شيعي في سوريا. وكانوا يحضرونهم من باكستان والعراق وأفغانستان. وأقاموا قواعد استخباراتية في مرتفعات الجولان قرب الحدود مع إسرائيل وأقاموا أجنحة لهم في كل القواعد الجوية السورية وأحضروا مدنيين للقيام بعمليات تثقيف والمراكز الشعبية». ويعترف إزينكوت أن قرار الهجوم على الإيرانيين مباشرة لم يكن سهلاً، فقد كان يعتقد أن الخطة ستترك تداعيات خطيرة لأن الإيرانيين «اختاروا الملعب الخطأ» والسبب «هو أننا نحتفظ بالتفوق الإستخباراتي بالمنطقة ولدينا السيطرة الجوية الكاملة والردع القوي». وفي ذلك الوقت كان لدى إيران 20.000 رجل تحت قيادة سوريا بمن فيهم 3.000 من عناصر فيلق القدس و 10.000 من مقاتلي الميليشيات الشيعية و 8.000 من عناصر حزب الله. وقدم إزينكوت خطته إلى حكومة بنيامين نتنياهو وأخبر أعضاءها «لا خيار لدينا، ولو قررنا الصمت على المدى القصير فسندفع الثمن في المدى البعيد»، ولهذا وافقت الحكومة بالإجماع على خطته. وعن الكيفية التي نفذ فيها الجنرال الإسرائيلي خطته قال إنها بمعظمها اعتمدت على الهجمات الجوية. ونفذ بعضها من خلال الصواريخ الأرضية وأخرى قامت بها عناصر من القوات الخاصة. وتم نشر أخبار عن التفجيرات في الإعلام السوري إلا أن إسرائيل كانت نادراً ما تعلن المسؤولية عنها. ومن أجل تجنب منح إيران سبباً للرد تم التأكد من عدم قتل أو إصابة الإيرانيين وتم التركيز على البنى التحتية وقدر الجنرال عدد الإيرانيين الذين قتلوا «بأنهم لا يتجاوزون العشرات».
وكان الإيرانيون يعرفون بالطبع من يقوم باستهدافهم ولأن إسرائيل لم تعلن عن الهجمات فقد «منحتهم مساحة للإنكار». إلا أنهم قاموا في 10 شباط (فبراير) 2018 بعملية انتقامية وأطلقوا طائرة بدون طيار في المجال الجوي الإسرائيلي وقامت طائرة أباتشي بتدميرها. وكانت هذه هي المرة الأولى التي هاجمت فيها إيران إسرائيل مباشرة بدلاً من دفع جماعاتها الوكيلة، خاصة حزب الله للقيام بالهجوم. وردت إسرائيل بالهجوم على قاعدة جوية سورية والتي انطلقت منها الطائرة بدون طيار. وفي هذه العملية استهدفت إسرائيل المكان والعاملين فيه.
دعم للمعارضة
ويقول إزينكوت «قتلنا عشرة إيرانيين كان أعلاهم برتبة عقيد (في جناح الحرس الثوري)» و»بعد ذلك قرر الإيرانيون الرد والقيام بهجوم في شمال إسرائيل، ورصدنا تحضيرات جدية يقوم بها لواء القدس». ومنعت العملية الإسرائيلية إطلاق الصواريخ الإيرانية. وعندما نجح فيلق القدس بإطلاق ما تبقى لديه من صواريخ لم تصل إلى المجال الجوي الإسرائيلي إلا اربعة تم اعتراضها وتدميرها. وبعدها قامت إسرائيل بشن هجمات على 80 هدفاً إيرانياً في سوريا.
وبدلاً من دعم أطراف في الحرب السورية كان هدف إسرائيل منع إيران من بناء مراكز قوة لها في البلاد إلا أن الجنرال إزينكوت اعترف ولأول مرة بتقديم إسرائيل أسلحة لجماعات في المعارضة السورية بغرض «الدفاع عن النفس». وتعلق الصحيفة إن إسرائيل كانت لاعباً «خفياً» في المعركة السورية، فقد كان الأمريكيون الذين قادوا تحالفاً يقومون بهجمات يومية وبدعم من طائرات التورنيدو البريطانية ضد تنظيم الدولة وسيطروا على معظم الأجواء السورية ثم جاءت روسيا عام 2015 لدعم بشار الأسد وأحكمت سيطرتها على المجال الجوي. وعملت إسرائيل في المجال الذي تحكم به الروس» وأحياناً كنا نضرب أهدافاً تبعد كيلومتراً أو كيلومترين عن المواقع الروسية». وسافر إزينكوت بمعية نتنياهو في عام 2015 للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقادة العسكريين الروس. وكانت الخطة الحصول على تأكيدات بقدرة إسرائيل العمل في المجال الجوي السوري.
كسر الهلال
وكان «عدو» إزينكوت الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس والمسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري، فقد «وجد سليماني فرصة لتوسيع المصالح الإيرانية الإقليمية» حسبما قال إزينكوت. وقام سليماني المعروف بحذره بتعزيز القوات الشيعية وبناء قواعد ثابتة في سوريا. ويعتقد إزينكوت أن هناك مصالح مشتركة للحد من النشاطات الإيرانية مع سوريا مبرراً بقوله «كان بشار الأسد في حاجة إليهم عندما كان في وضع حرج ولا يحتاج إليهم اليوم».
وتعتقد المخابرات الإسرائيلية أن إيران استثمرت 16 مليار دولار لدعم الأسد والحفاظ على نظامه، ولم يكن هذا حباً فيه ولكن من أجل بناء ما يطلق عليه «الهلال الشيعي» الممتد من إيران إلى البحر المتوسط. وعلى خلاف الدول التي تنشط فيها إيران فالشيعة في سوريا لا يتجاوز عددهم 4% ولهذا «حددنا سوريا كرابطة ضعيفة، يكمننا كسر الهلال الشيعي فيها» حسبما يقول إزينكوت. واستفادت إسرائيل من النزاع على السلطة بين معسكر سليماني الذي كان يريد تصدير الثورة إلى الخارج وحسن روحاني، الرئيس الذي يريد الاستثمار في الاقتصاد الضعيف بدلاً من حروب الدول الأخرى. وتقول الصحيفة إن حرب إسرائيل مستمرة في سوريا حتى ولو تخلى سليماني عن قواعد دائمة هناك. ففي الأسبوع الماضي دمرت إسرائيل موقع تنصت بنته إيران قرب مرتفعات الجولان. وما تخشاه هي عودة إيران إلى اسلوبها القديم وهو تعزيز جماعاتها الوكيلة في العراق وسوريا بحيث تكون قادرة على ضرب إسرائيل بدقة.
هل سيكون الشرق الأوسط أسوأ أم أفضل؟
«نيويورك تايمز»: مع خروج أمريكا من سوريا… قوى دولية تتدافع لملء الفراغ
في تقرير أعده بن هبارد مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» في بيروت عن الترتيبات في سوريا فيما بعد الخروج الأمريكي. وقال إنه عندما ستلتقي تركيا وإيران وروسيا للحديث عن نهاية الحرب فستقوم بعمل هذا بدون الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تجمدت فيه محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ سنوات إلا أن الخطة التي وعد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتسوية لم تأت بعد. ويقول بن هبارد إن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من سوريا رغم الخلاف حول الطريقة والموعد. فالإنسحاب الذي قال الجيش الأمريكي أنه بدأ يوم الجمعة بسحب المعدات الثقيلة هو آخر مثال عن تفكيك العلاقة الأمريكية مع الشرق الأوسط والتي قد تترك آثارها الدائمة على المنطقة الملتهبة. وفي الوقت الذي تخطو فيه الولايات المتحدة خطوة للوراء تتقدم روسيا وإيران والقوى الإقليمية الأخرى لتحديد مسار المستقبل في سوريا. ووصف ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي الوضع بأنه «غير مريح» و «هو عنيف ولا ليبرالي وأمريكا غير موجودة في الساحة».
ويعلق بن هبارد أن الشرق الأوسط ظل ومنذ نهاية الحرب الباردة على رأس أجندة السياسة الخارجية الأمريكية. وظل موجودًا بعد حرب الخليج الأولى ما بين 1990- 1991 وغزو العراق عام 2003 والمعركة ضد تنظيم الدولة. وقدم المسؤولون الأمريكيون أسباباً عدة للبقاء في المنطقة مثل القضاء على الديكتاتورية واستبدالها بالديمقراطية وتعزيز حكم القانون ودعم حكومات المنطقة الحليفة لواشنطن ومحاربة الإرهاب. إلا أن بعض الباحثين يرى أن المنافع التي تحصل عليها أمريكا هي أقل من الجهود المبذولة. وبحسب غاي سيك، الباحث في الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا والذي عمل في مجلس الأمن القومي في ظل ثلاثة رؤوساء «عندما تنظر لتحليل الثمن- المنفعة، فهي محدودة وستقوم الولايات المتحدة بتخفيف بصماتها مع مرور الوقت لأن هناك أموراً أخرى في العالم يجب التعامل معها».
ويرى هبارد أن لا خلاف في موقف الرئيس باراك أوباما ودونالد ترامب رغم الاختلاف في الأسلوب والكلمات إلا أنهما نظرا إلى الشرق الأوسط كمنطقة مثيرة للإزعاج وتمتص المصادر من الأولويات الأمريكية الأخرى. وطلب الرئيسان من قادة المنطقة لعب دور في حماية المنطقة. فالرغبة بتفكيك العلاقة قائمة على حالة الإجهاد وسنوات الحروب في العراق وأفغانستان التي لم تسهم بجعل الأمور أفضل. ويقول الباحثون إن التحول بعيد المدى عن المنطقة جعلها أقل أهمية في الأولويات الأمريكية. فحماية واشنطن لم تعد مهمة لتأمين تدفق النفط من منطقة الخليج. فزيادة الإنتاج المحلي للنفط جعل أمريكا أقل اعتماداً على نفط الشرق الأوسط. وبنفس المقام فإسرائيل التي تعد من أعمدة السياسة الأمريكية لم تعد بحاجة للحماية الأمريكية فلديها أقوى جيش واقتصاد مقارنة مع جيرانها الذين يعيشون في وضع كئيب.
اهتماماتنا قليلة
ويقول سيك «الواقع هو أن اهتماماتنا المباشرة فيما يتعلق بحماية الوطن الأمريكي قليلة في الشرق الأوسط» مشيراً الى أن سجل أمريكا كقوة للخير وليس للشر هو مزيج في الأعم الأغلب. وأضاف: «الوضع الأن فوضوي ولا أرى أنه سيتحسن بوجودنا ولا أرى أنه سيسوء لو لم نكن هناك». ويرى آخرون أن الوجود الامريكي مهم، خاصة عندما تريد واشنطن استخدام نفوذها، كما فعلت مع معمر القذافي، الزعيم الليبي الذي تخلى عن سلاحه النووي تحت الضغط الأمريكي. وفي المسألة الفلسطينية- الإسرائيلية فقد بدأت عملية السلام ورعتها الولايات المتحدة مع أن الرئيس ترامب قد أضعفها عندما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، العام الماضي بحيث لم يعد الفلسطينيون ينظرون للولايات المتحدة كعراب صادق. كما أن الضغط الأمريكي أسهم بدفع مصر والسعودية لاتخاذ خطوات انفتاح وإن كانت متواضعة. وتقول أمي هوثورون، نائبة مدير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: «من المهم قيام رئيس الولايات المتحدة بنقد حلفاء أمريكا المستبدين ويمنح دعما ولو كلامياً لمن يكافحون ضد الإضطهاد ويدافعون عن حقوق الإنسان».
وأضافت «كلام قوي للرئيس وتحرك قوي خلف الستار قد يحرك الإبرة». وفي الوقت الذي تردد فيه الرئيس ترامب الحديث عن حقوق الإنسان وتبنى بدون حياء الحلفاء المستبدين يرى الكثير من المحللين أن أمريكا تبدو منافقة عندما تتحدث عن حقوق الإنسان وفي الوقت نفسه تقوم بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ففي ظل أوباما قتلت مصر آلافًا من المتظاهرين وأعدمت السعودية 47 شخصاً في صباح واحد بدون أن يتعرض أي منهما لعقوبات ذات معنى. ولم يقم أوباما بفرض خطه الأحمر الذي تعهد به على النظام السوري عندما استخدم السلاح الكيميائي وقتل أكثر من 1.000 شخص. وأضرت مواقف كهذه بموقع الولايات المتحدة وسمعتها في الشرق الأوسط كمدافعة عن حقوق الإنسان وحكم القانون والديمقراطية.
«حصانة الديكتاتوريين»
وتقول مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت «خسارة كل هذا يعتبر مأساوياً والشعور بأن أمريكا لم تعد تدافع عن هذا». وتضيف «نشاهد حساً من الحصانة لدى الديكتاتوريين العرب وأنهم يستطيعون فعل ما يريدون مهما كانت انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبونها». وعندما تترك الولايات المتحدة الشرق الأوسط وشأنه تفتح المجال لغيرها. فقد بدأت السعودية حرباً في اليمن بدون معرفة أو ملاحظة من الولايات المتحدة. وهي الحرب التي فشلت حتى الآن بهزيمة الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء منذ عام 2014. فيما عززت إيران صلاتها مع الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا ولبنان. وسيؤدي انسحاب الولايات المتحدة من شرقي سوريا إلى تكالب على ملء فراغه بين روسيا وإيران وتركيا.
ويرى رامي خوري، أستاذ الصحافة في الجامعة الأمريكية في بيروت والزميل في جامعة هارفارد أن عدم معرفة القوى الجديدة في المنطقة يعمل على إضعاف الدول العربية. ويعلق: «تدخل عسكري أقل من أطراف عدة، الروس والإيرانيون والأتراك والامريكيون أمر جيد».
وهو ما سيسمح لسكان المنطقة لتعريف ميزان القوة والثقافة والهوية والسلطة بأنفسهم. ويقارن البعض انسحاب الولايات اليوم من سوريا بقرار أوباما سحب القوات من العراق، حيث سمح بعودة تنظيم الدولة. وبعد هزيمته إلا أن مدناً مدمرة بدون منظور للبناء والعودة للحياة الطبيعية.
ومن هنا يرى البعض أن على أمريكا المشاركة في حلول المستقبل. ويقول هاس «علينا العثور على طريق وسط بين تحويل الشرق الأوسط وبين الخروج منه» و«نريد أن نغسل أيدينا منه ولكن التاريخ لن يسمح لنا».