أنها الظروف والأحداث المرعبة التي يمر بها العالم في وقتنا الحالي، التأثير القوي الذي قد يصل لحد التدمير للسوشيال وانتقال عدوى ما يحدث في مكان ما ليشمل العالم بأكمله بدون تمييز، وما تعانيه البشرية تحت وطأة الموجة العنيفة من الحروب الأهلية والمجاعات، وموجات الهجرة واللجوء إلى الغرب، والعنصرية المتفشية جراء قلة الموارد، إلى معنى الإنسانية. تلك الظروف والإشكاليات تعد أهم الإسقاطات والرموز التي تصورها مشاهد فيلم «صندوق الطيور»، الذي تم عرضه في الحادي والعشرين من ديسمبر/كانون الأول على شبكة نتفليكس للمخرجة سوزان بيير. وفيلمنا هذا، فيلم الإثارة والتشويق، مقتبس من رواية لجوش مالرمان تحمل الاسم نفسه، وقد تم نشرها عام 2014.
لا تفتح عينيك كي تحيا:
تصور بداية الأحداث ثمانية من الأفراد الغرباء تجمعهم فقط حالة الرعب من الفوضى المدمرة في العالم الخارجي، التي تمثلت في حالات انتحار جماعية، لا يُعرف سببها ولا عواقبها.
تروي لنا المشاهد كيف لجأ الناجون إلى إغلاق النوافذ والأبواب وحتى شاشات الحاسوب للنجاة من كل جنون آت من العالم الخارجي المضيء. وقد يكون التصوير هنا صورة نموذجية لمجتمع يجد أن انعزاله عن كل مصدر للتواصل مع الآخر الذي أصابه الوباء هو السبيل الوحيد للبقاء، ولكن ما هو مصدر هذا الوباء الذي يدمر العالم؟
يجد المشاهد نفسه أمام أشخاص يقبلون على الانتحار إثر رؤيتهم أو سماعهم لأصوات أحبائهم الموتى، الذين يطلبون منهم المساعدة أو العودة إليهم، ولكن ما أن يعود الأحياء لمساعدة أحبائهم حتى ينهون حياتهم بأنفسهم. وهذا قد يكون تصويراً لكل تفكير أو أيديولوجيا تعود بالأحياء إلى عالم الماضي، عالم كان يسكنه أسلافهم ولكنه سيدمر الحاضر في حال استدعائه. هو الآن مجرد عالم مزيف خادع، حتى إن اعتقد الأحياء أنه عالم جميل وآمن فقط، لأنهم يعرفونه وسط طريق الحياة شديد الوعورة، الذي يسيرون فيه معصوبي الأعين ولا يعلمون أين يجدون فيه الحقيقة. ففي مشهد مروع وأثناء تجديفها في النهر، تسمع مالوري صوتاً يناديها قائلاً: «أنا لست هنا لأوذيك، بل لأصل بك إلى شاطئ». بعد ثوانٍ يظهر للبطلة الشبح محاولًا تجريد مالوري من عصابة عينيها، مصدر حمايتها من الهلاك، قائلاً: «أنا رأيت الحقيقة. إنزعي عنك عصابة عينيك.. إنها جميلة».
يجد المشاهد نفسه أمام أشخاص يقبلون على الانتحار إثر رؤيتهم أو سماعهم لأصوات أحبائهم الموتى، الذين يطلبون منهم المساعدة أو العودة إليهم، ولكن ما أن يعود الأحياء لمساعدة أحبائهم حتى ينهون حياتهم بأنفسهم.
فلنعش معا أو نمت جميعًا
بعد انتشار تلك الحالة الغربية، قرر بعض الأشخاص الخروج إلى سوبر ماركت قريب للحصول على ما يحتاجونه من مستلزمات للعيش، بينما بقي الآخرون منتظرين في المنزل. هناك وبعد وصولهم في السيارة معصوبي الأعين، سيجدون كل ما يكفيهم لسنوات. وقد يكون السوبر ماركت، أو الورقة الرابحة، كما أطلق عليها دوغلاس هنا، بمثابة مجاز عن الجانب الآمن من العالم الآن، الذي استطاع من هم فيه البقاء أحياء من خلال تحمل مشقة المرور فوق جثث موتاهم معصوبي الأعين. هنا يجد من هم فيه كل ما يحتاجونه ولا حاجة لهم بالخارج ولا يهمهم ما يعانيه الآخرون. يقول دوغلاس: «نحن هنا في هذا المكان ولدينا كل ما نحتاجه. لماذا نتركه ونخرج لمن يحتاجون مساعدتنا في المنزل؟ فليموتوا هم جوعًا أفضل من أن نموت نحن». وهنا سؤال يسأله كل من هو في مأمن مما يحدث في مناطق الخراب والمجاعات، ومن تقطعت بهم السبل «إذا لم تكن هناك أي فرضية منطقية أو إحصائية حسابية أو قانونية تدفعهم للمساعدة فلماذا يتحملون مخاطرة مساعدة الآخرين؟
ولكنها ليست سوى بضع ثوان تمر حتى يكتشف من هم داخل السوبر ماركت أن مكانهم الآمن ليس بمنأى عن الفوضى، وأن شبح الدمار سيطالهم أيضاً عندما يأتي الآخرون بأنفسهم مستنجدين. ولكن من هم المستنجدون الذين يخرجون بدون عصب أعينهم، وكيف لا يزالون أحياء؟ هنا يصور الفيلم هؤلاء على أنهم مجموعة من المجرمين والمختلين عقليًا، الذين يتم تجنيدهم من قبل شبح الماضي. ففي السوبر ماركت (الجنة الآمنة) يطرق أحدهم الباب مستغيثًا بمن هم في الداخل. ولكن ما أن فتحوا الباب له قليلاً حتى اكتشفوا أن الشبح كان يختبئ خلفه، وسيدفع أحدهم حياته ثمناً لحماية الباقين في الداخل. قد يكون قصد المشهد هنا رسالة مفادها إن التعاطف مع المستنجدين من الخارج ستقود بالضرورة الداخل الآمن إلى الموت والفناء؟ كما يقول دوغلاس: «إن كل اتصال لنا بالعالم الخارجي قد أتى لنا بالموت». وهنا يمكن قراءة المشهد على أنه كناية عن الخطاب الدائر حول مساعدة اللاجئين والمهاجرين، الذين تسكن بعض أفكار أسلافهم المميتة بعضا منهم. أولئك الذين تعاطف معهم الغرب وفتحوا لهم حدودهم وبيوتهم الآمنة، ولكنهم أتوا بعمليات التفجير والانتحارات، محفزين شبح الماضي وتراث الأجداد في نفس كل فرد غربي أيضًا من حولهم بمجرد النظر إليهم.
مستقبل البشرية ونهاية مخيبة للآمال:
لم تترك تلك الفوضى في النهاية سوى «مالوري» وطفل وطفلة. لم تقم مالوري بتسميتهما ولكنها قامت بتدريبهما على التكييف على العيش معصوبي الأعين في الخارج، معتمدين على حاسة السمع. ومعا سيخوض الجميع رحلة للانتقال عبر النهر ستأخذهم لمكان آمن.
قرب نهاية الفيلم وفي طريقهم في الغابات إلى ذلك المكان الآمن، ستتعثر مالوري وتقع فاقدة الوعي، وهنا ستتجول الطفلة والطفل في المكان منادين عليها. سيناديهما الصوت من بعيد أن يفتحا أعينهما. تستفيق مالوري مفزوعة وتبدأ بمناجاتهما أن يعودا إليها، وألا ينصتا للصوت الزائف. سيعود الولد، بينما تغري البنت الأصوات وتعود مالوري إلى التوسل إليها أن تعود إذ إن هناك حياة جميلة تنتظرهم، ولكن يجب أن يكونوا معاً. قد تكون تلك الصورة رمزاً عن البشرية جميعها، والطفل والطفلة كناية عن كل طفل في العالم. فلم تطلق مالوري عليهما أسماء، بل كانت تناديهما «بنت وولد»، بل إن الولد وحده كان ابنها، أما البنت فكانت بنت أوليمبيا تركتها لمالوري قبل وفاتها.
يعد الفيلم تصويراً واقعياً لحال البشرية بعد مرورها بظروف مدمرة كتلك التي تحدث نتيجة تعرضها لأوبئة أو لحروب، والتي لا يكون بمقدورها فقط القضاء على عدد كبير من البشرية، ولكنها تترك خلفها إنساناً مختلفاً تماماً في قدراته النفسية واحتياجاته ومقاومته للظروف الجديدة. ففي فيلمنا هذا، سيصدم المشاهد عندما يجد أنه ينتهي بوصول الثلاثة أخيرًا إلى مكان آمن يعيش فيه عدد من الأشخاص في سلام، وما هذا المكان سوى مدرسة لفاقدي البصر. فما هو قصد الفيلم هنا؟ هل يعني هذا أن البشرية لن تحيا إلا معصوبة العينين في العالم الذي تعد الإضاءة فيه ظلاماً وزيفاً مدمراً.
كلمات جد قصيرة لافرق بينها وبين الظل وربما هي اخف بين قوسين السينما ماوجدت لتزرع الرعب اوالخوف وجدت لشيئيين اتنيين التسلية وزرع الابتسامة في الشقتيين وحل القضايا بالطرق الفنية صحيح هي تعيش مانعيش غير غافلة هناك حماقات هناك جنون هناك ضجيج ومالانعلم قلنا كالظل فالتكن كالظل السينما لاتكفي عنها هده السطور فالمخرج المخضرم يختار الصورة المناسبة الثي تجلب العين ويستفاد منها فالسينما تجتهد من اجل الربح لاالخسارة لكي تجتهد في العمل .شكرا للمنبر وتحية لسينما الدانمركية وعشاق السينما من الثربة