لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً أعدته أبيغيل هاوسلونر قالت فيه إن فريق حملة المرشح الجمهوري للرئاسة في تشرين الثاني/نوفمبر، دونالد ترامب، وَجَدَ ثغرة لجذب أصوات المسلمين والعرب الأمريكيين لصالح مرشحه. وترى الصحيفة أن الثغرة تأتي من العائلة اللبنانية التي تزوج واحد من أفرادها من عائلة الرئيس السابق.
وفي التقرير الذي أعدته من فونيكس أريزونا وَرَدَ أن رجل الأعمال مسعد بولس، الذي تزوج ابنُه مايكل من ابنة ترامب، تيفاني، التقى مع ناخبين عرب على عشاء نظّمه فلسطيني أمريكي، وبدأ بالقول إن الرئيس السابق هو أفضل خيار لهم لكي ينهي الحرب في غزة، رغم ما سمعوه من تصريحات مؤذية منه في السابق.
وكان المشهد، وللوهلة الأولى، غير متوقع، لكن بعض الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين، الذين يميلون عادة نحو الحزب الديمقراطي، أصبحوا أكثر حماسة ونشاطاً في هذه الدورة الانتخابية بسبب شعورهم أن حزبهم قد خانهم. فلم تتمكن إدارة جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي ضد ترامب، من الضغط على الحليف في الشرق الأوسط لوقف حملته المدمرة التي قتلت أكثر من 40.000 فلسطيني، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
رجل الأعمال مسعد بولس، الذي تزوج ابنُه مايكل من ابنة ترامب، تيفاني، التقى مع ناخبين عرب على عشاء نظّمه فلسطيني أمريكي، وقال إن الرئيس السابق هو أفضل خيار لهم لكي ينهي الحرب في غزة
ويصف العرب والمسلمون في جميع أنحاء العالم تصرفات إسرائيل بمثابة إبادة جماعية، بينما في أمريكا، وجّهَ حوالي 750 ألف شخص غضبهم بالتصويت بـ “غير ملتزمين” في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، بدلاً من الاصطفاف خلف الرئيس الحالي.
وبالنسبة لبولس، الذي يطلق على نفسه “مبعوث” ترامب للعرب والمسلمين الأمريكيين، فإنه وَجد صعوبة في تسويق فكرة أن ترامب هو أفضل صديق للفلسطينيين.
فموقف الرئيس السابق، ودعمه داخل المجتمعات هذه، يخيم عليه خطابه وسياساته السابقة التي شيطنت المسلمين والعرب، بما في ذلك منشور على منصات التواصل الاجتماعي نُشر الأحد، ويُظهِر رجالاً مسلمين يحرقون العلم الأمريكي، وبتعليق: “تعرّفوا على جيرانكم الجدد لو فازت كامالا هاريس، صوّت لترامب 2024”.
ولكن ماذا لو كان بالإمكان إقناع البعض للتصويت لترامب؟ ففي انتخابات متقاربة، والتي يقول خبراء الاستطلاعات إنها ستحدّد بهامش ضيق، يرى بولس (54 عاماً) أن بعض التواصل يمكن أن يحدث فرقاً. وأخبر المجتمعين في تلك الليلة من آب/أغسطس: “مجتمعنا في أريزونا كبير ومهم للغاية، ويمكننا إحداث فرق. يمكننا التأكد من حصولنا على هذا الهامش”.
وباعتباره ممثلاً لترامب أمام المجتمعات العربية والمسلمة في أمريكا، وهو دور لا تنكره حملة ترامب، قام بولس بست رحلات إلى ميتشغان، الولاية المتأرجحة المهمة، والتي تعيش فيها جالية عربية أمريكية كبيرة، وأعلنت فيها نسبة 13% من الناخبين الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية إنهم غير ملتزمين بدعم بايدن، قبل خروجه من السباق.
وهو الآن في أريزونا، ولاية متأرجحة أخرى، ولديه فرصة أكبر للتواصل، كما يقول.
ويتحدث بولس قائلاً إنه كان من المعارضين للحزب الديمقراطي، وتعرّفَ على ترامب عندما بدأ ابنه بمواعدة ابنة الرئيس السابق في 2018، وأصبح قريباً من الرئيس السابق بعد زواج ابنه مايكل من تيفاني ترامب بمقر الأخير في مار- إي- لاغو ببالم بيتش، فلوريدا عام 2022.
وتعود جذوره إلى لبنان، ويوزّع الآن وقته ما بين ساوث فلوريدا ونيجيريا، حيث يشرف على مجموعة عائلته التجارية التي تقدّر بالمليارات “أس سي أو إي” هناك.
وفي الماضي، أعطى ترامب دوراً لعائلته في حملته الانتخابية، وبخاصة صهره، جاريد كوشنر، المؤيد الشديد لإسرائيل.
ويقول بولس إنه لا يلعب أي دور رسمي في الحملة الانتخابية الحالية، ولكنه أجرى مع ترامب محادثات حول الشرق الأوسط وغزة، وبدا الرئيس السابق متقبّلاً لآرائه.
ولم تنجح جولات المفاوضات بوقف إطلاق النار للحرب، التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر، وتحرير الأسرى، وساهمت فيها قطر ومصر، إلى جانب الولايات المتحدة.
ورفضت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم حملة ترامب، التعليق على طبيعة عمل بولس، نيابةً عن الرئيس السابق وحملته للعودة من جديد إلى البيت الأبيض. كما لم تعلّق على أيّ طموحات للحملة بشأن كسب أصوات العرب والمسلمين الأمريكيين. لكنها قالت إن ترامب ملتزمٌ بالسلام في الشرق الأوسط. وكتبت، في رسالة إلكترونية: “يريد الرئيس ترامب السلام والازدهار لكل الناس”. ولم تنسَ التذكير باتفاقيات أبراهام، التي وقّعتها دولٌ عربية مع إسرائيل برعاية ترامب. ففي حفلة فونيكس، حضر رجال ونساء من أصول فلسطينية ولبنانية وسورية في باحة منزل بشارة بحبح، حيث تم وضع الأثاث والبيانو الكبير جانباً لإفساح المجال لطاولتين كبيرتين لتناول الطعام، وتحدث بولس أمام رسم فني كبير للمدينة القديمة في القدس، على الحائط المقابل. ودعا بحبح، مراسل صحيفة “واشنطن بوست”، لمراقبة الحدث.
وبحبح هو فلسطيني أمريكي تقاعَدَ قبل فترة من عمله في الخدمات المالية، وهو مؤسس مجموعة “عرب أمريكيون من أجل ترامب”. وشارك مع بولس في مناسبة مماثلة في شيكاغو، ودعاه لكي يتحدث إلى هذه المجموعة المكونة في معظمها من عائلته وأصدقائه. وكان من بين الحاضرين أيضاً آبي حمادة، المرشح الجمهوري الوحيد الذي أيده ترامب للكونغرس، وهو عربي مسلم، ومن المتوقع أن يفوز في منطقة جمهورية آمنة.
وحثَّ بولس الحاضرين ودعاهم للتفكير بالقيم التي نشترك فيها “كشرق أوسطيين” مع الحزب الجمهوري، و”نحن بطبيعتنا محافظون”. لكنه ركّز حديثه على موضوع يهم الجميع، ومن النادر أن يظهر في أحاديث وخطابات ترامب: الدماء في غزة. قائلاً إن هذه المجازر لم تكن لتحدث لو كان هناك “رئيس قوي في البيت الأبيض. بل وما كانت الحرب لتحدث مطلقاً”. واستدرك قائلاً: “أعلم أن هناك الكثير من الأسئلة حول تصريحات معينة”، في إشارة غامضة إلى وصف ترامب المهين لأحد خصومه السياسيين بأنه “فلسطيني”، وتعهداته بترحيل المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، لكن “موقف ترامب الواضح والصريح في هذا الأمر هو أنه يعارض هذه الحرب تماماً وبشكل مطلق… وهو يعارض قتل المدنيين تماماً بشكل مطلق”.
وتشير الصحيفة إلى أن إشارات ترامب للحرب كانت واسعة ومتناقضة، وتركت مساحة كبيرة للتكهن. وبدا في بعض الأحيان وكأنه ينتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويحثّ على إنهاء الحرب، وهي تصريحات أكد عليها بولس خلال هذه المناسبة.
بحبح هو فلسطيني أمريكي تقاعَدَ قبل فترة من عمله في الخدمات المالية، وهو مؤسس مجموعة “عرب أمريكيون من أجل ترامب”
وفي مقابلة مع إذاعة محافظة هذا الربيع، قال الرئيس السابق: “لست متأكداً من أنني أحب الطريقة التي يديرون بها ذلك”، واصفاً لقطات قصف غزة بأنها “شنيعة” وحذّر من أن إسرائيل “تخسر حرب العلاقات العامة”. وفي مرات أخرى قَدّمَ ترامب نفسه بأنه مؤيد لإسرائيل، وأكثر من اليهود الديمقراطيين أنفسهم، حيث أخبر صحيفة “إسرائيل هيوم”: “لا أحد فعل لإسرائيل ما فعلته لها، بما في ذلك الدفاع ومليارات الدولارات، 4 مليارات في العام، وعلى مدى السنوات، في وقت كان هناك ناس يريدون وقفها”. وجاء منشوره، الذي أظهر رجالاً مسلمين يحرقون العلم الأمريكي: “جيرانكم الجدد” في ظل هاريس بعد مقتل الأسرى الإسرائيليين في غزة.
ونقلت الصحيفة عن عضو في مجموعة “عرب أمريكيون من أجل ترامب”، وهو رجل الأعمال من كاليفورنيا وديع ضاهر، الذي سافر إلى فونيكس لحضور حفل العشاء في منزل بحبح: “كل رئيس أمريكي سيدعم إسرائيل”، مضيفاً أن ترامب سيفعل الشيء نفسه. وفي الوقت الذي ترددت فيه إدارة بايدن في ما إن كانت ستنتقد إسرائيل أو تساعدها، فإنه يعتقد أن ترامب سيجعل الحرب تتوقف. مضيفاً أن ترامب هو “رجل صفقات وهو رجل أعمال”، و”سيقدم صفقة على الطاولة ويحصل عليها”.
ووجد بولس نفسه في صحبة مجموعة متعاطفة معه، واجتمعت في بيت بحبح، فكلّهم كانوا غاضبين على طريقة إدارة بايدن للحرب. وكان معظمهم يميل للجمهوريين رغم وجود تشكك. فقد طرح أحد الحاضرين الرجال سؤالاً عن التصريحات الإعلامية التي تم نفيها وتتحدث عن طلب ترامب من نتنياهو عدم الموافقة على صفقة وقف إطلاق النار قبل الانتخابات الأمريكية، ليرد بولس أن العكس صحيح. وتساءل آخر إن كانت “المشكلة” هي أن المرشحين لا يهتمان بالفلسطينيين، و”لسوء الحظ” فإن “الأشخاص الوحيدين الذين شجبوا ما يحدث في غزة هم ديمقراطيون”، في إشارة إلى إدانة الليبراليين للقصف العنيف، والمجاعة، والأمراض الناجمة عن الحصار، والتي قتلت الآلاف من الأطفال الفلسطينيين. وقال: “لم أسمع جمهورياً واحداً يقول: هذا خطأ”. وأصرّ بولس على أن ترامب قال ذلك: “قال: يجب أن تنتهي هذه الحرب”.
وقبل ربع قرن، كان العرب والمسلمون الأمريكيون من داعمي الجمهوريين، حسب استطلاعات أجراها مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، كير والمعهد العربي الأمريكي. ولو استطاع ترامب إغراءهم مرة ثانية فسيكون عمله انقلاباً. ففي أعقاب أحداث 9/11 غزا الرئيس جورج دبليو بوش أفغانستان والعراق، ووَقَعَ المسلمون والعرب الأبرياء في أمريكا بفخّ حربه على الإرهاب التي لا تميز.
وعندها اختار العديد من أولئك الذين صوّتوا تاريخياً مع الحزب الجمهوري تغيير موقفهم. كما عزّزَ قرارُ ترامب، بعد أيام من توليه منصبه في عام 2017، حظر دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة من جاذبية الديمقراطيين. إلا أن حنق الماضي على الجمهوريين يجب ألا يجعلنا نسيء تقدير الغضب بشأن غزة، كما يقول الناشطون. ونقلت الصحيفة عن عباس علوية، أحد مؤسسي حركة “غير ملتزم”، وناشط ديمقراطي مخضرم في ميشيغان، أنه تحدث إلى “أعضاء المجتمع الذين صوّتوا للديمقراطيين طوال حياتهم، والذين يقولون إنهم لم يعد بإمكانهم دعم الحزب أو مرشحيه”، و”أعتقد أن الحزب يواجه مشكلة أكبر مما يهتم بالاعتراف بها”.
ولا يزال الأثر الذي يمكن أن تتركه الحرب في غزة على الانتخابات الرئاسية، وتوجهات الناخب العربي والمسلم الأمريكي، غير واضح.
ففي استطلاع نظمه معهد بيو، في آذار/مارس، كشف أن 60% من الأمريكيين المسلمين يعتقدون أن بايدن فضّل الإسرائيليين “أكثر من اللازم”، في حين قالت نسبة 6% فقط إنه قام بعمل “التوازن الصحيح” في إدارته للصراع.
أما الاستطلاعات الأخرى فهي محدودة للغاية في نطاقها ومنهجيتها، بحيث لا تقدّم رؤية واضحة أو قاطعة حول آراء الناخبين العرب والمسلمين، رغم أن استطلاعاً واحداً على الأقل أظهر أن بايدن كان متخلفاً عن ترامب بشكل حاسم في أربع ولايات مهمة، وهي: فلوريدا وميشيغان وبنسلفانيا وفيرجينيا، قبل أن ينسحب من السباق في تموز/يوليو. ولم يتم تنظيم استطلاعات كهذه منذ اختيار هاريس كمرشحة رسمية عن الحزب.
ويقول أسامة شامي، رئيس المركز الإسلامي في فونيكس، إن معظم الناس هنا يكرهون ترامب. واعترف شامي، الذي قال إنه يصوّت باستمرار للديمقراطيين، بأنه شعر بالاشمئزاز الشديد من تعامل بايدن مع الحرب، لدرجة أنه مثل كثيرين آخرين، لم يكلف نفسه عناء التصويت في الانتخابات التمهيدية، وهي لفتة رمزية إلى حد كبير في ذلك الوقت، حيث لم يواجه بايدن أي معارضة جادة لترشيح حزبه. وقال: “كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي لم أصوّت فيها”، وهذا “بسبب غزة وبايدن”.
وبحسب المعهد العربي الأمريكي، فإن أريزونا تحتل المرتبة 14 بين الولايات، من حيث حجم سكانها العرب، مع وجود أغلبية متجمعة في منطقة فونيكس. ويقدر المعهد، بناء على بيانات تعداد السكان، أن هناك حوالي 61626 عربياً أمريكياً في سن التصويت يعيشون هناك، أكثر من خمسة أضعاف هامش التصويت لفوز بايدن في عام 2020 في الولاية.
عزّزَ قرارُ ترامب، بعد أيام من توليه منصبه في عام 2017، حَظْرَ دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة من جاذبية الديمقراطيين
وبعد رفض مؤتمر الحزب الديمقراطي طلب حركة “غير ملتزم” بأن يلقي فلسطيني أمريكي كلمة من على المنصة الرئيسية في المؤتمر، خرج بعض الناشطين السياسيين العرب والمسلمين محبطين، لكنهم ملتزمون بالتصويت لهاريس على أي حال. وقال شامي: “لن أضيع صوتي على أي حال، وهناك من يتشدد بموقفه”.
وقال علوية: “أقضي وقتاً كبيراً وأنا أتحدث إلى أفراد المجتمع العربي والمسلم الأمريكي بشأن مخاطر دونالد ترامب”، “لكن الألم والخيانة” التي يشعرون بها من “دعم الإدارة غير المشروط بالأسلحة لنتنياهو عميقة للغاية، لدرجة أن التحذيرات بشأن ترامب لا تلقى صدى في كثير من الأحيان. ولا يعتقد الكثير من الناس أن ترامب سيكون أسوأ في هذه القضية. الشعور السائد هو ما الذي يمكن أن يكون أسوأ من الإبادة الجماعية؟”.
وبعد يومين من كلمة بولس في بيت بحبح، خاطب ترامب آلافاً من أنصاره في حي غلينديل القريب. ووقف رجل من بين الجمهور، كان قريباً من المنصة، ويرتدي قميصاً مكتوباً عليه “فلسطين ترامب”.
ولم يذكر الرئيس السابق إسرائيل أو الفلسطينيين خلال خطابه، على الرغم من أنه ألمح لفترة وجيزة إلى نفوره من الحروب الخارجية “التي لا تنتهي أبدًا”، قائلاً: “نحن لا نعرف حتى من هو البلد الذي نقاتله”.
ولم يكن من الواضح فيما إن كان يتحدث عن الشرق الأوسط أو أوكرانيا، حيث تعهد بسحب الدعم الأمريكي، أو عن مكان آخر تمامًا.
وفي منتصف الخطاب، وقف رجل بالقرب من الجزء الخلفي من الملعب. “الرئيس ترامب! الرئيس ترامب!” صاح الرجل، رافعا يده في محاولة لجذب انتباه ترامب. “أنا من العراق، وأنا أؤيدك! وسأصوّت لك!”، ورد رجل آخر “اسكت”، لكن ترامب الذي كان في الطرف الآخر من الملعب لم يسمع أياً منهم.