شجرة أرز صغيرة جدا أسفل الشاشة استمرت بالظهور وكأنها «برقية حصرية للنشامى»، فيما المذيعة تقرر مجددا سؤال السياسي المعروف وئام وهاب عن الأردن في «ظل محورين».
خلف وهاب استقرت لوحة كتبت عليها العبارة التالية «كن أد الدني».
لم أفهم تلك اللوحة، لكن أي محاولة لـ»أردنة» النقاش يوازيها استذكار «لبننة» المعطيات، واستلهام الدروس، خصوصا تلك التي وردت على شاشة المستقبل يوما في لقاء شهير لسعد الحريري استعملت فيه 30 مرة عبارة «النأي بالنفس».
علقت شجرة الأرز وشعبها في الماضي بين «محورين» واعتقادي أن خيار الأردن الحكيم والراشد في «النأي بالنفس» تعانده «الجغرافيا»، ويحتاج للكثير من العمل والفعل في ملف «الداخل».
فلسفة «النأي بالنفس»
الأهم: لا يتعلق الأمر بظهور وهاب – مرتين على شاشة برنامج اسمه «توك» يتبع محطة تلفزيون يوتيوبية نشطة باسم «لبنان أون» فقط – بقدر ما يتعلق بالحيز الذي حظيت به تعليقات وهاب بين الأردنيين أنفسهم عندما تداولوها بصيغة «عاصفة حقا»، لأنها بكل بساطة تلامس «مخاوفهم».
حتى عندما «تحسم الخيارات» في أي اتجاه، قد لا تصمد بعد الآن، وفي ظل استمرار تغذية «الحليف الأمريكي وتوابعه» لطموحات اليمين الإسرائيلي وسياسة «التمحور مع الأمريكي» أو الاستقرار في «مخاصمة الإيراني».
بين هذه وتلك لا بد من استقرار سياسة «النأي بالنفس» في مكان ما معقول ومنطقي ومنتج.
أحدهم على شاشة التلفزيون الحكومي الأردني مؤخرا هز رأسه وهو يذكرنا بسردية «القدرة على التحدث مع جميع الأطراف في أي وقت». التغطية التي أفردتها قناة «المملكة» الفضائية مؤخرا للقاء الثنائي حسين عبد اللهيان وأيمن الصفدي، تقول إن ذلك الامتياز الراشد ما زالت تمارسه عمان.
لكن في الصدامات «الحتمية» الوشيكة قد لا تصمد مقولة «التحدث مع كل الأطراف»، لأن «النأي بالنفس» بمعناه السياسي والوطني اليوم هو «الصحوة والاستيقاظ» على «مخاطر الكيان» عند «أردنتها»، وبالطريقة التي اقترحها خبير كبير من حجم الرئيس أحمد عبيدات، عندما استضافته قناة «اليرموك» في درس وشرح معناه الضمني أن «النأي بالنفس» الحقيقي يتطلب المقاربة، التي تفترض أن مصالح المملكة الأساسية مرتبطة بـ»فتية المقاومة» وصمودهم.
هنا قالها وئام وهاب مرتين بصراحة لا تحتملها شاشات عمان، وبصفته رئيسا لحزب يدعى «التوحيد العربي»، وبصيغة «أنا خايف على الأردن»، لأنه سيصبح «هدفا» لمحور المقاومة في المواجهة، وسيبقى الهدف المفضل أيضا بالتزامن لإسرائيل الساعية لـ»الوطن البديل».
الأردن عريق وعميق ولديه مؤسسات، ويستطيع دوما الدفاع عن نفسه وخياراته.. لا شكوك إطلاقا بذلك.
أحدهم رد على وهاب: «بدناش نصائح من بيروت».
أكيد كأردنيين يمكننا الاستغناء عن النصيحة المتلفزة للسياسي وهاب، لكن لو كان ذلك صحيحا ودقيقا لما جلس حديث الرجل بوقار على قمة سجالات الأردنيين الإلكترونية.
ولو كانت الأمور «جمعة مشمشية»، لما كسر مخضرم مثل علي أبو الراغب عزلته الإعلامية وظهر على شاشة «المملكة» محذرا وملوحا بمقاربة وطنية «أخشن» مع إسرائيل و»تنويع خيارات التحالف».
«علينا أن لا نهرب من الدلف إلى تحت المزراب». هل تصلح عبارة شتوية من هذا الصنف كإستراتيجية وقائية؟
في اختصار «هربنا» سنوات من نصيحة «تنويع خيارات الاتصال الإقليمية» وثمة مستويات تكيف لا ترغب بأي صحوة أو تغيير، ولا تريد تصديق الحقائق التي تقول «إسرائيل لم تعد تلك التي كانت وانقلبت علينا شعبا ونظاما».
شظايا في «مرج الحمام»
رغم هروبنا «الرسمي» من الحقيقة، شاهدنا جميعا زميلنا حسن الشوبكي مراسل «الجزيرة» يقف مع كاميرته بجانب «شظية ضخمة» لصاروخ إيراني تم إسقاطه في حارة مرج الحمام في العاصمة، وكان شباب الحارة يلعبون مع مخلفات الصاروخ قبل حضور الأطقم الأمنية.
سواء أعجبنا كلام وهاب أم لم يعجبنا، ثمة درس مستفاد من «شظية مرج الحمام»، فكرته: كاميرات الفضائيات لا ترحم، فهي تنقل وتلاحق وتقول كل شيء و»لا تستطيع ملاعبة محورين متناقضين ويتصادمان على «أرضك وبين جمهورك» لفترة طويلة جدا، عبر ممارسة لعبة «النأي بالنفس»، وأحيانا دون عمالة ماهرة.
وخيارك اليتيم بالتالي هو اتخاذ خطوات فورية سريعة جدا، أولها نصيحة تقول: «توقف عن وضع كل بيضك في السلة الأمريكية اللعوب».
وأخرى تزعم: «اترك فيلم «الدولة العميقة» في الكيان، فقد انتهى العرض، عندما بثت القناة الإسرائيلية 14 على الهواء صورة وزيرة النقل في الحكومة اليمينية، وهي تخطب على ظهر سفينة هندية، وتشكر علنا «3 دول عربية» تنقل البضائع للكيان، الذي يقتل أطفال غزة جوعا وقصفا وتدميرا.
لاحقا، ننصح بالآتي أيضا: آن أوان تشكيل هيئة الأمن القومي وعدم ترك الميكرفون حصرا بيد وزير واحد مشغول دوما، والتحدث مع الخبراء، ثم الشعب وتشكيل مطبخ لتشخيص مصلحة الدولة.
مسبقا واحتياطا، وحتى لا يمطرنا «الشباب إياهم» على شاشتي «المملكة» ورؤية مع سيل اتهامات ما أنزل الله بها من سلطان، نقول: التوقف عند ما نقلته الشاشة عن وئام وهاب ضروري ويحتاج للتأمل والتفكير.
كذلك استذكار ما يقوله رجال دولة أردنيون كبار يتميزون بمصداقية قياسا بمغامري «التكيف». هذا فقط كل ما في الأمر.
مدير مكتب «القدس العربي» من عمان