صوت من المريخ

حجم الخط
0

لا يزال كوكب المريخ جرما غامضا في الكون القريب المحيط بنا. وانشغل به الفلكيون منذ القدم.
هل يحتوي على الماء، أنهارا وبحارا؟ هل هو مأهول بالحياة؟ هل على سطحه مخلوقات خارقة ترسل إلينا بصحونها الطائرة؟
هذا الكوكب الأحمر أخذ حيزا كبيرا من تفكير، ومراقبة الفلكيين، وقد رصدته أكثر من حضارة، وأرسلت دول عدة مركبات فضائية لمحاكاته.

لعنة بلفور الكبرى

وجاءت المركبة الأمريكية الأخيرة لتحط على سطحه بنجاح كأول زائر له منذ عهود سحيقة في القدم، منذ أن خلق هذا الكون في ستة أيام.
وسجل ميكروفون المركبة أول صوت منبعث من هذا الكوكب. صوت سمعه سكان كوكب الأرض، وهلل علماء الناسا لهذا النجاح الفلكي.
مما لاشك فيه أن صوت من المريخ خطوة علمية كبيرة، ونجاح الإنسان في اختراق أسرار هذا الكوكب الأحمر.
وسماع الصوت المرسل من المريخ لا يمنع من سماع أصوات تنبعث من حناجر الشعوب المقهورة، والمقموعة، والمذبوحة من الوريد إلى الوريد، وخاصة ممن أرسل هذه المركبة الفضائية، ونصب نفسه شرطيا على العالم.
فكيف نسمع صوتا من المريخ، ولا نسمع أصوات شعوب بأكملها تعاني القمع، والقتل، والتشريد على كوكب الأرض.
هل يسمع سادة البيت الأبيض أصوات الفلسطينيين الذين يجرف زيتونهم، وتهدم بيوتهم، وتبتلع أراضيهم من التنين المحتل؟

أراضي الجولان

هؤلاء يصرخون منذ لعنة بلفور الكبرى، ولا حياة لمن تنادي، يقتلون، يشردون، ينامون في العراء، يسجنون بغير حق، ويحاصرون، وتمنع عنهم الكهرباء، والماء، بل وحتى لقاحات كوفيد المفترس التاسع عشر، ويرحل رئيس، ويحل آخر في هذا البيت الأبيض، ولا نراهم يسمعون سوى خزعبلات الكيان المحتل بخوفه على أمنه، وهو يملك أقوى جيش في المنطقة، ومجهز بأحدث الأسحلة حتى النووية منها، ويطور حاليا مفاعلاته النووية التي تهدد المنطقة بأكملها ولا أحد يحرك ساكنا. بل ويأتي رئيس يشرع أن القدس الشريف هي عاصمة الأبدية، وينقل سفارة أمريكا العظمى إليها، بل ويخطط هو وصهره لصفقة قرن تحرم الفلسطينيين حتى من دولتهم، وتسمح للكيان بضم باقي الأراضي الفلسطينية وكأنها ملكه الخاص.
وأعتقد هذا الرئيس المعزول أيضا أن أراضي الجولان هي ملك موروث له فشرعن ضمها أيضا.
هل يسمع سكان البيت الأبيض صراخ سكان سوريا الذين يرزحون تحت حكم مستبد يقتلهم ليل نهار حتى بالسلاح الكيميائي الذي قال باراك أوباما إنه «خط أحمر» ثم وجدنا أنه غير لونه سريعا كي لا يزعج إيران حليفة الأسد، ويفسد على نفسه توقيع الاتفاق النووي معها.
ما أظهره قيصر للبيت الأبيض من صور لآلاف الضحايا قتلوا تحت التعذيب الوحشي ليس سوى قطرة في بحر الدماء التي ذرفها الشعب السوري خلال خمسين عاما من العزلة تحت نظام الأسد.
ولا تزال الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال نصف قرن تغض الطرف عن نظام لم يحترم أدنى حقوق الإنسان، ( تعاقب عشرة رؤساء على البيت الأبيض خلال الفترة) برغبة من إسرائيل أن تبقي على نظام ضمنت منه « التطبيع غير المعلن « على مستوى عدم الاعتداء على أقل تقدير.
الولايات المتحدة تطلب روسيا، والصين، باحترام حقوق الإنسان لاختراقات لا تساوي مثقال ذرة من انتهاكات النظام السوري بحق الشعب السوري الذي عانى الويلات خلال فترة الأب، ومنذ انطلاق الثورة بات السوري أفقر إنسان على سطح هذا الكوكب حسب تقرير أممي.
ومعاناة السوريين ستستمر لأجيال قادمة، كون هناك مئات الآلاف من الأطفال خارج إطار التعليم، وخاصة الذين يعيشون في المخيمات المنتشرة داخل سوريا، وفي دول اللجوء.
لقد هجر سوريا إلى اليوم أكثر من ثلث السكان، وهؤلاء يعانون قساوة الشتاء، وحر الصيف في مخيماتهم، وجور بعض الدول المضيفة التي لا تؤمن لهم بالضرورة فرص عمل، أو تعليم، أو إقامة تتوفر فيها الشروط الصحية.

نتائج خطيرة

إن هذه الأوضاع لها نتائج خطيرة على المجتمع السوري على مدى أجيال، فلا بد من معالجتها سريعا.
لقد أصدرت الولايات المتحدة تقريرا لوكالة مخابراتها السي آي إيه تدين فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في موافقته على مقتل الصحافي جمال الخاشقجي، وهذه حالة واحدة، فكيف نغض الطرف عن مئات الآلاف الذين قتلهم النظام النظام السوري، أم أن هؤلاء يطبق عليهم مقولة جوزيف ستالين الشهيرة: «إن قتل شخص واحد جريمة، أما قتل مليون شخص فهو إحصاء».

كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية