هناك مثل عربي متداول كثيرا في بلاد الشام يقول «من برّة رخام ومن جوّة سخام»، أي أن الشكل من الخارج جميل ومن الداخل سيئ وقبيح، كأنه بقايا فحم محترق. وهذا المثل ينطبق تماما على العالم العربي في وضعه الحالي. فشتان بين الشكل والمضمون، بين النظرة إليه من الخارج وكأنه قطعة من نور ونوار، والنظرة إليه من داخله وكأنه زبد وأسى وشذرات مبعثرة بين الأشواك. وأود هنا أن أعرض صورتين لعالمنا العربي: الصورة كما يجب أن تكون والصورة كما هي في الواقع المرير. بين إمكانيات هذا الجسم الجغرافي الكبير الممتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي والمحيط الهندي وبحر العرب، والواقع الذي نراه أمام عيونا من تمزق وشرذمة ومهازل ومجازر. فما الحل وما هو المطلوب وكيف يمكن أن نخرج كأمة من هذا المأزق الوجودي؟
العالم العربي كما نراه عن بعد كتلة واحدة ممتدة من المغرب وموريتانيا في الغرب إلى العراق والكويت واليمن شرقا ومن جبال طوروس شمالا إلى أحشاء افريقيا الوسطى جنوبا. يتربع بكبرياء وسط ثلاث قارات يربطها شمالا وجنوبا، شرقا وغربا. تصل مساحته مجتمعا إلى نحو 13 مليون كيلومتر مربع، ليحتل المركز الثاني بعد روسيا، ويسكنه ما لا يقل عن 400 مليون إنسان ليحتل الموقع الثالث في العالم بعد الصين والهند. يضم العالم العربي أجمل الأنهار وأهمها كالنيل ودجلة والفرات. موئل الحضارات الأولى بلا منازع. من تلك الرقعة انطلقت الزراعة والأبجدية والكتابة والأرقام. وكل أتباع الأديان السماوية وغير السماوية. ملايين المؤمنين ترف قلوبهم لمدينة أو موقع أو معلم في العالم العربي، ويأتونه حجاجا وسياحا. في بلاد الشام والعراق والحجاز ومصر تتجسد الرسائل السماوية، وتبدو آثارها أمام عينيك. وتستطيع أن تسير في درب الآلام التي سار فيها السيد المسيح وتلمس الصخرة التي صعد منها النبي العربي الأمي إلى السماء، وفيه تشاهد الغار الذي نزل الوحي على من اختاره الإله رسولا للعالمين. يطل على البحور جميعها فشاطئ المتوسط الجنوبي لنا وحدنا والبحر الأحمر لنا وحدنا وقناة السويس تربط العوالم الثلاثة القديمة لنا وحدنا ولنا من الشواطئ على البحار والمحيطات ما يصل إلى نحو عشرين ألف كيلومتر. إن أردت المصايف الجميلة الساحرة وجدتها وإن أردت المشاتي الدافئة فما أسهل الوصول إليها وإن أردت الغابات وجدتها وإن كنت من عشاق الشمس والصحراء وتسلق الجبال فأهلا بك في بلاد العرب.
التاريخ هنا والحضارات هنا، والمدرجات الرومانية هنا والمدن الصخرية بلونها الوردي هنا، ومقامات الأنبياء والصحابة والأولياء موزعة بين هذه البلدان. المدن الغابرة بحضاراتها منتشرة في أصقاع العالم العربي من تدمر إلى قرطاج ومن أصيلة إلى إرم ومن طيبة إلى سومر. من هنا مرّ الأنبياء وهنا دفنوا، ومن هنا قاد ابن الوليد جيوشه وأكمل مسيرته صلاح الدين وبيبرس. هنا عاش المتنبي وأبو العلاء، وقضى ابن خلدون والشافعي وابن عربي، وتغنى أبو نواس بقيانه وعزف زرياب موسيقاه وأجرى إبن الهيثم عمليته في قرنية العين، بينما كان الرازي مشغولا في إنجاز كتابه «الحاوي في الطب» وابن رشد يرد على تهافت الغزالي. هنا من يتكلم الآرامية والسومرية القديمة والكردية والأمازيغية والنوبية والآشورية والسريانية والأرمنية والتغرية. هنا تجد كل الألوان وكل الأعشاب وكل الوجوه من أسود وأبيض وأزرق وأكحل وأسمر.
إحفر قليلا في الرمل تتفجر العيون النفطية، ويتسرب الغاز الطبيعي لإعطاء العالم دفئا وصناعة ومواصلات. ينهار العالم في أيام لولا هذه الثروة التي تختبئ في أحشاء عالمنا العربي وتقدم له 25 ميلون برميل يوميا، من احتياط يزيد عن ثلثي ما في أحشاء بقية الدنيا. يتحول النفط والغاز إلى ثروات لانهاية لها تستطيع في سنوات أن تقضي على الفقر والجوع والمرض والتخلف. إذا أردت الأرض الزراعية فمرّ على السودان التي تزيد مساحة الأراضي الزراعية فيها عن 80 مليون هكتار تكفي لتطعم العالم العربي خضروات وفواكه وحبوبا ولحوما. ثم توقف قليلا في الجزائر أكبر دولة في القارة الافريقية، التي جمعت كل أسباب المجد والثروة من نفط وغاز وزراعة ومعادن وشعب شاب. أما نخيل العراق فلا أجمل ولا أحلى وتصاب بالدهشة مثلي عندما رأيت غابات النخيل في البصرة. وإذا أردت المعادن فادخل قليلا في جوف الأرض في ليبيا وصحراء مصر والجزائر ونجد وموريتانيا. أما السياحة في العالم العربي بشقيها الترفيهي والديني فتقف مصدر دخل إلى جانب النفط والغاز لكثرة كنوز هذا الوطن التي لا تحصى، ومن يريد الاستزادة فليطلع على قائمة اليونسكو للمواقع التراثية العالمية.
صورة العالم العربي من الداخل
مشهد العالم العربي من الداخل يثير الوجع والحزن فلا يمر يوم بدون أن يسقط فيه الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وعجزة ومعاقين في شوارع المدن العريقة وأريافها، وفي مآوي المشردين ومخيمات اللاجئين. مئات المدنيين يقتلون بالبراميل المتفجرة، أو المدفعية والطائرات، أو بالسيارت المفخخة، أو يقعون ضحايا للانتحاريين، وبعضهم يسقط لمجرد المشاركة في مظاهرة سلمية، أو لرفع أربعة أصابع إشارة إلى موقف سياسي. كيف يمكن أن نفسر هذا التخلف وهذا التراجع المميت في كل مناحي الحياة؟ لماذا يعم السلام والحريات والاستقرار والتنمية في معظم بلدان العالم إلا العالم العربي؟ كل الدول تستغل ثرواتها في تنمية البلاد ورفع مستوى حياة شعوبها إلا العرب، يبددون ثرواتهم في الحروب والتسلح والرشاوى ودفع الخاوات للسيد الأمريكي، ويفتحون جبهات قتال مع الجار والأخ والشقيق وينصاعون بكل ذل للعدو الصهيوني الذي يحتل الأرض وينتهك المقدسات ويضرب مرة في لبنان ومرة في سوريا ومرة في العراق ومرة في تونس ومرات في غزة. كيف لأمة هي الأقرب إلى بعضها بعضا، عرقيا ودينيا وثقافيا وتاريخيا ولغويا وحضاريا، لكنها تتفتت عرقيا ودينيا وجغرافيا وسياسيا، وتحمل السلاح لا لأعدائها بل لإخوة الدم والعقيدة والتاريخ. أكثر الجياع وأكثر المشردين وأكثر اللاجئين من العالم العربي. تسعة نزاعات عربية تحتل سلم أولويات مجلس الأمن الدولي، وتستهلك الثروات وتدمر إمكانيات نهوض البلاد ـ فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان والصحراء الغربية. أغلقت الحدود بين المغرب والجزائر لأكثر من عشرين سنة، ودول الخليج تحاصر بعضها بعضا وطيران العرب يضرب العرب وترامب يغذي هذه الخلافات لتجريف أموال هذه الدول. الحريات العامة مقموعة وقد توصلك تغريدة أو قصيدة أو تعليق إلى المقصلة، بحجة الإرهاب أو التطرف أو «الفساد في الأرض» من وصل الكرسي لا يريد أن ينزل عنه إلا قتيلا أو طريدا أو سجينا. ومعظم الحكام الأشاوس يعدون أولادهم لاستلام الحكم من بعدهم. الانتخابات زائفة وأرقام التنمية كاذبة، والاستقرار المزعوم وهم وإنجازات الزعماء التي تملأ الصحف كاذبة والمناهج المدرسية لا علاقة لها باحتياجات البلاد والفساد يخترق البلاد طولا وعرضا وتبذير الأموال على القصور والسيارات والطائرات الخاصة واليخوت لا نهاية لها. الأجنبي مرحب به ويدخل بدون تأشيرة، أما العربي الأخ والجار فلا أمل له باجتياز الحدود. المرأة مهمشة ولا دور لها إلا ما ندر، ويتسابق كهنة السلطان بإصدار الفتاوى لكل ما يتعلق بجسد المرأة. الطائفية تتغول والتطرف الديني يتجذر والإعلام يطبل للحاكم بشكل رخيص. والبرلمانات في غالبيتها الساحقة تخدم السلطان لا تخدم الشعوب. فما العمل؟
شاهدنا صورتين للعالم العربي الصورة الحلم والأمل، والصورة الواقع بدون رتوش، وبين الصورتين برزخ كبير مرير موجع فاجع. فما الحل وأين المخرج؟
مشهد العالم العربي من الداخل يثير الوجع والحزن فلا يمر يوم بدون أن يسقط فيه الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وعجزة
لقد توصلت إلى قناعة بعد التعرف عن قرب على العالم العربي وأزماته وعلله المتشابهة والمتداخلة، بأن الحلول الجزئية والإقليمية والمحلية لن يكون مردودها طويل المدى. وكما نهضت شعوب عديدة بعد كبوة أو كبوات، وكما خرجت الملايين من أبناء آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية من عصور الظلام والتخلف إلى عصر النهضة والتقدم والاستقرار، ليس أمامنا إلا أن نسير على النهج القائم على قواعد ثابتة، جربت مرارا وتكرارا، وأدت النتائج وهي بكل بساطة اتباع الديمقراطية الحقيقية البعيدة عن التزوير التي تتضمن: تداول السلطة في انتخابات حرة وعادلة ومراقبة، سيادة القانون فلا أحد فوق القانون حتى لو كان رئيس البلاد، وتمكين المرأة وضمان الحريات العامة وأهمها حرية التعبير والتجمع والرأي، واستقلالية القضاء، وصحافة حرة، وحرية الدين والمعتقد، كل ذلك في دولة مدنية تفصل فيها السلطات ويكون الفيصل بين الناس هو القانون.
كم نحن بعيدون عن الصورة الأمل، بسبب طاقم من الحكام الذين فرطوا في كرامة الوطن والمواطن، وإلى أن يتم السير على طريق الخلاص ونشاهد النهوض الحقيقي الذي بدأت بواكيره تطل علينا رغم حجم المتربصين سنبقى متمسكين بالأمل.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
هل يكفى أن تكون لنا نفس اللغة و نفس الدين ….ليجب علينا أن ننتمى إلى ما يسمى عالم عربي ….كل أمريكا اللاتينية و الجنوبية ….ما عدا البرازيل ….تتحدث الاسبانية و تدين بالكاثوليكية و لا أحد يتحدث عن أمة إسبانية و عالم اسبانى …. !! نحن لا يجمعنا شئ….ماذا يجمع تونس مثلا بالسعودية ….كل واحد يعيش فى عالم و كل واحد يعيش فى عصر و كل واحد ينتمى الى جغرافيا و تاريخ لا تمت الى الأخرى بصلة ….!!!
العالم العربي مهدد بالتشرذم الى 1000 كيان و الى مزيد من التخلف بسبب غياب الحكم الرشيد و العدل اساسا. و لكنه يمكن جدا ان يكون وحدة واحدة مبنية على اساس المصلحة للجميع يعززها اللغة و الدين و الثقافة و لكن المصلحة اولا و هذا يتحقق كما اشار الكاتب المحترم بالحرية و الديموقراطية و العدالة و اضيف اليها اللامركزية مع الحرص على عدم سيطرة او افضلية و نبذ العنصرية.
إلى تونس الفتاة :
لو أن أحداً زار تونس وتكلم معك باللهجة التونسية وهو غير تونسي لفرحت له ولربما عرضت عليه المساعدة في شئ ما ،هذا هو من شيم العرب والمسلمين والتي تجلى بها من حسن الخلق سيدنا محمد (صلعم) القدوة للعالم أجمع ، والدين الإسلامي يحث على نصرة الأخ لاخيه ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوما ) ،وما يجمعنا أكثر من اللغة والدين التاريخ المشترك والعادات والتقاليد والآمال والطموح والقضايا المشتركة مثل فلسطين ، نحن أبناء الشعوب المظلومة من حكامها أولا أود أن أتقرب أليك بالمحبة ولتصلح معلوماتك وتقف في خندق الشعوب المنتصرة عاجلاً أم أجلاً وهو الوعد الحق ، لا في خندق الحكام المنبطحين .