لا مجال للمقارنة ما بين ما يترجم إلى اللغات العالمية، وما يترجم إلى العربية. فرغم بعض المجهودات المبذولة، ما تزال حركة الترجمة إلى العربية ضعيفة جدا، كما أن درجة مقبوليتها تظل بعيدة عن تحقيق المراد. إن الترجمة نافذة ثقافية نتعرف من خلالها على الآخر، وما يحققه من تطورات على المستويات كافة. وحين تكون الترجمة أمينة، ودقيقة ضمن الحدود المقبولة تضطلع بدورها على النحو الأمثل، في جعل تلك النافذة مضيئة ومنيرة.
هناك عناية كبرى عربيا بالإقدام على ترجمة بعض الأعمال إلى اللغة العربية منذ عصر النهضة. ولا داعي للحديث عن الترجمة في العصور الذهبية العربية الإسلامية. فمؤرخو الأفكار والفلسفة في الغرب يعتبرون ما قامت به اللغة العربية يكمن في حفاظها على تراث إنساني، وجعله قابلا للاستمرار، وهي مهمة ليست باليسيرة، كما هو سار في الاعتراضات العربية على هذه الفكرة. تثير قضية الترجمة الكثير من المسائل المتعلقة بأدوارها في التفاعل الثقافي بين الشعوب، وكلما ازدهرت في ثقافة ما كان ذلك دالا على حيويتها وديناميتها. في المجال العربي نجد اهتماما بالترجمة إلى العربية من بعض اللغات (الإنكليزية والفرنسية) بصورة كبيرة، بينما من لغات أخرى مثل الإسبانية والإيطالية والألمانية والروسية والصينية وغيرها، قليل جدا، بل وشبه منعدم.
هناك تقليد جيد سنّته جائزة البوكر وكتارا، بإقدامهما على ترجمة الروايات الفائزة إلى لغات أجنبية. ويمكن التنويه في هذا النطاق أيضا بالدور الذي تقوم به سلسلة عالم المعرفة الكويتية، وما يضطلع به المجلس الأعلى للترجمة المصري، من مجهودات في نقل المعرفة المعاصرة إلى القارئ العربي. وهناك محاولات عربية أخرى تبذلها مؤسسات عربية ودور للنشر في هذا السبيل، ولا يسعنا سوى إيلائها ما تستحق من العناية والتشجيع. غير أن غياب مؤسسة عربية جامعة تهتم بتوحيد الجهود وتوجيهها، وفق خطة محددة المعالم والأهداف لا يمكن إلا أن يجعل تلك الأعمال الجليلة محدودة الأثر، ولا تمكّن من جعل تلك النافذة مشرعة على فهم طبيعة العصر الذي نعيش فيه.
نود التوقف هنا ليس على الترجمة إلى اللغة العربية فهذا باب، رغم كل ما أثير حوله من تصورات، ما يزال يستدعي النقاش العلمي الجماعي، والمبادرات المؤسسية ذات الرؤية البعيدة المدى. إننا كما تفرض علينا الضرورة فتح نافذة للاطلاع على ما يتحقق خارج فضائنا الثقافي، نحن في أمس الحاجة إلى فتح نافذة أخرى نجعل الآخر يتعرف من خلالها على ما يعتمل لدينا، وتقديم صورة عن واقعنا الثقافي، أي العمل على ترجمة جديد الثقافة العربية إلى اللغات العالمية.
نحن في أمس الحاجة إلى فتح نافذة أخرى نجعل الآخر يتعرف من خلالها على ما يعتمل لدينا، وتقديم صورة عن واقعنا الثقافي، أي العمل على ترجمة جديد الثقافة العربية إلى اللغات العالمية.
قد لا تلقى هذه الدعوة الترحيب من لدن البعض بدعوى غياب من يقوم بهذا العمل على الوجه الأمثل. وقد يقول قائل إن الآخرين يختارون ما يترجمون إلى لغاتهم من العربية. وقد يعترض ثالث بأن ليس لدينا ما يمكن أن نقدمه للآخرين، وتكون فيه إضافة إلى المعرفة الإنسانية، ورغم كل ما يمكن أن يقال عن الموضوع أرى، بالمقابل، أن الرغبة في ترجمة الأعمال العربية إلى إحدى اللغات العالمية، هو حلم الكثيرين من المبدعين والأدباء والباحثين، بل إنه صار لدى البعض هاجسا، وهو مستعد لبذل كل ما ملكت يداه ليرى أحد أعماله مترجما إلى غير العربية. والأدهى من كل ذلك هناك من يرى أن الترجمة إلى لغات أخرى دليل على العالمية؟
لا أود مساجلة كل أنواع الاعتراضات، كما لا أريد تحية المرحبين بالدعوة. فلكل باب يمكن غلقه إمكانية البحث عن وسيلة ما لفتحه، كما أن فتح أي باب لا يعني امتلاك البيت الذي كان دوننا مغلوقا. تكمن المسألة، ببساطة، في أن حاجتنا إلى فتح نافذة على الآخر، لا يمكن أن توازيها سوى ضرورة فتح نافذة أخرى للآخر علينا، وفي الحالتين معا ثمة مجالات واسعة للتفكير والتخطيط والتدبير. إن ما يترجمه الآخر عنا يتدخل فيه ما هو في حاجة إليه، لتتحدد رؤيته إلينا بالشكل الذي يمكنه من التعرف علينا أحسن. كما أنه إلى جانب ذلك يُكون المتخصصين الذين يطلعون على أوجه ثقافتنا في مظانها، ويقدمون دراساتهم عنا بالشكل الذي يتلاءم مع ما يودون معرفته عنا. وكل كتابات المستشرقين والمستعربين القدامى والجدد، فتحت نوافذ داخل بيتنا العربي التاريخي والمعاصر، ومن خلالها يخططون لمستقبلنا الذي يتوقعونه لنا بالصورة التي تظل تخدم مصالحهم.
ما جدوى ترجمة أعمالنا العربية، خاصة في مجال الإنسانيات والعلوم الاجتماعية إلى اللغات الحية، وخبراؤهم الذين يعرفون عنا كل شيء يقدمون ما هم في أمس الحاجة إليه، ويغنيهم عما ينشر لدينا؟ لا نخفي أن هناك دراسات عربية في هذه العلوم ذات قيمة عليا لانخراطها في النظريات والمناهج المتداولة عالميا، وضمنها نجد اجتهادات قد لا تقل أهمية عما هو متعارف عليه، وقد تكون ذات قيمة لو تعرف عليها الآخرون. إن ضرورة التفكير في ترجمتنا ثقافتَنا إلى اللغات تحفيز لها للارتقاء إلى مستوى المجهودات العالمية.
٭ كاتب مغربي
حسب اليونسكو ما ترجم إلى اللغة العربية، منذ عصر المأمون سنة 813 إلى اليوم، لم يتجاوز العشرة آلاف كتاب، وهو عدد يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة فقط ! وما تترجمه الدول العربية مجتمعة في السنة الواحدة لا يعادل خمس ما تترجمه اليونان وحدها في العام ! والدراسة مشهورة ومتوفرة لمن يرغب في الإطلاع عليها ! ويبلغ متوسط ما يترجمه العالم العربي على مدى خمس سنوات هو 4,4 كتاب مترجم لكل مليون مواطن عربي، بينما متوسط الترجمة في هنغاريا يصل إلى 519 كتاب مترجم لكل مليون مواطن هنغاري في نفس الفترة !
و أما الترجمة من العربية فهي بالضرورة محدودة جدا ! إذ ما الذي سيفيد القارئ الغربي أو الصيني إذا قرأ أطنان الأوراق (الكاغيط) التي تنشر كمتون أو كتفسير للمتون أو كحواشي على حواشي المتوني وجلها عن خزعبلات القرون الوسطى ! أما الروايات العربية الجيدة والتي تستحق النشر أصلا فهي قليلة تماما وبالتالي فما يستحق الترجمة قد ترجم وعلى الغرب (لأنه هو القصد دائما ! ) سوى الإنتظار شهورا طويلة كي تجود إحدى القامات برواية تستحق النشر ! ومن سيترجم الشعر إذا كانت كل دور النشر الغربية ترفض نشره تماما من أي مصدر كان ! لا يبقى سوى ترجمة التقارير عن واقعنا !
سبق أنْ نشرت وفي جريدة القدس الغراء…تعليقًا مفاده : لماذا لا تنُشأ الدول العربية وزارة للترجمة ؛ مكوّنة من قسمين الأوّل : يتوّلى مهمة الترجمة من اللغات الأجنبيّة إلى اللغة العربيّة.الثاني : من اللغة العربيّة إلى اللغات الأجنبيّة.جريدة القدس بعددمتواضع من المترجمين تقدّم لنا مقالات مترجمة من الصحافة الأجنبيّة خلال 24 ساعة…فلو تحققت امكانات دولة في وزارة لكان الانجاز مضاعفًا.
أسبوع من مصاريف الحرب و العدوان على سوريا و اليمن و ليبيا تكفي لتغطية تكلفة أعمال الترجمة من و إلى اللغة العربية لعُشرية كاملة !!
أليس كذلك يا عرب؟…..
عندما فاز الروائي الإسپاني كاميلو خوسي ثيلا بجائزة نوبل سنة 1989 بادرت بتعريب قصة له تحت عنوان الموسم La romería ،وتوقعت أن تلقى ترجمتي استحسانا ، لكن أصدقائي علقوا في شبه إجماع : أهذا الذي فاز بالجائزة العالمية ؟!
ما زلت اتساءل ، اهو زهدنا في قراءة المترجم ، أم تعودنا فقط على اجترار بضاعتنا ، إن كنا فعلا نستمرئ ما نكتب ؟!
دعوة لا يمكن الا ان نثمنها بقوة..وهي صادرة من احد اعمدة الثقافة العربية المعاصرة وخبير بانتقال الافكار من ثقافة لاخرى لمدة تزيد الثلاثين سنة …تبقى المشكلة ان حقل الترجمة في الوطن اشبه بسوق سمته الفوضى والدخلاء على الترجمة الذين عتوا فسادا في اكثر من مرجع غربي…فالكل استسهل عالم الترجمة..وغذت مهنة من لا مهنة له للاسف…فحتى ما يترجم ان قارناه باصوله سنصاب بالدهشة من صور التحريف والتشويه والتصرف مصظره حهل باللغة وموضوع الترجمة في المقام الاول..وما لم تتم ماسسة هذا المجال وربطه باهداف وطنية وقومية فستستمر الفوضى على حالها للاسف…تحياتنا للاستاذنا سعيد
الثقافة وعلم النفس ؛ اذا كان علم النفس يهتم بدراسة السلوك ودوافعه ، فهمه والتنبؤ به والتحكم فيه فإن الثقافة والتغير الثقافي على علاقة وطيدة بعلم النفس فالفرد لا يسمح في سلوك إلا لانهةاصبح لا يلبي حاجاته ودوافعه؛ ولا يتمسك بسلوك إلا لتصورات حول قدرة السلوك على تلبية الحاجات والدوافع بغض النظر عن مصدر المتغيرة الثقافية المرتبطة بالسلوك …