«ضغط الكتابة وسكرها» لأمير تاج السر

حجم الخط
0

اقتنيت بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء (دورة 2014) كتابا للكاتب السوداني أمير تاج السر بعنوان «ضغط الكتابة وسكرها»، من منشورات دار العين، القاهرة 2014، وقد استوقفتني المقالات التي تضمنها بما فيها من أفكار ومواقف نقدية غنية ومتعددة، يمتزج فيها الرأي (العقل) بالعاطفة (الانطباع) فهو بالرغم مما يتميز به من بساطة ووضوح فإنه ينبني على أبعاد تأملية وتحليلية عميقة، الأمر الذي يضعنا أمام مقالات تقوم على رؤية نقدية وخلفية نظرية نعرضها من خلال بعض القضايا والآراء التي قدمها الكتاب:
1ـ العنوان : لقد لاحظ أمير تاج السر أن للعنوان دلالات ومرامي مختلفة، فهو العتبة الأولى أو مفتاح الدخول إلى النص (بحسب تعبيره) وهو إلى جانب ذلك «أحد جوانب الترويج للنص» وهنا يضع الكاتب اليد بإيجاز محكم على مؤشرين هامين بالنسبة للعنوان (في الرواية مثلا) المؤشر الفني الدلالي، والمؤشر التجاري الإشهاري، وهما القطبان الأساسيان اللذان يتجاذبان الكتاب بصورة عامة، وبصورة خاصة الأعمال الإبداعية من قصة وشعر وغيرهما، وقد استعرض الكاتب هذا الموضوع وما يرتبط به من قضايا بشكل ينم عن إحساس نقدي وأكاديمي حقيقي، وتم عرضها بطريقة ميسرة سلسة من غير أن تفقد وزنها العلمي.
2 ـ اللغة، ما بين الفصحى والعامية، وهذه مسألة في غاية الأهمية، وتطرح عدة أسئلة لخص الكاتب تاج السر الإجابة عنها من خلال تحديد وظيفة الفصحى والعامية، فالعامية هي لغة محكية ينحصر استعمالها وتداولها في نطاق محدود، والفصحى تتجاوز هذه الجدود لكونها لغة تستوعب معطيات أخرى ومجال استعمالها أوسع، ونلاحظ في هذا السياق أن حديثا بهذه البساطة ليس من السهل صياغته وإيجازه دون معرفة دقيقة بالخلفيات العلمية والنظرية والتاريخية للغة في كل مستوياتها، وخاصة في المستوى الأدبي الإبداعي.
3 ـ الرواية والتاريخ : يطرح الكاتب هذا الموضوع من زاوية قلما يثيرها النقاد والمهتمون بجنس الرواية، هناك بالفعل كتاب يلجأون إلى التاريخ بما فيه من أحدث ويؤلفون روايات (وقصصا) بالارتكاز عليها، أي أنهم يعتمدون على حقائق من الماضي، شخوصا وأمكنة وأزمنة، فيما يقدم الكاتب منظوره ورؤيته الخاصة لهذا الموضوع، وتتخلص في كون الرواية الحقيقية بالنسبة إليه «تبني واقعها الخاص الذي يأخذ من الواقع الصرف وأيضا من الخيال المتأجج في ساعات الكتابة» وبهذا يميز ما بين الكتابة التي تستند على الوثائق والمخطوطات الحقيقية فقط من دون إضافات إبداعية، والكتابة الروائية التي تنهل من الواقع (التاريخ) والخيال من غير أن تتقيد بوثيقة أو مخطوط، بل في إطار عملية إبداعية تقوم على الخلق والإيحاء.
4 ـ الجوائز الأدبية : وهذه إحدى الإشكالات الكبرى في عالم الثقافة والأدب العربيين، إذ كيف يتم الحكم على الأعمال الأدبية واختيار عمل أدبي محدد لنيل جائزة معينة؟ يلاحظ
الكاتب أن ما يتحكم في هذا الاختيار هم من يشكلون اللجان التي تمنح الجائزة، وفي هذا النطاق يرجع إلى أحد أعمدة النص الأدبي الذي أولاه منظرو الأدب المحدثون أهمية قصوى، وهو القارئ الذي يكون وراء انتشار العمل الأدبي خارج أي قواعد نقدية أو أكاديمية ثابتة.
وهذا الرأي له وجاهته، وإن كان يطرح تساؤلات عدة، غير أنني اطلعت، وأنا أهيئ هذه الورقة المتواضعة للطبع، على رأي آخر للأستاذ أمير تاج السر، منشور بمجلة الدوحة، قطر، ماي 2014 (أفضل مئة رواية عربية) يقدم فيه معطيات أخرى تمنح الاعتبار الضروري للمعايير والقواعد التي لابد من تحديدها في إطار علمي وأكاديمي يساعد في اختيار النصوص الروائية التي تمثل عن حق الوعي الأدبي بجنس الرواية. (وهذا موضوع طويل وعريض يهم جوانب عديدة ويطرح علامات استفهام كثيرة في الحياة الثقافية في الوطن العربي)..
5 ـ الرواية والسيرة: يميز الكاتب بين الرواية والسيرة على أساس الصدق في نقل الأحداث، أي الالتزام بالوقائع الحقيقية التي عاشها صاحب السيرة، فيما أن هذا الالتزام غير مطلوب في كتابة الرواية طالما أن الكاتب يوظف خياله في تصوير الوقائع وهو غير ملزم بإثباتها كما هي في الواقع إذا ما ارتبطت فعلا بحياته الشخصية.
ومعلوم، على المستوى النظري، أن الرواية والسيرة تتفقان في آليات الكتابة والتعبير، غير أنه على مستوى المادة الحكائية ترتكز الرواية على الخيال بينما السيرة ترتكز على التاريخ الشخصي للكاتب، لذا فإن عامل الصدق، أو لنقل بمعنى من المعاني المطابقة (وهي غير تامة في جميع الأحوال) بين المحكي والمعيش عامل أساس في التعاطي مع العمل الأدبي حال كونه سيرة ذاتية.
وعلى العموم، فإن كتاب «ضغط الكتابة وسكرها»، يعالج قضايا مختلفة ترتبط بالكتابة الإبداعية سواء ما تعلق منها بتجربة الكاتب الشخصية في مجال الرواية تحديدا أو ما تعلق بتجارب أخرى اطلع عليها وهي كثيرة، وموزعة على أزيد من ستين مقالة تتميز بالإيجاز والتركيز، وبعد النظر. ولا تسعى هذه الكلمة إلى الاحاطة بكل هذه القضايا التي تناولها المؤلف، وإنما تسعى بإختصار شديد إلى الاشارة إلى أهميتها خاصة ما يهم الأسس النقدية والنظرية التي تقوم عليها.
كاتب من المغرب
[email protected]

د. محمد غرناط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية