“طاغية يعقب دكتاتوراً”: بعد عقد على الثورة.. هل تتجه “مصر السيسي” إلى منطقة أكثر ظلاماً؟

حجم الخط
0

قبل عشر سنوات أضاء في تونس بصيص أمل، فأشعل حريقاً كبيراً امتد إلى كل المنطقة وأخذ معه المؤسسة القديمة. سقط الحكام واحداً واحداً في أرجاء الشرق الأوسط: زين العابدين بن علي في تونس، حسني مبارك في مصر، علي عبد الله صالح في اليمن، ومعمر القذافي في ليبيا. للحظة، وكأن التاريخ سارع وأبطأ في الوقت نفسه، وشخصت عيون العالم نحو مصر، وهناك خرج الملايين إلى الشوارع لإزاحة الطاغية، ومطالبين بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. كان اليوم الذي أطيح فيه بحسني مبارك حدثاً مشبعاً بالنشوة الكبيرة التي لا يذكر لها مثيل في مصر خلال عشرات السنين الماضية. للحظة سعيدة، اكتشف المصريون أن كل ما علموهم إياه عن كونهم غير مبالين ومطيعين، بات أسطورة، وأنهم إذا أرادوا فهم القادرون على تحريك الجبال.

مر عقد منذ ذلك الحين، وهناك من يعتقد أن كل شيء كان عبث. من ناحية ما، قامت مصر بدورة كاملة، 360 درجة، عندما حل طاغية محل ديكتاتور شبه متسلط. منذ أن سيطر عبد الفتاح السيسي على الحكم في العام 2013 وهو يضع نصب عينيه مهمة واحدة فقط، وهي أن يقضي على روح الثورة وجعل أبناء شعبه يندمون على أنهم طالبوا بالحرية ذات يوم.

في جهوده لإعادة زمام الحكم إلى يديه، أظهر القائد السابق للمخابرات العسكرية القليل من الفهم والحكمة. وبدلاً من ذلك، فضل استخدام القوة الزائدة والعنف، بما في ذلك قتل أكثر من ألف مواطن في يوم واحد. نظام السيسي اعتقل وسجن وأخفى آلاف النشطاء والثوريين والصحافيين من كل ألوان الطيف السياسي (العدد الدقيق غير معروف) وحول السجون في مصر إلى أكثر المؤسسات ديمقراطية في الدولة.

الكثير من أبناء الشعب الذين نادوا بـ “الحرية” في ميدان التحرير وفي ميادين أخرى في أرجاء الدولة قبل عقد، هم الآن وراء القضبان أو أنهم جمعوا أحلام الحرية التي تبددت، والآن يحاولون إعادة جمع قطع حياتهم المتناثرة. من الصعب على مصري مثلي يعيش في المنفيين يرى ما يحدث في مصر بدون الشعور بالحزن، ولا يقل عن ذلك الشعور بالعجز والذنب. الحزن بسبب حياة محطمة للملايين وفرص ضائعة للتحويل إلى دولة، التي هي ذات إمكانيات كامنة كبيرة، إلى مكان يخدم مواطنيها بدلاً من إخضاعهم إلى مصير العبيد. العجز لأنني وآخرين غير قادرين على فعل شيء، باستثناء إظهار معارضتنا لنظام السيسي، وشعورنا بالغضب والإهانة تجاه الدول التي تسلح هذا المشروع الإجرامي وتمنحه القدرة والدعم. والشعور بالذنب لأن الأشخاص الذين أحترمهم، ومن بينهم أصدقاء لي، يواصلون الوقوف على الجبهة في الوقت الذي أنظر فيه إلى الوضع من مسافة آمنة.

النجاح الساحق للثورة المضادة في قمع الثورة جعل الكثيرين يعودون إلى الفكرة القديمة التي تقول إن الديمقراطية لا تناسب مصر، والمنطقة بشكل عام. ولكن تونس هي الشاذة التي قامت بتحدي هذا الادعاء، وأثبتت أن سلطة الطاغية لا يجب أن تكون القاعدة المتبعة في العالم العربي. مع ذلك، في مصر مثلما هي الحال في دول كثيرة في المنطقة، ليس أبناء الشعب هم الذين لا يفهمون الديمقراطية، بل زعماء الدول التي ترفض قبولها. عندما يتواجه أبناء الشعب مع جيش مسلح بشكل جيد ويقفون أمام خواء قيادي وجد نتيجة عشرات السنين من القمع، لا تبدو للرغبة في الحرية والكرامة الذاتية أي فرصة، على الأقل في الوقت الحالي.

الاعتقاد بأن المصريين لا يفهمون سوى لغة القمع ويحتاجون إلى فرعون ليحكمهم، غير دقيق. وهو أيضاً أمر مهين. هو يخطئ كثيراً في فهم اللحظة الحالية وفهم التاريخ. السيسي ليس فرعوناً، بل هو شخص غير شعبي. ورغم أنه متسلط إلا أن له القليل جداً من الصلاحيات. واعتماد نظامه على العنف لا يشير إلا إلى الضعف وليس القوة.

وإذا كان المصريون يتوقون إلى نظام سلطوي، فلم يكن السيسي حينئذ بحاجة إلى إظهار قوة كبيرة كي يسيطر على الدولة. إضافة إلى ذلك، المصريون ليسوا أعظم المعجبين بالسلطة في المنطقة، وهناك الكثير من الزعماء في العالم يتصرفون مثل فرعون أكثر مما تصرف بهذه الصورة أي زعيم مصري في أي وقت من الأوقات. في المقابل، يجب الإشارة إلى أن السلطوية –مع الأسف والخوف- موجودة في عملية تجذر عميقة في عدد من أقدم الديمقراطيات. وعلى الرغم من أن الأفكار التي أثارتها الثورة في مصر فقد تعرضت إلى ضربة قاسية، إلا أنها ما زالت قادرة على تحريك قلوب كثير من السكان، أكثر مما كانت الحال عليه قبل تولي السيسي الحكم. كثيرون ممن أيدوه في السابق لم يعودوا يعتبرونه بطلهم ومخلصهم. الثورة السياسية هزمت في الوقت الحالي، لكن الثورة الاجتماعية في الذروة. مع ذلك، لا يوجد في هذه الأثناء أي مكان في المشهد السياسي لتغيير إيجابي ما. السيسي غير الواثق من الإمساك بكرسي الحكم، لا يسمح بإظهار أي معارضة، بل ويخاف من أي تحد محتمل لسلطته. هذا الأمر تم التعبير عنه بتخويف أو سجن كل مرشح كان ينوي التنافس على الرئاسة في “الانتخابات” السابقة.

هذا الوضع مقلق بالنسبة للمستقبل. فحتى لو لم تسقط مصر حتى الآن في هوة عميقة مثل سوريا وليبيا، سيبقى أمراً محتملاً. كلما زاد السيسي مبلغ المقامرة بعمليات عنف وقمع، يزداد احتمال أن يشعل النظام نزاعاً واسعاً. على الرغم من أن مصر لم تفشل تماماً بعد، إلا أنها موجودة على مسار الفشل. الدولة تهتم بإغناء الجيش وتفشل في تقديم الخدمات التي يتوقع المواطنون الحصول عليها من حكومتهم. فعلياً، حضور الدولة في حياة معظم المواطنين يعتبر عاملاً قمعياً. وإذا لم يتغير هذا الوضع في القريب فمن المتوقع أن تتدهور مصر وتصل إلى مكان مظلم.

بقلمخالد دياب

 هآرتس 30/12/2020

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية