من يتابع الحركة ‘الجهادية’ للتنظيمات المنتمية الى ‘الاسلام القاعدي’، اي لفكر ‘القاعدة’ ولتنظيمه اللامركزي، ممثلا برأسه ايمن الظواهري، يُلاحظ انها باتت اللاعب الابرز والانشط في العراق وسوريا ولبنان وحتى في سيناء المصرية.
في بلاد الرافدين، كاد تنظيم ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’، المعروف اعلاميا باسم ‘داعش’، يسيطر على محافظة الانبار التي تشكّل بمفردها نحو ثلث مساحة البلاد. فقد احتل مقاتلوه مخافر الشرطة في مدينتيّ الفلوجة والرمادي، ما استدعى انزال ألوية عدة من الجيش العراقي لتحريرها. ذلك ان السيطرة على الانبار يمكّن ‘داعش’ من الهيمنة على الحدود العراقية السورية الممتدة على مسافة 600 كيلومتر.
في سوريا، يسيطر ‘داعش’ على قسم كبير من الحدود السورية التركية، وعلى معظم ريف محافظة حلب، ومعظم محافظة الرقة، وقسم من محافظة دير الزور.
في لبنان، تمكّن تنظيم ‘كتائب عبد الله عزام ‘ من تفجير السفارة الايرانية في بيروت. كان قام قبل ذلك بتفجير دموي هائل في حي الرواس بضاحية بيروت الجنوبية. وتبنّى تنظيم ‘داعش’ يوم الخميس الماضي تفجيرا اقل هولا في حارة حريك بالضاحية ايضا. كل ذلك بدعوى الردّ على حزب الله الذي تقاتل قواته في سوريا ضد فصائل المعارضة المسلحة المعادية له والناشطة مع حلفائها في غوطتيّ دمشق الغربية والشرقية.
واذ يبدو ‘الاسلام القاعدي’ لاعبا اقليميا قويا بين لاعبين اقوياء اخرين في المنطقة، ينهض سؤال: ما طبيعة علاقته بالغرب، وهل هو عدو له أم حليف ظرفي في بعض الساحات؟
ظاهرُ الحال يشير الى ان مَن تعتبره تنظيمات ‘الاسلام القاعدي’ في العراق وسوريا ولبنان عدوا لها هو مجموعة نُظم واحزاب سياسية وقوى مقاومة معادية للولايات المتحدة و’اسرائيل’، او صديقة لايران. فالنظام السوري وحزب الله اللبناني وحركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية معادية لامريكا و’اسرائيل’، بينما تنفرد حكومة نوري المالكي العراقية بعلاقات جيدة مع كلٍ من ايران والولايات المتحدة في آن.
المفارقة اللافتة انه في الوقت الذي تتهم النُظُم والاحزاب السياسية وقوى المقاومة مَن يقاتلها في العراق وسوريا ولبنان كـ’داعش’ و’جبهة النصرة’ و’كتائب عبد الله عزام’ بانها تتعاون مع امريكا وتتلقى منها دعما ماليا ولوجستيا (كما من بعض حلفائها العرب) ولا تنحرّج من ارسال جرحاها الى ‘اسرائيل’ لتلقي العلاج في مستشفياتها، تتخذ الولايات المتحدة مؤخرا موقفا سلبيا من ‘داعش’ و’النصرة’ بدعوتها دول المنطقة الى التوقف عن تمويلهما وتسليحهما.
كيف يمكن تفسير هذا التناقض في السياسات والممارسات بين اطراف ‘الاسلام القاعدي’، كما لدى الولايات المتحدة وحلفائها ازاء بعضهما بعضا، وما المعايير المعتمدة لدى كل من ‘الاسلام القاعدي’ والولايات المتحدة في توصيف الحلفاء واستهداف الاعداء؟
الى ذلك، تطرح عودة ‘القاعدة’ الى الاضواء، اعلاميا وميدانيا، سؤالا اضافيا متواترا حول موقف هذا التنظيم من ‘اسرائيل’، كما حول موقف كل منهما من ‘القاعدة’ وسائر تنظيمات ‘الاسلام الجهادي’. ثمة فكرة شائعة تصل احيانا الى مستوى اتهام ‘القاعدة’ ومعظم فصائل ‘الاسلام الجهادي’ بانها لا تقاتل’اسرائيل’ بل تركّز حربها على انظمة غير دينية يوالي معظمها الغرب بصورة عامة.
الحقيقة ان بعضا من فصائل ‘الاسلام الجهادي’ يقاتل ‘اسرائيل’ بضراوة، شأن حركة ‘الجهاد الاسلامي’ وحركة ‘حماس’، وان بعضها الاخر يقف ايضا موقفا معاديا للغرب. غير ان معظم هذه الفصائل يمكن تصنيفها بانها تكاد تكون متخصصة في مقاومة الانظمة الموالية للغرب في عالم العرب والاسلام. ألم يبدأ نشاط ‘القاعدة’ ميدانيا بمقاتلة الوجود السوفييتي ‘الملحد’ في افغانستان، ليتحوّل لاحقا عبر ‘طالبان’ الى مقاتلة نظام كرزاي الموالي لامريكا وحلفها الاطلسي؟
ثقافة الغرب هي العدو الاول لـِ’الاسلام الجهادي’، ومن ضمنه ‘القاعدة’، كما الانظمة والمنظمات التي تتشرب ثقافة الغرب وتجاريها. ذلك ان مصالح الغرب وسياسته ليست، في مفهوم ‘القاعدة’، اخطر من ثقافته، بالعكس، ثقافة الغرب هي موّلدة مصالحه وحاميتها والمروّجة لها من خلال انظمة ومنظمات ومؤسسات واجهزة محلية تلتزم هذه الثقافة وتناصرها وتجاريها.
اذا كانت ‘اسرائيل’ ابنة الغرب وثقافته وسياسته ومصالحه، فان مقاتلة الغرب تكون، والحالة هذه، اولوية اولى بحسب مفهوم ‘القاعدة’ ومعظم تنظيمات ‘الاسلام الجهادي’. بكلامٍ اخر، مقاتلة الاب تتقدم على مقاتلة ابنته لان الاصل اخطر من الفرع.
هذا التفكير ‘الاسلاموي’ الساذج يُوقِع ‘القاعدة’ وبعض فصائل ‘الاسلام الجهادي’ في تناقض وحرج شديدين. ذلك ان لـِ’اسرائيل’، بما هي ابنة الغرب وذراعه الضاربة، دورا في المنطقة العربية يعادل في خطورته دور الغرب الاطلسي، بل يتفوّق عليه احيانا. فهل يعقل ان تنخرط هذه الفصائل في حروب مع انظمة ومنظمات تقاوم ‘اسرائيل’ والغرب في آن؟
الى ذلك، ثمة مفارقة لافتة، فالغرب الذي يعادي سوريا ونظامها، كما حزب الله في لبنان، ويساند المعارضة السورية المسلحة، بدأ يعيد النظر بسياسة دعم التعاون القائم بين ‘الجيش السوري الحر’ و’جبهة النصرة’، رغم محدودية هذا التعاون.
ماذا عن نظرة ‘اسرائيل’ الى ‘القاعدة ‘؟
‘اسرائيل’ لا تشارك مسؤولي الغرب الاطلسي تحفظهم تجاه تنظيم ‘القاعدة’ والتنظيمات الموالية له، ذلك ان رئيس الطاقم السياسي الامني في وزارة الدفاع الاسرائيلية الجنرال عاموس غلعاد اكّد تفضيل حكومته تنظيم ‘القاعدة’ في سوريا على نظام الاسد و’محور الشر’. فقد اعلن في مقابلة مع موقع صحيفة ‘يديعوت احرنوت’ (9/4/2013) انه ‘حتى لو تفككت سوريا الى اجزاء مختلفة، وحتى لو ادى هذا التفكك الى استقرار تنظيم ‘القاعدة’ في هذه الدولة، فان ‘اسرائيل’ تفضّل ذلك على بقاء نظام الرئيس الاسد لان محور الشر (تحالف ايران وسوريا وحزب الله) مخيف’.
الى المواقف الثقافية (الايديولوجية) والمصالح السياسية، ثمة دوافع عملية (براغماتية) ومصلحية (لوجستية) تدفع تنظيمات ‘الاسلام القاعدي’ الى التعاون والتحالف، مرحليا او ظرفيا، مع دول وحكومات وشركات وقيادات لتحقيق اغراض مشتركة في بعض الساحات. التعاون يتمّ بصيغة ايجار الخدمات في سياق التقاء الاغراض، او عدم تعارضها في الاقل، بين المستاجر والمؤجر.
في هذا الاطار يمكن تفسير التعاون بين امريكا وتنظيميّ ‘داعش’ و’النصرة’ في ساحتي العراق وسوريا. غير ان افراط كلا التنظيمَين في استخدام العنف الاعمى لاغراض محلية خاصة بهما ادى الى التفريط باغراض امريكا وحلفائها في الساحتين العراقية والسورية ما حمل واشنطن على الغاء عقد ايجار الخدمات (او تعليقه) بينها وبين ذينك التنظيمين.
هكذا يتضح الا مشكلة علاقة بين الولايات المتحدة (وربما حلفائها ايضا) وتنظيمات ‘الاسلام القاعدي’. فلكل مقام مقال، ولكل ساحةٍ متطلبات، ولكل مشكلة علاج.
ولعل العلاج الافعل ان يتوافق جميع اللاعبين، عربا وعجما وانغلوساكسونيين وروسا سلافيين، على تحويل جنيف -2 مؤتمرا دائما لمكافحة الارهاب…
‘ كاتب لبناني
الثوار السوريون ومنهم الجيش الحر يقاتلون داعش ويقولون انها تخدم النظام السوري وايران وتنفذ أجندتهما وهذه الحقائق تتناقض تماما مع المقال, فهل نصدق المقال أم الحقائق التي نراها على الأرض؟
ويل للعرب من شر قد اقترب. .