منذ اتفاق الطائف، وطرابلس تعاني من الحرمان الممنهج. تارة بضغط من النظام السوري. وتارة من بعض الموتورين الطائفيين في الداخل اللبناني.
وعندما حاول الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوما فتح باب الإعمار في طرابلس والشمال، دخل ساسة المدينة وزعماؤها على الخط، مدفوعين من المخابرات السورية، طالبين منه أن يدفع لهم، وهم يقومون بكل ما يلزم، وبعد أخذ ورد، طويت الصفحة، لأن الضغوطات حينها، أتته من أصدقائه في المملكة السعودية، بعد تقارير وفيديوهات مفبركة، وصلتهم من قبل النظام السوري، تصور طرابلس ومنطقة الشمال، مرتعا للمتطرفين، الذين يكرهون السعودية، ويدين كثير من شبابها بالولاء للإيرانيين…
المشاريع التنموية
ومنذ عقود، لم يكتف ساسة الداخل الطائفيين، من حرمان طرابلس والشمال من المشاريع التنموية، بل أدخلوها في أتون صراعات، لا ناقة لها فيها ولا جمل. فبعد 21 جولة من المعارك الداخلية، مع بداية الثورة السورية، أدت إلى دمار هائل في أملاك الطرابلسيين، وضحايا بالمئات، واعتقالات عشوائية بالآلاف لشباب زج بهم في غياهب السجون، بلا محاكمات، في ظروف لا علاقة لها بحقوق الإنسان.
كان من المفروض أن يقوم مشروع تنموي في طرابلس والشمال، رصدت له ملايين الدولارات. لكن بقي الأمر حديث الصحف، ولم يدخل حيز التنفيذ. وتبخرت بالتالي الملايين على الطريقة اللبنانية. فحُوِّل قسم منها لمشاريع في مناطق أخرى، تخدم مصالح بعض الساسة الكارهين لطرابلس، وذهب قسم آخر إلى جيوب ساسة آخرين… وبقي الطرابلسيون، وأهالي الشمال، يعيشون على وعود ساستهم الكاذبة، الأشبه بوعود عرقوب… وحتى جلسة مجلس الوزراء التي وُعِدوا بأن تعقد في مدينتهم، وعلقوا عليها آمالا كثيرة، اعترضت عليها أطراف فاعلة، متسلطة على الحكومة، ولم تعقد…
ومنذ أن كرَّس حزب الله دويلته التي تمسك بمفاصل الدولة من خناقها، يعيش لبنان أوضاعا صعبة على كل المستويات، واحتقانا اجتماعيا، وانهيارا اقتصاديا، وخصوصا بعدما فرض على اللبنانيين رئيسا للجمهورية في حالة غيبوبة، محاطا بمافيا عائلية، كل همها جمع الثروات، وتوظيف الأتباع، والذي عوض أن يبعث بالاطمئنان، والأمل في قلوب مواطنيه، فإنه صرح علانية أنه لا يملك حلولا للمشاكل المستعصية، وأن الوطن ذاهب إلى جهنم…!
في الوقت الذي يشعر فيه أبناء طرابلس والشمال اليوم، أنهم فعلا في جهنم… وينتابهم شعور، أنهم غير مرغوب بهم في وطنهم، فالقانون لا يطبق على كل الأراضي اللبنانية إلا عليهم، وفي مناطقهم. وبشكل استفزازي، ومُذل في كثير من الأحيان… وعمليات التوظيف الحكومي لأبنائهم، لا تتم إلا بعد الركوع على أبواب فلان وعلان من الساسة، من أجل أدنى وظيفة في السلم الوظيفي.
أما الوظائف الكبرى فهي من المفقودات، كشرف الساسة والزعماء في وطن العجائب…
إن الاحتجاجات التي حدثت في طرابلس على مدى عدة أيام، هي نتيجة حتمية لعملية الحرمان والإفقار الممنهجة، التي يمارسها ساسة متسلطون على مقدرات الدولة، وطائفيون مذهبيون حاقدون على منطقة الشمال، وبالأخص طرابلس. ساسة يعملون كل ما بوسعهم لكي لا يكون في هذه المدينة أي نوع من التنمية، بل على العكس، فعلى أعين الطرابلسيين وبوقاحة تم نقل آلات مصنع التبغ (الريجي) من طرابلس إلى البترون، منطقة صهر رئيس الجمهورية.
تفجير مرفأ بيروت
وبعد حادث تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب- أغسطس الماضي، اتجهت الأنظار إلى مرفأ طرابلس. وشعر أبناء المدينة، أن هذه فرصتهم للعمل وكسب لقمة عيش كريمة. لكنهم فوجئوا بجيش جرار من العاملين، يأتون من مناطق أخرى، تحت حجج وذرائع مختلفة، ليتم في النهاية تعيين مجموعة من العمال الشماليين لا تتناسب نسبتهم مع أعداد جيوش المحاسيب الطائفية الجرارة، التي أتت من خارج منطقة الشمال.
المراقب لتتابع الأحداث، وتصريحات بعض الساسة اللبنانيين، يدرك أن طرابلس كانت موضوعة تحت المجهر. وأنهم يكيدون لها منذ فترة، وينتظرون الساعة المناسبة، لينتقموا منها بالدرجة الأولى، ويجعلوا منها مكسر عصا، ودرسا وعبرة، لكل من فكر في التحرك ضد هذه المنظومة السياسية الطائفية الحاقدة الفاسدة. لكن كانت مشكلتهم أنها بعيدة عن متناول أيديهم، وتدخلاتهم المباشرة، لكي يرسلوا أتباعهم في غزوات مباركة، ويعتدوا بالضرب على المتظاهرين، كما حصل في بيروت، ومدينة صور، وغيرها… إلى أن تظاهر بعض الشباب الغاضبين على أوضاعهم المزرية، فاستغلوها وتدخلوا بطرقهم، وأساليبهم الخبيثة، مرسلين برسائلهم لكل من سيتظاهر بعد اليوم في طرابلس أو في غيرها من المناطق. وهي رسائل متممة لرسائل أرسلوها عبر صواريخ الحوثيين، وصواريخ بغداد على المنطقة الخضراء، والتفجير المزدوج الأخير في إحدى ساحاتها.
المنظومة الإعلامية الطائفية
لقد شارك وعاث فسادا في مأساة تلك الليالي السوداء التي عاشتها طرابلس، أطراف كثيرة، كانت تبحث عن دور، وتموضع جديد لها على الساحة السياسية. بالإضافة إلى المنظومة الإعلامية الطائفية، التي صبت الزيت على النار بلا هوادة. وسوف تمر الأيام ولن يعرف الطرابلسيون حقيقة ما جرى، أسوة بفاجعة تفجير المرفأ، وجرائم الاغتيال المتكررة، والسيارات المتفجرة… ودون الدخول في الأسباب الكثيرة التي أنتجت هذه الاضطرابات والحديث عن الأيدي الخفية التي شاركت فيها وتعمل باستمرار على إشعال الفتنة في طرابلس، وخصوصا منذ أن أثبتت أنها عروس ثورة 17 تشرين الأول – أكتوبر، يوم ساءهم منظر طرابلس الحضاري والإنساني، والذي فضح كذبهم، وعهرهم، ودجلهم، مثبتة كذب كل قصص التطرف والدعشنة التي حبكوها حولها.
لكن ماذا تريد طرابلس، ومنطقة الشمال اليوم…؟
وهو السؤال الذي يجب أن نطرحه، بعيدا عن الدخول في متاهة الأسباب والمسببات، والأطراف التي لعبت بالنار في تلك الليالي السوداء من تاريخ هذه المدينة الناصع، والتي فصصتها وسائل الإعلام المختلفة، والصحف اللبنانية، والمحلية الصادرة في طرابلس…
طرابلس اليوم تريد كل شيء… لأنها في حاجة لكل شيء… نعم كل شيء. فطرابلس اليوم أصبحت خاوية على عروشها من أي مشروع اقتصادي فعال. يؤدي دورا في دورة اقتصادها المهترئ. طرابلس تحتاج وبأقصى سرعة إلى مشروع إعمار، وخطة تنموية تشبه مشروع «مارشال» الذي طبق في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، مشروع يدخلها غرفة الإنعاش، ويحدث فيها، وفي مناطق الشمال المختلفة تغييرا نوعيا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ويفتح آفاق عمل شريف لأبنائها، مشروع يعيد تأهيل كافة البنى التحتية. التي يعود بعضها إلى فترة الاستعمار الفرنسي.
طرابلس تريد أن يُرفع الفيتو الطائفي الحاقد عن مشاريعها القديمة، فيتم إنعاشها وتحديثها، لكي تعمل كما خطط لها. وأعني بذلك مطار القليعات، ومعرض طرابلس الدولي، والمرفأ، ومصفاة النفط… وكذلك تأهيل الآثار التاريخية التي فيها بشكل علمي، وإدراجها ضمن الخريطة السياحية للبنان، وعدم مضايقة المستثمرين فيها بقوانين تفبرك خصيصا لهم، لكي يتوقفوا عن الاستثمار فيها، وفتح مزيد من المدارس الرسمية، وخصوصا على أطراف المناطق المهمشة، لكي تستوعب أبناءهم، وتحميهم من الجهل ومن غيلان المدارس الخاصة، التي تمتص دماء أهاليهم.
طرابلس تحتاج بشكل فوري إلى مراكز تأهيل في المهن اليدوية والصناعية المختلفة، تستوعب الشباب غير المتعلم، وغير المؤهل، وهم كثر جدا في المناطق الشعبية، وقرى الشمال المختلفة… فيتم بالتالي إنقاذهم من براثن الضياع، ومن الساسة المتوحشين، ويؤمن لهم بعد تخرجهم منها لقمة عيش كريمة، مدارس ومراكز تأهيل حقيقية، فعالة، جادة، تعمل وفق خطة ومناهج تعليمية وتدريبية معدة خصيصا لذلك، يقوم بالعمل فيها اختصاصيون متمرسون، ووطنيون مخلصون. يقدمون ويعطون أفضل ما لديهم لأبناء هذه المناطق…
والأهم من كل ذلك يريد الطرابلسيون وكل أبناء الشمال، أن تتوقف وسائل الإعلام الطائفية الحاقدة عن بث سمومها المغرضة، وتصوير طرابلس وكأنها قندهار، ومركز تفريخ للدواعش والمتطرفين… وأيضا التوقف عن الاستهزاء بهم من خلال الصور النمطية الكاريكاتيرية، ومحاسبة من يبث مثل هذه السموم والاتهامات الباطلة والمغرضة، التي يستريح في طياتها حقد طائفي مذهبي مغرض، وإخضاعهم لقانون المطبوعات، ومحاكمتهم وتجريمهم.
كاتب من لبنان يقيم في فرنسا
وضعت الامور في نصابها ولكن….
هؤلاء المجرمين المتعهدين بنهب الاوطان و تلويث سمعة كل من هو أمين و صافي لن يتوانوا عن تضليل الناس و لن يتراجعوا عن مشاريعهم النتنة التي لا تليق بكلمة انسان.
وحوش المال و المناصب لعنة الله والناس عليهم جميعا
سلمت يديك أيها الكاتب والمناضل الأصيل .