طرابلس لبنان.. المدينة المثلّثة

حجم الخط
0

إن كان في العلوم انعكاسات وانكسارات، فإن رياح التغيير تنتشر، وقطار الربيع العربي ليس ببعيد عن ذلك، وإن احتوت الطبيعة من الصور والمرايا، فإن الواقع السياسي اللبناني قد كان صورة للسياسة السورية منذ عقود، وما تشهده الساحة اللبنانية من التضارب والمناكفة هو مرآة وخيال الأزمة السورية حتى قبل أن تولد، فما تشهده الساحة السورية من تعثر الجهود واحتدام الصراع والدمار، وواقع التصعيد والأفق المسدود، لأزمة دخلت عامها الثالث، والمجتمع السوري بتركيبته الاجتماعية والسياسية مهدد ومذعور، ومجتمع دولي قد فشل مبعوثوه ومراقبوه في لجم وتيرة العنف المتصاعد، وجهات ومنظمات أصبح صوتها خافتاً لا يسمع، كل ذلك قد أشعل المسرح السياسي والاجتماعي اللبناني المشتعل أصلاً ، فعدا الضائقة الاقتصادية وجدليّة المقاومة، وفوضى السلاح ومزيج التوافق والمحاصصة، أصبحت عاصمة الشمال اللبناني طرابلس ، في كل يوم تهتزّ وتنزف فوق صفيح ساخن. من نسي أن طرابلس مدينة خلطت الحاضر بالماضي، لتصنع تاريخاً من الجمال والروعة، ومن غفل أن اسمها تعريب لكلمة غنّاء، تعني المدن الثلاث، حيث أسس على أرضها أول إتحاد لثلاث من مدن فينيقيا القديمة، لن يغيب عنه واقع الصراع الطرابلسيّ، متأثراً بحاضنته اللبنانية بكل ما فيها من الطائفية الراسخة، والحزبية المتناحرة، وقامات وقيادات لبنانية في سجالها وصراعها لا تبقي ولا تذر، ثم ليكتوي أهل طرابلس برمّتهم، من صدام متدحرج، بين مؤيدين ومناوئين للنظام السوري في جبل محسن بأغلبيته العلوية وباب التبانة بسنيّته، ليصبح التاريخ الطرابلسي يؤرخ في كل يوم من القتلى والجرحى أصعب وأكثر مما تحتمله الذاكرة اللبنانية، ويجعل كل لبناني يسأل نفسه، هل من بواعث العزة والكرامة والتفاخر، إلقاء القنابل وإطلاق الصواريخ وزرع المتفجرات وقنص الجنود في الأحياء الطرابلسيّة، وهل يدرك المتصارعون أن دمائهم المسفوكة لن تنقذ أو حتى تؤجل رحيل حاكم دمشق، مثلما أنها لن تجلب للثورة السورية من الدعم والإسناد ولو قيد أنملة، سوى مزيد من القهر والحزن والدموع، لمزيد من الثكلى والأيتام اللبنانيين، وهل عجز السلطات اللبنانية بأجهزتها المختلفة، قد إِستبدل عنوان النأي بالنفس عن الصراع السوري للحفاظ على سلامة لبنان، قد أُستبدل بالنأي بنفس الدولة عن حماية شعبها من الاقتتال الداخلي والأعمال الطائفية، وهل برع زعماء لبنان وساسته في شيء مثلما برعوا في إيجاد الحلول المؤقتة لمشاكل لبنان المزمنة، وهل أصبح اللبنانيون رغم ما ذاقوه من ويلات الحرب الأهلية اللبنانية، لا يعرفوا أن الصراع والاقتتال قد أحرق ماضيهم، وأن الحوار الوطنيّ والاتفاق والتراضي، هو وحده السبيل الأمثل لصنع حاضر ومستقبل لبناني واعد. إن المنطقة تحبس أنفاسها تحت صراع سوريّ تعلوه أصوات المدافع وصيحات المهجرين، والسوريون سائرون على درب التحرر والخلاص، رغم الموت والحاجة والقهر، فما عسى اللبنانيون إلا أن يحفظوا أرضهم وسيادتهم وأرواحهم ، وأن يتحسّبوا لغد قد يكون أسوأ من اليوم، ويوم قد يخسر لبنان فيه أكثر مما يملك، وبيروت تناشد وتعاتب طرابلس بأن تبقى المدينة المثلّثة، أضلاعها الأرز والمحبة والسلام.المهندس زيد عيسى العتوم-جامعة اليرموك[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية