طرد بقناع إنساني: الغزيون أمام السؤال.. النجاة أم العيش في العصر الحجري؟

حجم الخط
0

 عميره هاس

في رام الله معجبون بصمود الغزيين الذي هو في نظر كثير من الأشخاص أفشل خطة إسرائيل الأصلية لهذه الحرب، وهي طرد سكان القطاع إلى مصر وتوطينهم هناك. هذا الإعجاب يتعارض مع أحاديث مستمرة لسكان القطاع عن رغبة في المغادرة نجاة من الموت أو الإصابة في عمليات القصف والجوع والعطش والإهانة. “هذا صمود رغم أنفنا”، يقولون في غزة.

حتى قبل الحرب، أظهر استطلاع للرأي العام أجراه معهد تحليل السياسة والاستطلاعات في حزيران الماضي أن 29 في المئة من سكان القطاع قالوا إنهم يريدون الهجرة لأسباب سياسية واقتصادية واعتبارات تتعلق بالأمن الشخصي. في أيلول، ثمة موجة من التقارير تحدثت عن ارتفاع عدد المهاجرين. في 6 تشرين الأول، نشر موقع الأخبار التركي “أناضولو” حول أساليب الهجرة، ونفت سلطة حماس بأن الحديث متعلق بظاهرة. هل تضاءلت الرغبة في المغادرة لأسباب وطنية في الوقت الذي تهدد فيه الحرب حياة كل إنسان وكل عائلة؟

الأحاديث عن طرق الخروج تمتد وتصل حتى رام الله. تقول الشائعة بأنه يمكن ترتيب الخروج من القطاع من معبر رفح في هذه الأيام مقابل 6 – 7 آلاف دولار لكل شخص. قبل شهر، كان المبلغ 4 – 5 آلاف دولار للشخص. يتحدثون عن شخص ثري من غزة دفع ربع مليون دولار تقريباً لإخراج 25 شخصاً من أبناء عائلته الموسعة من القطاع. التعريف المغسول لهذا هو “رسوم تنسيق”. والتعريف الصحيح هو “رشوة لجهات مجهولة”، الناس يذكرون اسم شركة في مصر تعمل على تنسيق الخروج، وأن هناك وسيطاً فلسطينياً يشارك في ذلك، كما يقولون.

المعنيون بهذا “التنسيق” غزيون غير محظوظين، مثل من لديهم جنسية أجنبية، أو من لهم قريب من الدرجة الأولى يحمل جنسية أجنبية. من لديه تأشيرة سارية المفعول في دولة أخرى، أو من هم في إطار عملهم في منظمة دولية أقاموا علاقة جيدة مع سفارات أجنبية عملت على إخراجهم من القطاع. لكن عائلة عادية تتكون من ثمانية أفراد ولا تنطبق عليها أي فئة من هذه الفئات، من أين يمكنها الحصول على هذه “الرشوة” أو “تنسيق الخروج”؟

المغادرة، وحتى الحديث عن المغادرة، تتسبب بألم لكل شخص ولكل عائلة: كل من يمكنه الخروج لأي سبب كان، سيترك خلفه والدين مسنين أو أخوة وأخوات، أحياناً يكونون مرضى أو مقعدين ويعتمدون على أحد الأقارب كي يأخذهم من مكان محمي إلى آخر، أو يهتم بأسطوانة الأوكسجين التي لديهم. كل امرأة تغادر تعرف بأنها المرة الأخيرة التي سترى فيها والدتها ابنة الثمانين أو الأخت المصابة بمرض السرطان.

من يمكنهم الخروج، مثلما في كل مكان وفي أي حرب، هم أبناء الطبقة الاجتماعية والاقتصادية الثرية، سواء بسبب أصل العائلة أو بفضل الثقافة التي حصلوا عليها. الأربعاء الماضي، خرج من قطاع غزة 723 شخصاً، هكذا جاء في التقرير اليومي في معبر رفح. ثلاثة مصابين مع ثلاثة مرافقين و20 عضواً في بعثة إيطالية و703 ممن يحملون جوازات السفر الأجنبية (العدد لا يتوافق مع الأصل). في 2 كانون الأول، غادر 862 شخصاً من فئة الأجانب، الذين يمكن الافتراض بأن معظمهم من الغزيين. إضافة إليهم، خرج 12 مصاباً ومريضاً واحداً يحتاج إلى العلاج في الخارج، و16 مرافقاً و3 أشخاص من بعثة الأمم المتحدة (الذين لا نعرف إذا كان من بينهم من سكان القطاع)، بالإجمال 894 شخصاً. عدد من دخلوا القطاع في اليوم نفسه: 2 من المدنيين (من السكان) و3 حالات وفاة (الظروف غير مذكورة).

الإعجاب بقدرة صمود الغزيين يصطدم، عاطفياً وأخلاقياً، مع الحقيقة التالية، وهي أن الفلسطينيين على قناعة بأن إسرائيل تدير حرب إبادة ضد أبناء شعبهم داخل حدود القطاع، أي إبادة شعب. أليس من المنطقي أن يهرب هؤلاء الأشخاص من الذين يريدون إبادتهم، لا سيما أن الأمر لا يتعلق إلا بالانتقال إلى الطرف الثاني للحدود؟

“ألا يوجد أي زعيم أو أمير أو ملك عربي أو مبعوث للأمم المتحدة يمكنه إقناع مصر بالسماح للغزيين باجتياز معبر رفح، حيث سيكونون خارج منطقة الحرب ويحصلون على مساعدات من الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر؟ هذا هو المكان المعقول الذي يمكن الذهاب إليه”، هذا ما كتبه أحد القراء الذي لم يذكر اسمه، كرد على اقتراحات مشابهة اقترحها سياسيون من “الصهيونية الدينية” وحتى من حزب “يوجد مستقبل”. الرغبة في طرد الفلسطينيين ترتدي قناع القلق الإنساني. هذه الأحاديث خفت قليلاً ربما عقب المعارضة العلنية، سواء من مصر أو الولايات المتحدة.

لكن عندما تفرض الولايات المتحدة الفيتو على قرار لوقف فوري لإطلاق النار، فهي تزيد الضغط على مصر لفتح الحدود. عمليات القصف والمعارك دمرت وستدمر المباني والبنى التحتية في معظم القطاع. وحتى لو توقفت الحرب في الغد، فلن يكون لمن بقوا على قيد الحياة أي مكان للعيش. أما إعادة الإعمار، دون صلة بالمنتصر، ستستغرق وقتاً طويلاً.

المعضلة هي حول الخطوة الصحيحة، والمغادرة للنجاة أو البقاء في “العصر الحجري” من أجل القومية والوطنية – هذه المعضلة سترافق كل شخص.

هآرتس 10/12/2023

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية