يعرف العقلاء في إسرائيل، ان الطريق الذي يسلكه رئيس حكومتهم، بنيامين نتنياهو، والسياسة التي ينتهجها، لا توصل الى السلام، الذي يجعل من إسرائيل دولة آمنة، وواحدا من مكونات الشرق الاوسط، تنعم بالاستقرار، وتواصل تقدمها، وتضمن مستقبلا واعدا لابنائها، خارج الدبابة المصفحة، التي يقضي الإسرائيليون القسم الاكبر من حياتهم فيها.
طريق السلام لا يمر بالعاصمة العُمانية، مسقط. كذلك لا يمر بهذه العاصمة العربية او تلك.
طريق السلام الحقيقي، السلام الذي يجلب الاستقرار، ويشرّع الابواب لمستقبل آمن ومضمون، يمر برام الله والناصرة، يمر بنابلس والخليل وغزة، يمر بمخيمات عين الحلوة والوحدات واليرموك. هذه هي خريطة الطريق الوحيدة.. أُكرِّر: الوحيدة، التي توصل الى السلام.
تجاوز هذه المحطات، او أي واحدة منها على هذا الطريق، ليست الا هرباً الى الامام، وتخديراً للإسرائيليين، تحت وهم سعي نتنياهو وحكومته اليمينية العنصرية، (التي بدأ عقدها بالإنهيار ظهر امس)، الى السلام.
اكثر من ذلك: فإن هذا القفز بالمظلات، في عواصم عربية بعيدة وقريبة، يهدف، حسب ما كان يلمّح نتنياهو سابقا، واصبح يصرح علانية في هذه المرحلة، الى بناء حلف يجمع إسرائيل و«دول الاعتدال العربية السُّنية»، يحمل في ثناياه، بل يقوم اساسا وبالكامل تقريبا، على محتوى سلبي. فهو، في حالتنا الراهنة، تحالف سلبي المنطلق والتوجّه، ليس فيه شيء من الايجابية: انه تحالف ضِد، وليس تحالفا من اجل. تحالف ضد إيران، وليس من اجل السلام والهدوء والاستقرار. وهو إعداد لشن حرب عليها، (وهي، الى ذلك، حرب لن تقع، في اعتقادي، لاسباب عديدة، ليس هنا مجال عرضها). هذا التحالف، (اذا نجحت إسرائيل، بمساعدة أمريكية، من إقامته، فإنه سيكون «بشرى» للإسرائيليين وابنائهم، وربما لاحفادهم ايضا، بانهم سيبقون محشورين في دباباتهم وملاجئهم لاكثر من عشرين، وربما ثلاثين سنة مقبلة.
للسلام طريق. وللسلام ايضا قواعد واساسات، لا يكتمل ولا يستمر ولا يقوم، بالتالي، الا إذا توفرت. هذه الاساسات اربعة:
1ـ اعتراف إسرائيل والحركة الصهيونية، بمسؤولية اساسية وكبرى، (حتى لا نقول كاملة)، عن نكبة الفلسطينيين المتواصلة على مدى ثلاثة اجيال، حتى الآن، غطت اكثر من قرن من الظلم والمعاناة، منها اكثر من سبعين سنة من اللجوء والشتات وتقطيع وحدة الشعب الفلسطيني ووطنه التاريخي، وتحويل من بقوا في ارض وطنهم الى اقلية مهضومة الحقوق، وتعاني من التمييز العنصري على كل الاصعدة.
2ـ تقديم الإعتذار الرسمي لجميع ابناء الشعب الفلسطيني، عن كل ما تقدم.
3ـ اعلان إسرائيل الاستعداد الكامل للتعويض على الفلسطينيين عن كل ما خسروه وعن كل ما تعرضوا له من ظلم وتمييز. حيث يكون التعويض باشكاله الثلاثة المعروفة: بعضه بالإعادة، وبعضه بما هو مثله، وبعضه الأخير بما هو قيمته. وبما يضمن لإسرائيل استمرار وجودها كدولة آمنة باغلبية يهودية لسنين وعقود مقبلة.
طريق السلام الحقيقي، السلام الذي يجلب الاستقرار، ويشرّع الابواب لمستقبل آمن ومضمون، يمر برام الله والناصرة، يمر بنابلس والخليل وغزة، يمر بمخيمات عين الحلوة والوحدات واليرموك
4ـ تأكيد الاستعداد للدخول في مفاوضات جدية وصادقة للتوصل الى اقامة سلام عادل ودائم، ينتهي الى اتفاقية سلام يضمن الأمن والأمان لإسرائيل وللإسرائيليين، ويوفر لفلسطين وللفلسطينيين التحرر والاستقلال والاستقرار، ويفتح لهم باب التقدم والازدهار، خلال فترة زمنية محددة ومعقولة. لكن هذا هو طريق السلام، وهذه هي القواعد والأسس التي لا يمكن ان يقوم ويستقر ويستمر بدون أي منها.
اعرف ان انجاز ذلك ليس هيّنا ولا سهلا. لكن القضية الفلسطينية ليست هيّنة ولا سهلة. اكثر ثلاث قضايا عصرنا تعقيدا هي:
ـ قضية الجزائر والاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي تعرضت له، واستمر 132 سنة.
ـ قضية فيتنام وصراع القوى العظمى على ارضها، بوقود اساسه ابناء فيتنام بشقيها الشمالي والجنوبي.
ـ قضية جنوب افريقيا وحكم الاقلية البيضاء، وفق نظام التمييز والعزل العنصري، الابرتهايد.
لكن كل تعقيدات هذا القضايا الثلاث المعقدة اصلا، تتكثف وتتجمع في بوتقة واحدة، هي قضية فلسطين. من هنا فان أي محاولة للبحث عن حلول سهلة لقضية غاية في التعقيد، هي محاولات عبثية غير مثمرة، وكلما استمرت هذه القضية دون حل، ازدادت تعقيدا وازداد عدد الضحايا فيها.
اضافة الى كل ذلك، فانه لا ضمانة بان يظل المنتصر في هذه الحقبة، متربعا على منصّة الانتصار في العقد او العقدين المقبلين. اذ ماذا لو حصل تطور جذري غير متوقع، على شكل كثير من التطورات الهائلة غير المتوقعة، ابتداء من انهيار المعسكر الاشتراكي، وانتهاء بتولي مهووس، مثل دونالد ترامب، مسؤولية اتخاذ القرار في القوة الاكبر في العالم؟ ماذا لو تولى هذه المسؤولية مهووس او عاقل من المعسكر المقابل؟.
ثم ماذا لو حدثت تطورات غير محسوبة ومتوقعة، تعزز منظومة صواريخ أس أس 300 الدفاعية في سوريا، بصواريخ إس إس 400 او 600. واخطر من ذلك: ماذا لو تم تعزيز هذه الصواريخ الدفاعية بمنظومات هجومية بنفس المستوى التقني؟.
لا مصلحة للإسرائيليين في توجهات حكوماتهم، وخاصة حكومتهم اليمينية العنصرية الحالية، التي بدأت في الانهيار امس، في بناء تحالفات، وحياكة مؤامرات مع حكومات وقادة، في الخليج العربي، او المشرق او المغرب العربي، في محاولات محكومة بالفشل، للقفز فوق حقوق الشعب الفلسطيني، وفوق قناعات الجماهير العربية في الخليج وفي مشرق العالم العربي ومغربه.
قد يكون من الجدير في هذا السياق، تذكير الفلسطينيين والعرب والإسرائيليين ايضا، بما ورد في مقال للكاتبة الإسرائيلية، كارولين غليك، في جريدة «معاريف» الإسرائيلية، يوم 26 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، حول دوافع وابعاد قرار الملك الأردني، عبدالله الثاني، بعدم تجديد عقد تأجير اراضٍ في منطقتي الباقورة والغمر الأردنيتين الى إسرائيل. تقول غليك: «خطوة الملك عبدالله جاءت في اجواء كراهية إسرائيل واليهود في الأردن. استطلاع معهد بيو الذي أجري سنة 2014 كشف ان 100٪ من مواطني المملكة الهاشمية يكرهون إسرائيل واليهود»… هذا الوضع في الأردن لا يختلف، في تقديري، عن الوضع في أي دولة عربية اخرى، في الخليج او غيره. وعقد تحالفات، مع حاكم هنا او حاكم هناك، في تناقض كامل مع ارادة الجماهير العربية، بسبب محاولات إسرائيل تجاوز الجسر الفلسطيني.. تجاوز خارطة وطريق واسس السلام الحقيقي.
كاتب فلسطيني
الكيان الاسرائيلي يرتكز على التفوق العلمي و الاقتصادي و العسكري وكذلك على الارتباط بالقوى الكبرى في الغرب كامتداد له في الشرق و لكنه أيل للسقوط و الزوال ضد الحق و العدل و التاريخ و الجغرافيا و الدين. و الاهم لان صاحب الحق ما زال يقاوم منذ اول هجرة صهيونية و الى ان يزول هذا الكيان.. و لقد كرس الشعب الفلسطيني بكفاحه مدرسة و امثولة تاريخية و اصبح هذا الكفاح عنوانا للشرف.
لن اذهب بعيدا في التاريخ لاثبت ان هذا العدوان الى زوال و لكن سأقتصر على امثلة الجزائر و فيتنام و جنوب افريقيا التي اوردها الكاتب الكريم و التي انتهت بهزيمة المعتدي المتفوق علميا و اقتصاديا و عسكريا و الذي هو قوة عظمى بحد ذاته بسبب ارتفاع الكلفة و اصرار صاحب الحق على الكفاح. و هذا ما يفعله الشعب الفلسطيني و اشقاءه منذ اكثر من قرن و ما زال الاسرائيلي في الدبابة