يرتبط العراق بزيادة حدّة التوتر في المنطقة، إذ اتسعت رقعة المطالبة بخروج القوات الأمريكية التي كانت وراء استهداف «جرف الصخر» الأخير في الأراضي العراقية.
بغداد ـ «القدس العربي»: عزّزت الهجمات الإسرائيلية والأمريكية التي استهدفت إيران ولبنان والعراق، من قناعة المسؤولين الإيرانيين وقادة فصائل «المقاومة الإسلامية» في العراق، بوجوب رفع الإطاحة بالنفوذ الأمريكي في المنطقة، ومدى أهمية التمسّك بمبدأ «وحدة الساحات» بين الفصائل التي ترى في واشنطن وتل أبيب غريماً دائماً.
حمّلة إدانة ووعيد أطلقها مسؤولون في العراق ودول المنطقة، ردّاً على استهداف إسرائيلي طال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، أثناء حضوره مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، الأسبوع الماضي.
وتزامنت الحادثة مع ضربة إسرائيلية أخرى في الضاحية الجنوبية بلبنان، قُتل على إثرها القيادي في «حزب الله» فؤاد شكر، وهجوم أمريكي طال خبراء (4) في الطائرات المسيرة ينتمون لكتائب «حزب الله» المنضوية في اللواء 47 في «الحشد» بمنطقة جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل.
ورغم تلويح الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، بـ«رد حتمي» على اغتيال القيادي العسكري فؤاد شكر، واصطفاف الفصائل العراقية مع الموقف، غير إن الردّ الإيراني المرتقب على اغتيال هنيّة يمثّل «الحافز الأبرز» لقيادات «المقاومة».
وتترقب فصائل «المقاومة» تنفيذ وعود المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئى، بـ«معاقبة قاسية وشديدة لإسرائيل» على خلفية اغتيال هنيّة وخرقها السيادة الإيرانية.
وتشير التحليلات إلى ذهاب إيران نحو تكرار عملية «الوعد الصادق» التي استهدفت خلالها العمق الإسرائيلي في أبريل/نيسان الماضي، لكن بنسخة جديدة قد تكون بالتعاون مع «حزب الله» اللبناني.
ويرى المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم أن «العملية المزدوجة في العراق ولبنان وإيران، كانت رسالة مشفرة وواضحة ومكشوفة من قبل أمريكا وإسرائيل لمحور المقاومة في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد إلى إيران».
وبشأن حادثة اغتيال هنيّة، اعتبر المحلل السياسي العراقي بأن الحادثة أشارت إلى «الإخفاق الأمني لحماية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية» مبيناً أن اغتياله في طهران يمثّل «رسالة قاسية جداً بالنسبة للإيرانيين، لكنها لن تبقى من دون رد من الجانب الإيراني تجاه إسرائيل بنفس المستوى أو أكثر بقليل».
ووفق الحكيم فإن دولاً عربية وإقليمية ودولية «تضغط» على طهران- عبر وسطاء- في محاولة لإقناعها بـ«عدم الذهاب باتجاه ردٍّ يقود إلى التصعيد».
وأضاف: «إيران تلقت هذه الرسائل من قبل دول تعتبر صديقة لها، وتربطها علاقات جيدة مع طهران وواشنطن أيضاً، فضلاً عن دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية» مشيراً إلى أن هذا الضغط يهدف إلى إقناع إيران بالعدول عن ردٍ محتمل «قد يذهب بالمنطقة إلى حرب شاملة تحرق الأخضر واليابس، وتعرض جميع مصالح المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى الخطر».
ويؤكد أن «السؤال المركزي في طهران: كيف ستتعامل إيران مع هذه الدعوات؟ وهل ستقود- على الأقل- إلى تخفيف الرد الإيراني وانزاله من سقف التصعيد باتجاه أن يصبح رداً رمزياً بالدرجة الأولى ولا يودي الى فتح حرب واسعة وشاملة في المنطقة؟» غير أنه استبعد ذلك، معللاً بالقول: «الجميع في طهران والمقربين من دوائر صناعة القرار، يشيرون بشكل مباشر إلى أن عدم الرد من قبل إيران قد تكون له تكاليف أمنية واسعة على طهران أكثر بكثير إذا لم تذهب إيران إلى رد مباشر على إسرائيل، لأن الضربة التي قامت بها إسرائيل باغتيال هنية في طهران لم تكن مجرد اغتيال اعتيادي، بل مكان الاغتيال (في طهران) أهم من عملية الاغتيال نفسها، لذلك كانت رسالة تحتوي على إبعاد كثيرة ومشفرة، لأنها تعتبر ضربة في عمق الهيبة الإيرانية كدولة ولشخصية وازنة بالنسبة لإيران في محور المقاومة وهو هنية».
ولم يستبعد المحلل السياسي العراقي بأن يكون الردّ الإيراني على شاكلة عملية «الوعد الصادق» بعد «النسخة الأولى» من العملية التي جاءت على خلفية القصف الإسرائيلي لمبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وأسفر عن سقوط عدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني، في وقت سابق من نيسان/أبريل الماضي.
ورجّح الحكيم أن تكون الضربة الإيرانية المرتقبة «موجعة لكيان الاحتلال أكثر من ضربة الوعد الصادق الأولى، لأن ذهاب إيران إلى رد رمزي لا يتجاوز النسخة الأولى لن يكون رادعاً ولن يضمن بالنسبة لإيران أن لا تذهب إسرائيل في المستقبل إلى عملية اغتيال جديدة في طهران سواء في الجسد السياسي للنظام الإيراني أو لقادة محور المقاومة أو لقيادات وازنة في الحرس الثوري على الأراضي الإيرانية».
ولم يغبّ عن بال الحكيم أن تذهب إيران إلى «ضربة غير تقليدية أو بالتنسيق مع بقية محور المقاومة وبالتحديد مع حزب الله اللبناني، حيث أن الجميع يدرك أن لدى الحزب القدرة الكبيرة علي القيام بما يمكن أن يوصف بأنه رد مؤلم للداخل الإسرائيلي».
في العراق، سبق أن دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الدول العربية والإسلامية المطبعة مع العدو الصهيوني إلى غلق السفارة الإسرائيلية ومقاطعة منتوجاتها مقاطعة شاملة.
وقال في «تدوينة» له، «كخطوة أولى: أطالب الدول العربية والإسلامية المطبعة مع العدو الصهيوني بغلق السفارة الإسرائيلية ومقاطعة منتوجاتها مقاطعة شاملة، والعمل على استصدار قرارات صارمة من قبل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي للضغط على مجلس الأمن والأمم المتحدة لاتخاذ ما يلزم ضد الإرهاب الصهيوني الغاشم وخصوصاً بعد الاستهتار الإرهابي الصهيوني في الشرق الاوسط الذي استضعفته والا فلات حين مندم».
وأضاف: «حسب فهمي أن أي دولة لا تقاطع ولا تغلق السفارة فعلى الحكومة العراقية والبرلمان العراقي اتخاذ اللازم دبلوماسيا ودوليا دعما للمستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها».
ويرتبط العراق بشكلٍ وثيق بزيادة حدّة التوتر في المنطقة في الأيام القليلة الماضية، إذ اتسعت رقعة المطالبة بخروج القوات الأمريكية- التي كانت وراء استهداف «جرف الصخر» الأخير- من الأراضي العراقية.
في الأسبوع الماضي، نقل تقرير لمجلة «نيوزويك» الأمريكية، عن رئيس المكتب السياسي لحركة «النجباء» إحدى فصائل «المقاومة» علي الأسدي، قوله إن «هذا الوجود غير القانوني وغير الشرعي نفذ عمليات اغتيال داخل الأراضي العراقية ضد أفراد من قوات الأمن بلا علم من الحكومة العراقية».
وحسب الأسدي، فإن «كل ذلك يمنح المبرر لفصائل المقاومة والشعب العراقي، من أجل التصدي لها وتحرير أرضه من هذه القوات التي تنتهك حقوق العراقيين وكرامتهم».
وأوضح أن «أصل الوجود الأمريكي غير قانوني وغير شرعي، خاصة بعد القرار البرلماني بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، فضلاً عن التظاهرات المليونية للشعب العراقي لطرد قوات الاحتلال» مضيفاً أن «تواجد القوات الأمريكية على أساس اتفاقية الإطار الإستراتيجي المقرر إنجازها فإنه الآن غير قانوني ويخالف القوانين الدولية لأنهم يحتلون سماء العراق وينتهكون أجواؤه».
ويتفق رجل الدين الشيعي العراقي، صدر الدين القبانجي، مع رأي الأسدي بأهمية إخراج القوات الأمريكية من العراق، وإن تواجدها داخل الأراضي العراقية «غير قانوني».
وكان القبانجي- وهو خطيب جمعة النجف- قد ذكر في خطبته السياسية الأخيرة أن «الحديث الساخن اليوم هو تصعيد للحرب والعدوان من قبل إسرائيل على الشعوب الإسلامية، ففي العراق قصف مقرات الحشد الشعبي في بابل واستشهاد عدد منهم، وفي لبنان مقتل احد قادة المقاومة الإسلامية الشهيد فؤاد شكر، وفي إيران مقتل ضيف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشهيد اسماعيل هنية، وفي اليمن قصف شديد واستشهاد عدد من المدنيين».
وأضاف: «لابد من خروج المحتل، ولا يوجد أي غطاء قانوني لوجوده، وان يحفظ ماء وجهه قبل ان يطرد».
وأكد أن «هذا التصعيد العدواني هو محاولة للخلاص من قبضة غزة، كما اننا نتضامن مع كل الشعوب الإسلامية ونقف إلى جانبها فالعدوان عليها عدوان علينا».