سيبدأ في هذا الاسبوع التفاوض بين ممثلي اسرائيل والفلسطينيين. وليس واضحا كم سيستمر، وهل سيستمر أصلا، لأنه لا توجد الى الآن علامة على أن الفلسطينيين سيتخلون عن نية إفساد كل تقدم يوجب عليهم مصالحات في الموضوعات المركزية. ويكرر محللون مختلفون في البلاد وفي الخارج الى حد الاتعاب شعار ‘كل عناصر السلام أصبحت معروفة’ بحسب ‘مخطط كلينتون’ وما أشبه، وبقيت فقط ارادة القرار، لكن الحقيقة تخالف ذلك. كلما زدنا تعمقا تبين أنه لم يتم الاتفاق على شيء لا على الحدود ولا على قيود السيادة والامن التي ستُفرض على الفلسطينيين ولا على القدس و’اللاجئين’، ولا على اعتراف الفلسطينيين باسرائيل كدولة للشعب اليهودي. وينوي وزير الخارجية الامريكي جون كيري وممثله وهو معرفتنا، مارتن اينديك كما يبدو، أن يحصرا العناية أولا بموضوعي الحدود والامن، لكن هذا التوجه يتجاهل حقيقة أن رسم حدود المستقبل كما تقرر في القرار 242 عن مجلس الامن يجب ان يلبي حاجات اسرائيل الامنية. ليس فقط أن نقطة المرجع لرسم الحدود ليست ‘الخط الاخضر’ (حتى لقد قال الرئيس باراك اوباما في مؤتمر ‘ايباك’ في 2011 انه سيجب على الاسرائيليين والفلسطينيين أن يجروا تفاوضا في حدود تختلف عن تلك التي كانت في الرابع من حزيران 1967)، بل إن التفاوض سيضطر الى ان يحدد ايضا القواعد لحرية عمل اسرائيل الامنية داخل اراضي السلطة الفلسطينية (ويشمل ذلك وجودا دائما للجيش الاسرائيلي على خط الاردن). وحقيقة ان قضيتي الحدود والامن مرتبطتان بعضهما ببعض كانت أمام ناظر ادارة جورج دبليو بوش حينما اقترحت في خريطة الطريق، ان تنشأ في المرحلة الاولى ‘دولة فلسطينية في حدود مؤقتة’ فقط، لكن هذا التعريف ايضا لم يعد ذا صلة وينبغي ان يتم تبني بدلا منه مبدأ ‘سيادة مشروطة’ أو ‘تدريجية’ لأن السيادة الكاملة ستُمكّن الكيان الفلسطيني من التحلل من كل التزاماته السابقة. وماذا عن تبادل الاراضي؟ كانت هذه الخطة تُرى احيانا مفتاحا لحل مشكلة الحدود؛ فالرئيس اوباما يذكرها صباح مساء، ووزير الخارجية كيري عقد في وقت ماض مؤتمرا صحافيا خاصا ليبشر الملأ بأن الجامعة العربية وافقت على الحل المذكور آنفا. لكن نشك في أن يكون هذا ‘الحل’ عادلا من جهة مبدئية واخلاقية أو ممكنا من جهة عملية (وربما ستكون هذه أول مرة في التاريخ يُعوض فيها الجانب المهاجِم بالحصول على اراض من ضحية عدوانه). رسخ في العالم (وعندنا ايضا) بصورة أقوى النسيان المتعمد لما حدث في 1967، وأي هاجَم أياً ولماذا استولت اسرائيل بحرب دفاعية على الاراضي التي نُفذ العدوان عليها منها. وقد كانت هذه الحقائق معلومة جيدا لصاغة القرار 242 في مجلس الأمن (ولهذا عارضوا انسحاب اسرائيل الى خطوط 1967)، كما كانت معلومة للرئيس ريغان الذي قال جازما انه لا ينبغي ان يُطلب الى اسرائيل ان تعود الى خطوط فصل القوات الخطيرة السابقة (أو للرئيس جورج دبليو بوش الذي أثار فكرة ‘الكتل الاستيطانية’ لا بسبب ‘التغييرات السكانية’ فقط منذ 1967، بل وفي الأساس لأجل حاجات اسرائيل الامنية). قد تكون المقارنة التالية متطرفة جدا لكن هل طُلب الى بولندا وهي الضحية الاولى للعدوان الالماني في الحرب العالمية الثانية ان تعوض المانيا عن المناطق الالمانية التي ضُمت اليها بعد الحرب؟ ويبدو من جهة عملية ايضا ان ‘تبادل الاراضي’ هو حل غير ممكن. فلا يمكن لاسرائيل الصغيرة من جهة عملية ان تتبرع من ارضها للفلسطينيين خاصة اذا لم تكن تريد (كما ذكر هذا خاصة اليساري شاؤول اريئيلي في مقالته في صحيفة ‘هآرتس’) ‘أن تضر بنسيج حياة أكثر من 20 بلدة في داخلها وان تضر بطبيعتها الزراعية والجماهيرية’. وهذا بالطبع سبب واحد من الاسباب، في حين توجد اسباب اخرى على الصعيد الاستراتيجي وفي مجالات اخرى. حينما يكون كل شيء ‘مفهوما وبسيطا جدا’ يجب ان نثير احيانا اسئلة مقلقة وغير مريحة. وقد يمكن بهذا ان نتعرف على عوائق وان نحاول الالتفاف عليها والتقدم في الطريق ولو بقدر محدود نحو حلول ممكنة.