كم أشعر أحياناً بالخزي والعار وبالقرف والسذاجة عندما أتذكر كيف كنا قبل عقود نستمع ونصفق لليسارجيين والقومجيين العرب الذين كانوا يهاجمون الأنظمة الملكية ويصفونها بالرجعية ويكيلون لها كل أنواع التهم والشتائم ويتهمونها بالعمالة والخيانة. تذكرت الشعارات اليسارية والقومية العربية قبل أيام وأنا أشاهد مراسم تشييع ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية التي تحولت جنازتها إلى حدث عالمي بامتياز، فلم يكن مطلقاً مأتماً بريطانياً، بل كانت جنازة دولية بكل المقاييس، فانبرت كل وسائل الإعلام في الشرق والغرب إلى تغطية التشييع على مدار الساعة كما لو أنه حدث محلي. أما ردود الفعل الشعبية في معظم أصقاع العالم فقد كانت في أغلبها تثني على مسيرة الملكة الراحلة وتعدد مناقبها وتمتدح تاريخها. وقد وقف البريطانيون نحو خمس وعشرين ساعة في طابور ليلقوا نظرة على تابوت إليزابيث الثانية. قد لا يعجب ذلك اليسارجيين العرب والبريطانيين، لكن شغف الشعوب بالملكة الراحلة، أمر يستحق النظر، ودرس للحكام في كيفية بناء تاريخهم، وخدمة دولهم، وهو أيضاً صفعة لبقايا اليسار العربي والبريطاني والعالمي.
لم تعد تنطلي على الشعوب الأكاذيب والترهات والتهم الاشتراكية واليسارية البائدة بعد أن انفضح أمر اليسارجيين والقومجيين، وخاصة في العالم العربي. لقد صدع هذا الرهط من المنافقين رؤوسنا على مدى عقود وهم يرفعون شعارات جماهيرية ويتغنون بقوة الشعوب وقضاياها، لكن عندما ثارت الشعوب على جلاديها، وكلهم من طينة الجنرالات ورؤساء الجمهوريات، اصطف اليسارجيون والقومجيون إلى جانب الطغاة والقتلة والمجرمين ودافعوا وما زالوا يدافعون عن جمهوريات العسكر التي هبت ضدها الشعوب قبل أكثر من عقد من الزمان في اليمن وليبيا وسوريا وتونس ومصر والسودان ولبنان والجزائر.
لا نحتاج إلى الفلسفة ولا إلى «الفهلوة» كي نعرف سبب هذا الاندفاع الشعبي العالمي والعربي خاصة لتحية ملكة بريطانيا وتوديعها وهي تنتقل إلى مثواها الأخير، فقد أثبتت التجارب عربياً أن الأنظمة الملكية والأميرية، مقارنة بالأنظمة الجمهورية العسكرية لم تنجح فقط في الحفاظ على بلادها، بل انتقل بعضها بالبلاد والعباد إلى مراحل متقدمة مقارنة بالأنظمة الجمهورية اليسارجية والقومجية العسكرية. ولا عجب أن سمعت أحد السوريين يقول: إن الأنظمة التي كانت يقولون لنا إنها «رجعية» أثبتت بأنها تقدمية جداً، فقد تقدمت فعلاً ببلادها إلى الأحسن نسبياً، بينما انظروا إلى حال ما كان يُسمى بالأنظمة الجمهورية «التقدمية»، التي نادت بالوحدة العربية، فلم تستطع في نهاية المطاف حتى الحفاظ على الوحدة الداخلية فتحولت إلى ملل ونحل متناحرة، كما هو وضع سوريا ولبنان والعراق والسودان والجزائر وليبيا وتونس وغيرها، بينما حافظت الملكيات على الأقل على نسيجها الوطني والترابي. وكم سمعت بعض السوريين واللبنانيين مثلاً وهم يقولون إن بلادنا كانت جنة فحوّلها رؤساؤها إلى صحراء، بينما نجح الملوك والأمراء في الخليج في تحويل الصحراء إلى جنة مقارنة بجمهورياتنا البائسة والتعيسة التي صار فيها الحصول على رغيف الخبز حلم الملايين. لاحظوا أن الثورات العربية اندلعت حصراً ضد الأنظمة الجمهورية التي غدت رمزاً لكل أنواع الفساد والإفساد.
شغف الشعوب بالملكة الراحلة، أمر يستحق النظر، ودرس للحكام في كيفية بناء تاريخهم، وخدمة دولهم، وهو أيضاً صفعة لبقايا اليسار العربي والبريطاني والعالمي
لقد كان التقدميون المزعومون يتهمون الأنظمة الملكية بالنهب والسلب، فاكتشفنا متأخرين بأن أكبر عمليات نهب وسلب تعرضت لها الشعوب في الجمهوريات العربية، ولو نظرنا اليوم إلى حالة الفقر والقهر والجوع والبؤس والذل التي تعيشها الشعوب في ظل الأنظمة الجمهورية المزعومة وقارناها بوضع الشعوب في الأنظمة الملكية لوجدنا أن الفرق شاسع في كل شيء، وحتى لو كانت الشعوب في بعض البلدان التي تحكمها أنظمة ملكية تعاني، إلا أنها لو قارنت وضعها بحال الشعوب في الأنظمة الجمهورية لربما حمدت ربها طويلاً رغم كل معاناتها وأزماتها. طبعاً لا نريد أن نبدو وكأننا هنا نطبل ونزمر للأنظمة الملكية، لكننا نجري فقط مقارنة نسبية في عالم عربي باتت فيه شعوب الجمهوريات تعاني الأسوأ على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية والمعيشية تحت حكم الجنرالات والرؤساء.
آه كم أضحك عندما أتذكر كيف كنا نردد شعار «بترول العرب للعرب» في النشيد الصباحي بالمدارس فيما كان يسمى بالجمهورية العربية السورية، فاكتشفنا متأخرين بأن النظام الجمهوري في سوريا مثلاً كان يضع كل أموال النفط وهي بالمليارات في حسابات خاصة في البنوك الأجنبية، ويحرم الشعب منها، بينما تجد في الأنظمة الملكية والأميرية أن أموال النفط تُستثمر في بناء مدارس وجامعات ومستشفيات ومساكن وبنية تحتية تضاهي الدول الغربية، إن لم تكن أفضل. ولو شاهدتم مثلاً فيلم «حلاق للسيدات» الذي تم انتاجه في خمسينيات القرن الماضي وقارنتم المنطقة التي تم فيها تصوير الفيلم آنذاك في دمشق بوضع المنطقة اليوم، لوجدتم أنها لم تتطور قيد أنملة، وكأن حكام تلك الجمهورية البائسة أخذوا على عاتقهم منع أي نوع من النهضة سواء كان عمرانياً أو شعبياً. قارنوا أيضاً بين جمهوريات النفط والغاز وممالك وإمارات النفط والغاز، فستجد أن الجمهوريات الغنية بالنفط لا تجد شعوبها حتى الزيت والخبز والحليب تحت حكم الجنرالات المنحطين، بينما تنعم شعوب الممالك والإمارات بكل أنواع الرفاهية.
ولكم اتهم التقدميون والقومجيون الأنظمة الملكية بأنها أنظمة تابعة للغرب ولطالما رفعوا شعارات تحريرها من الاستعمار، فانتهى الأمر بأنظمة الجنرالات الجمهورية التعيسة إلى بيع البلاد والعباد للغزاة والمحتلين الذين استقدمهم بشار الأسد وأمثاله لحماية عروشهم الجمهورية العفنة الآيلة للسقوط.
انزلوا إلى الشارع واستفتوا الشعوب: هل تريدون أن يحكمكم الجنرالات بشعارات جمهورية وعسكرية قذرة، أم ملوك وأمراء، فلا شك أنهم سيختارون الأنظمة الملكية التي على علاتها أثبتت أنها الخيار الشعبي الأفضل بعد أن ذاقت الشعوب الأمرّين تحت أحذية العسكر وهمجيتهم ووحشيتهم. قارنوا مثلاً كيف كان الملك فاروق يعاقب معارضيه وكيف يعاقب الجنرالات معارضيهم اليوم في الجمهوريات المزعومة. ذات يوم قيل للملك فاروق بأن مواطناً شتمه، فغضب الملك وصاح بأعلى صوته: «اعتقلوه فوراً واسجنوه ليوم كامل». كم يبقى في السجن يا ترى من تسول له نفسه انتقاد جنرالات النهب والسلب والقتل والإجرام في الجمهوريات العسكرية العربية المزعومة؟
لا نقول إن الأنظمة الملكية في عالمنا العربي حملان وديعة ولا حمائم سلام مثالية مطلقاً، لكن شتان بين الرمد والعمى، فلم تعد الشعوب تبحث عن الجيد في جمهورياتنا التعيسة البائسة أصلاً، ولا حتى عن السيئ، بل للأسف صارت تبحث عن الأقل سوءاً. لا عجب أن تصيح: عاش الملك وليسقط الرئيس.
كاتب واعلامي سوري
[email protected]
إن الملوك في أوروبا يسودون و لا يحكمون، لذا يحظون بالتقدير و المحبة من شعوبهم ، فاي نجاح أو فشل تنسبه الشعوب هناك للحكومات المتعاقبة !.
أما الحكم الملكي في بلاد العرب ليس مقياسا و لا شرطا للتفوق و النجاح ، وإن كانت الممالك في الخليج تزدهر و تتنعم بالرفاهية ذلك لما تحوزه من خيرات و ثروات ، و لكن ماذا عن مملكتي الاردن و المغرب اللتين تعانيان الأمرين من البؤس و الفقر ؟!
زد على ذلك أن الحكمين الملكي و الجمهوري لا تحكمه الالقاب!، فكم من رئيس عربي” منتخب” تسمر بكرسيه لعقود ، او ورّث الحكم لابنه كأي ملك عربي ، لكنّه يحمل لقب “جمهوري” !.
شكرا Bravo
الى اختنا الكريمة مريم،
تحدتت عن وضعية المغرب وتكلمت عن البؤس والفقر فهذا كلام مردود . نعم هناك ازمات اقتصادية صعبة في بعض الاوساط لكن على العموم هناك عمل مستمر للبحت عن الحلول وهناك ديمقراطية حقيقية في هذا البلد الامين وشعور بالامن والامان في بلد محمد السادس . فالسؤال هو : هل هناك بلد في العالم ليس فيه مشاكل من هذا النوع ؟ بالطبع لا .
فحتى في امريكا اكبر د اقتصاد في العالم ، هناك بوس وفقر تعيشه الطبقات الاكثر فقرا ولكن دور الانظمة التي تحترم شعوبها هو البحث دائما على الحلول في كل وقت وحيد والدول كل يوم من ايام الله تعمل لايجاد الحلول للمواطن البسيط .فنحن في المغرب نحمد الله على المجهودات التي يقوم بها الملك محمد السادس حفظه الله من اجل التنمية ومحاربة الفقر والله المستعان .
الأردن لايتكئ على احتياطيات ضخمة من الغاز .. ورغم ذلك فنسبة الفقر لدينا لا تقارن بما هو لديك .. على الاقل المواطن الأردني لا يصطف في طوابير يصل طولها لكيلومترات من اجل الحصول على المواد الأساسية للاستهلاك .. ولا تفر منه عشارات الآلاف سنويا على مثن قوارب الموت.. كما ان الزائر للبلدين يقر بأنه يزور بلدين عصريين يشهدان حركية و دينامية على كافة المستويات .. لا بلدين لازالا عالقين في الستينات .. مشكل الإمبراطوريات العسكرية التي يحكمها العسكري إلى الممات.. لا هي قضت على الفقر ولا هي نمت البلاد ولا تركت غيرها يمضي في البناء .
الشعوب لمست ما كتبته سيدي بعد الربيع العربي الدي كنا نامل ان يغير اوطاننا للافضل لكن للاسف لم يجلب لا حرية ولا ديموقراطية ولا رغد العيش لكنه خرب بلدان وقتل الملايين وشرد الالاف من خيرة شبابنا العربي الجمهوريات والممالك سواء لكن على الاقل في الممالك لا يوجد فراغ سياسي يتصارع عليه العسكر مع الاخوان مع القوميين المزيفين المواطن الان بعد ما عشناه وتطورات العالم يحمد الله على نعمة الامن والامان له ولاولاده حفظ الله كل الوطن العربي بجمهرياته ومماليكه
مقال تعبر عن واقع الذي يعيشه للشعب العربي المحكوم من طرف الجنرالات
مقال جميل دكتور الله يعطيك العافية لو أخذنا ع سبيل المثال النظام السياسي التركي بالرغم من إنه حافل بالإنقلابات العسكرية إلا انه أصبح مضرب مثل في عهد الرئيس رجب طيب اردوغان يقتدي به في المنطقة العربية أليس كذلك؟ لهذا نجاح وشرعية أي نظام سياسي مرتبط بمبدأ يغفل عنه الكثير الرحمة فوق القانون سواء كان ملكيا أو رئاسيا شرح هذا المبدا وفق مقاييس العقل البشري بتصوري يحتاج الى مجلدات وأبواب وفصول رحمة الله وسعت كل شيء ..
ربما هناك من يقفز و يسأل هل يجوز الترحم ع ملكة إليزابيث بالرغم ماقدمته لشعبها في الإتجاه المعاكس الآخر ؟! رد عليه ?
كلام في الصميم ، لا جف يراعك يا أستاذ
هدا هو الواقع يا استاد
أصبت كبد الحقيقة يا دكتور ، ولنا في مقارنة النظام العسكري في إحدى دول شمال إفريقيا بالنظام الملكي عند جارتها خير دليل على ما قلت ، وأي شخص قام بزيارة هاتين الدولتين سيلاحظ الفرق الكبير بينهما من حيث الاستقرار والاستثمارات والبنيات التحتية مع العلم أن واحدة تمتلك البترول والغاز والأخرى بدون ذلك .
قد يكون تعليقي هذا بسيطا جدا ولكن الفكره تستحق التأمل
في بلداننا العربيه المملكه تعتبر بمتابعة البيت والملك فيها هو الأب مهما كانت طبيعه الأب وطريقه تفكيره يبقى ابا ولا يفكر في امتلاك البيت لأنه صاحبه وبدورنا نكن له الإحترام والتقدير لأنه يرجع له الفضل في جمع شمل البيت والحفاض على توازنه. اما حال الجمهوريه فهو البيت الذى غاب عنه الأب ويسعى كل من الأخوه ليكون مقام الأب فيتصارع الأخوه ويتشتت البيت. فممالكنا اليوم رغم ضعفها إلا انها حافضت على بلدانها من التشتت والعصبيه ويحسب لها دلك في حين ان جمهورياتنا لا زالت تتصارع من اجل الحكم والشعوب بدورها تحلم بإيجاد قأئد عادل قد يكون مطلبا شبيها بالمستحيل في زمننا هذا في انتضار بعتة المهدي المنتظر…..
كلام فيه شيء من المنطق و المعقول لكن هل سيصلح ما افسدته سبعة عقود من الاضطهاد والديكتاتورية التي مورست على الشعوب؟
اتذكر جنازة الراحل الحسن الثاني و اتذكر 5 مليون ضاقت بهم شوارع الرباط ، و منهم من وصلها مشيا على الاقدام مسافة 80 كلم ، و كان الرئيس كلنتون يموج وسط الاف من المواطنين