لماذا يعتقد بعض العرب أن العالمية تتحقق للنص العربي عندما يترجم إلى لغة أخرى؟ أليست البلاد العربية ولغتها من العالم جميعه؟ لماذا نجلس «في العرب» وننظر إلى العالم الغربي بوصفه العالم؟
٭ ٭ ٭
بعض الأدباء والمثقفين العرب يرون إلى العالمية، بعد أن تتم ترجمة نصوص عربية إلى اللغة الإنكليزية، أو أي لغة أجنبية أخرى. وفي هذا، في اعتقادي، نظرة قاصرة ترى إلى العالم العربي، بلغته وتراثه، مفصولاً عن العالم.
جغرافياً، نحن في العالم ومنه بلا جدال، فلماذا التمرّغ في الشعور الدوني الذي يرانا أقل من الآخرين؟ أستغرب فعلاً مما ينتابني من اضطراب عندما يجري الكلام عن العالمية بمعزل عن كوننا جزءاً مكوناً لهذا العالم، باعتبارنا ملحقاً له، يتحقق، عالميا، فقط بعد ترجمته إلى لغة أخرى سوى العربية، دون أن يسمي الآخرون من العالم أدبهم عالمياً، بعد ترجمته إلى اللغة العربية، مثلما نحن نرى إلى تلك الآداب بوصفها أدباً عالمياً، فيما نقرأه بالشغف الذي يليق به.
٭ ٭ ٭
ينبغي إعادة النظر في عقدة الغرب المستحكمة في ثقافتنا العربية. فالغرب سوف يمعن في التنكيل بمن يلحق به باعتباره العالم. ليس من الحكمة التقليل من شأن الأدب العربي (الشعر خاصة) في ما نتقدم به إلى العالم. فالعالمية لا تبدأ بنقلها إلى لغة أخرى. وبما أننا من العالم، فسوف تبدأ العالمية، موضوعياً، من اللغة العربية. لذا سوف أتمنى أن نرى إلى العالمية منذ اللغة العربية التي بها يُكتب النص.
٭ ٭ ٭
فالترجمة ليست شرطاً. إنها أحد الاحتمالات فحسب. فبعد أن تكتب نصك الخاص، بموضوعه ومضمونه الخاصين، سوف تكون في مهب العالمية لحظتها، ولك أن ترى إلى عالميتك في هذه الشرفة.
٭ ٭ ٭
عالميتك لا تأتي من هناك، من الخارج، لكنها تأتيك من هنا، من الداخل، داخلك.
لذا عليك أن تصغي لدواخلك، وتعبر عنها، فمن حسك الإنساني الخاص، سوف تصوغ ما يضعك في ذلك الأفق الرحب، من هذه الشرفة يجوز لك أن ترى إلى الحياة بوصفها حياتك، فأنت، ولا أحد سواك، يعرف عن حياتك، ويكتب عنها، عنك.
٭ ٭ ٭
ويبقى أن أقول عن أولئك الكتاب ذوي الأسماء المجهولة، التي يعلنونها وهي تنال الجوائز العالمية، أن مجهولية تلك الأسماء (عندنا) لم تحل دون نيلها تلك الجوائز. فللعالمية شروط لا تنالها بالسعي إليها.
٭ ٭ ٭
لماذا يبدو العالم صغيراً ويضيق بالبعض، فنرى من يحاول الخروج من حدوده الجغرافية، فيجد نفسه قد خرج من التاريخ، تاريخه.
٭ ٭ ٭
ليس من الحكمة التحلل من تاريخك في سبيل جغرافيتك. لغتك هي تاريخك الشخصي والخاص. تكتب ذاتك بلغتك بتاريخك الخاص، ويقرأ تاريخك الآخرون بلغتك، فيفهمون عليك، الترجمة تأتي في ما بعد، تأتي لاحقاً. العالم كله يأتي لاحقاً.
وهذا يحدث منذ لحظتك الأولى مع الكتابة.
كاتب وشاعر بحريني