لقد أصيب النموذج الغربي في هذه الأيام بانتكاسة كبيرة، جرحت كبرياءه، وكشفت عيوبه، جعلت كل الوعود التي أطلقها الغرب في العقد الأخير من القرن المنصرم، بعد سقوط جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفييتي، تتساقط الواحدة تلو الأخرى؛ لم يكن النموذج الغربي (الرأسمالي/ الليبرالي) هو نهاية التاريخ، ولم يكن الإنسان (الطبيعي/المادي) هو الإنسان الأخير، ولم تكن العولمة هي السّبيل الوحيد لتقدم الأمم وتطورها، كما جادل بذلك فرانسيس فوكوياما؛ الغرب الذي تراكمت قوته الاقتصادية والعسكرية، وتسيدت قيمه وثقافته، إلى حد كبير، على كل المعمورة، يقف اليوم عاجزاً عن مجابهة فيروس صغير لا تراه العين المجردة، إذ غاب فجأة التضامن العالمي، وغابت قيم التعاون، حيث انكفأت كل دولة على نفسها، بإغلاق حدودها، وتعليق رحلات الطيران فيها، بحيث أضحى العالم مجرد قرى منعزلة، بعدما كان قرية صغيرة.
في هذه الأزمة أظهرت حضارة الغرب وجهها القبيح والبشع، بأنّها حضارة ضد الإنسان، أو كما قال عنها المفكر المصري عبد الوهاب المسيري «حضارة الضد أو عكس الحضارة، لأنها حضارة معادية للحضارة والإنسان»؛ لا نتكلم هنا عن حروب الغرب في العالم، ولا عن نشره للفوضى في إرجائه؛ لا نتكلم عن مشاريع التجويع والتفقير والإبادة، ولا عن تفكيك الدول وإضعافها، ولا عن تشريد الشعوب وتقطيع أوصالها، اليوم يسقط حتى أخلاقياً في بيئته وفردوسه اللذين شيدهما على دعائم الحرية وحقوق الإنسان؛ فبعد التقارير المفزعة التي تؤكد بأنّ المستشفيات، فضلا عن عجزها في تقديم رعاية صحية للمرضى والمصابين، ترفض علاج كبار السن أو المعوقين أو المرضى بأمراض مزمنة، وتتركهم فريسة لمصيرهم المحتوم، وهو الموت؛ في الحقيقة، هذه سلوكاتٌ، ليست جديدة في الغرب، بل هي كامنة في حضارته المادية، إذْ أنّ النازية (الغربية) كانت تتعامل مع هؤلاء بالمنطق نفسه، لأنّهم غير منتجين، أي «أفواه تأكل، ولا تنتج».
عودة الشيوعية
كل هذه التطورات تلقفها اليسار في العالم، وراح يرفع شعار «نهاية النموذج الغربي»، ويُمني نفسه، في الوقت ذاته، بـ «عودة الشيوعية»، لأنّها، حسبه، تمتلك مفاتيح الحل لهذه الأزمة العالمية؛ فبالإضافة إلى النجاح الصيني منقطع النظير في القضاء على فيروس كورونا، بحيث تنقل التقارير أنّها احتوته بصورة كاملة، وفي زمن قياسي، والحياة في مدنها بدأت تعود إلى طبيعتها تدريجياً، بل الأهم من ذلك، هي تساعد دول العالم بالأدوات الطبية، وبخبرتها في احتواء المرض؛ ويرى البعض بأن الصين تحقق نبوءة تصوّر كارل ماركس للتاريخ، الذي يقسمه إلى مراحل، يبدأ بمرحلة شيوعية، ثم يدخل في حالة اغتراب طبقية، وفي الأخير يعود إلى حضن الشيوعية؛ فتصوّر ماركس للتاريخ يجعل البشرية تبتعد عن الشيوعية، ثم تعود إليها في الأخير، كونها هي المنقذ والترياق: «مرحلة شيوعية، حالة اغتراب طبقية، عودة للمرحلة الشيوعية».
إنّ الصين، كما هو معلوم، دولةٌ ما زالت تحافظ على تقاليدها الشيوعية، والحزب الشيوعي هو الحاكم في الصين، ويده ممتدة إلى كل الشركات الكبيرة (شركة هواوي العملاقة مثلا، 99% من أسهمها هي ملك للنقابات، بالتالي، هي ملك للحكومة الصينية). تأسيساً على هذا الوضع تبلورت لدى اليسار أوهامٌ، من قبيل أنّ العالمَ اليوم سيتجه شرقاً، وأنّ الصين ستتربع، لا محالة، على كرسي القيادة، وإذا تقلدت الصين القيادة العالمية، عادت تعاليم ماركس وأنجلز، ورجعت أفكار لينين وماوتسي تونغ إلى العالم من جديد، بعدما غابت عنه ثلاثة عقود من الزمن؛ فالشيوعية، في نهاية المطاف، هي الدواء للمرض الذي يفتكُّ بالبشرية، والترياق للسم الذي ينخر جسدها.
قد يكون جيجك على حق، من ناحية أن آليات السوق، ستزيد من الفوضى، لاسيما في هذه الفترة الصعبة، والعالم مقبل على أزمة اقتصادية كبيرة بعد نهاية الحرب على كورونا، لهذا يجب الاستنجاد بآليات الشيوعية في الإنتاج والتوزيع.
لعل الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك أحد أبرز هؤلاء المنظرين، إذ يرى أن فيروس كورونا قد يكون فرصة سانحة للقضاء على المنظومة الرأسمالية السيئة، بعد أن أثبتت عجزها، ولم تحصد سوى الفشل في إدارة الأزمات العالمية، ويكمن الحل، وفقاً لرؤيته، في الشيوعية: «إن شكلا جديداً من الشيوعية هو الحل لإيقاف هذا الوباء الناتج عن الهمجية العالمية، وإن الفيروس العجيب هو اللحظة الحاسمة التي ستقضي على المنظومة الرأسمالية السيئة بعد أن يجد الجميع، وبثمن باهظ من آلاف، وربما ملايين الإصابات، أن العالم لم يعد بإمكانه المضي بأدواته وطرائقه القديمة، وأن ثمّة تغييراً جذرياً ينبغي أن نقدم عليه كمجموعة بشرية»، ومبرره في ذلك، يتمثل في أن حالة من الفوضى ستجتاح العالم في ما بعد، بسبب آثار هذه الجائحة وتداعياتها، وأنّ «آليات السوق» ستكون عاجزة عن حماية العالم من هذه الفوضى، لذا، فهو يقترح استراتيجية قائمة على «الشيوعية» لإنقاذ الناس من مخالب الفوضى والجوع، حيث يقول: «يجب أن تؤخذ التدابير التي تبدو لمعظمنا على أنّها (شيوعية) بعين الاعتبار، والتنفيذ على المستوى العالمي: تنسيق الإنتاج والتوزيع من خارج إحداثيات السوق»، لا تهمّ التسمية، يستدرك بالقول، اشتراكية، أو شيوعية جديدة، أو غير ذلك، ما يهمّ، في الأخير، هو الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، ومن ثمّ، السعي إلى بناء نظام عالمي جديد.
لا عودة جديدة للتاريخ
قد يكون جيجك على حق، من ناحية أن آليات السوق، ستزيد من الفوضى، لاسيما في هذه الفترة الصعبة، والعالم مقبل على أزمة اقتصادية كبيرة بعد نهاية الحرب على كورونا، لهذا يجب الاستنجاد بآليات الشيوعية في الإنتاج والتوزيع؛ لكن هذا لا يعني أن الشيوعية ستعود من جديد، كما في سابق عهدها، لأنّها، في واقع الأمر، نظام فاشل، رفضته المجتمعات البشرية من قبل، وربما يكون هذا ما قصده فوكاياما، عندما نفى في تعليقه على ما يشهده العالم من تحولات في العالم بسبب جائحة كورونا، أي بداية جديدة للتاريخ أو عودة له، بمعنى عودة الصراع الأيديولوجي، واعتبر هذه التحولات، التي تحدث اليوم في العالم، طبيعية وحالة صحية في النظام الغربي، وهي لا تدل، بأي حال من الأحوال، على عودة للتاريخ، كما يرافع البعض، لأنّ ذلك معناه الارتماء في أحضان الديكتاتورية، و«الاستسلام لصفارات أنظمة أكثر ديكتاتورية»، ولكنها تدل، في واقع الأمر، على إصلاح لليبرالية أو تنقيتها من التشوهات، التي أصابتها، بفعل الممارسات المتطرفة من طرف النيوليبراليين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أنّ الصين ما كان لها أن تبلغ هذا التطور الكبير، وتصل إلى هذه المرتبة المتقدمة، لو لم تنتهج سياسات اقتصاد السوق الحر، بالطبع هناك عوامل أخرى، جعلت منها قوة عالمية رائدة، لا شكّ في ذلك، لكن يبقى التوجه الاقتصادي مع الانضباط والصرامة، هو الذي حقق هذا الفارق الكبير، بينها وبين قوى عالمية أخرى.
على صعيد آخر، صحيح أن الصين تقوم بعمل جبّار اليوم، في إنقاذ العالم، ومحاصرة الوباء، بما توّفره من وسائل للتطبيب، وبما ترسله من خبرات طبية إلى العديد من الدول، لكن، هذه الأمور قد تكون تكفيراً عن الذنب، بما اقترفته من جريمة في حق البشرية، لأنّها كانت السبب في تفشي الوباء في العالم بهذا الشكل الفظيع، عندما أخفت أمره في البداية، وتماطلت في مكافحته والحد من انتشاره، ولم تتعامل معه بشفافية، خوفاً على سمعتها واقتصادها، على الرّغم من تحذيرات الطبيب لي وينليانغ، الذي لقي حتفه في ما بعد، واعتذرت الحكومة الصينية إليه.
٭ كاتب جزائري
الأولى بالكتاب والمفكرين العرب الاجابة على التساؤل المركزي للاقتصادي جامس بوكانان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد : “اذا فشلت كل من الاسواق (المذهب الليبرالي) والحكومات (المذهب الاشتراكي)، ما هو البديل التنظيمي” ( انتهى الاقتباس ). هذا افضل بكثير من اعادة اختراع العجلة ومساعي اعادة الروح للاشتراكية البائدة!
كيف تعود الشيوعية بعد أن فشلت؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
الشيوعية لن تقوم لها قائمة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والغرب في طريقه الى الزوال .
الصينيون وكل بلاد الصين هم أسوأ من اية رأسمالية في العالم.
شعار كل منهم هو:
كل شئ لي ولن ادع للاخرين اي شئ.
لو حكمت الصين العالم فسوف يعيش فقط كل من له انف صغير ولا يمتلك عينين وسوف ينتحر كل من ليس له انف صغير ولديه عينان (أو يستعبد او يقتل).
أحمد الله اني عشت في بلد اسيوي ورأيت المجتمع الذي يسود فيه الصيني مما جعلني اندم على كل تعاطفي معهم طوال حياتي السابقة وهو تعاطف بني على أوهام واكاذيب واشاعات.
لقد تناسيت ان تقدم الصين هي للخبث الفيلسوفي في جرجرت التكنولوجيا الغرب واميريكا الى الصين مع اعطاء شركاتها كل الحقوق والامتيازات والتحفيز مع الوعد بعدم التسلط السلطوي لها ولكن بشرط ان تعلم العماله والمهندسين المحليين وبارخص التعاريف المشجعه للصناعه ..هذا الخبث الصيني اسهم في تهريب الذكاء التقدمي وتطورت قابليات مهندسيهم وعمالهم ..القصه هي باختصار ..ولكن اعلم الصينين عنصريين لقوميتهم واما الشيوعيه فاذهب لروسيا وابحث عما تبقى الان منها ان صحت .
البقاء للأصلح، وإذا تبين للعالم ان الشيوعية هي النظام الذي يجب علينا استخدمة في هذه الفترة الزمنية سيكون كذلك، اما عن النظام الرأس مالي المضطهد للعمال لحسابات رؤساء الأموال هذه الأمر ليس جيد نريد نظام فيه مساواة للجميع ومحوا الطبقات ليعيش العمال بكرامة.