عام على أطول مواجهة شعبية لانقلاب عسكري في تاريخ السودان

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»:  لقد كان عاما طويلا وقاسيا، وضع إرادة السودانيين في التغيير على المحك، في ظل انقلاب عسكري، لم يقوض الانتقال الديمقراطي في البلاد وحسب، وإنما قادها إلى أزمات لا حصر لها على الصعد كافة.

في الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر الماضي، نفذ القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان انقلاباً عسكرياً أطاح بالشراكة الانتقالية التي جمعت المدنيين والعسكريين لأكثر من عامين، قبل أيام من موعد تسليم العسكر رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، حسب الوثيقة الدستورية الموقعة بين الطرفين.
وبرر البرهان انقلابه على الحكومة الانتقالية التي تشاركها العسكر والمدنيون لأكثر من عامين، بتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد والصراع بين المدنيين على السلطة وانشغالهم عن معاش الناس، على حد قوله. لكن، بعد عام من انقلابه، ما تزال الأزمات تعصف بالبلاد يوماً بعد يوم.
وكان البرهان، وعد بتحسين الوضع الاقتصادي، وتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين، وتهيئة المناخ والبيئة المناسبة للأحزاب لتعمل من أجل الوصول للانتخابات وهي أكثر جاهزية واستعداداً لتولي قيادة الدولة.
وقطع وقتها، بتكوين حكومة من الكفاءات المستقلة لإدارة شؤون البلاد وإكمال متطلبات العدالة الانتقالية خلال وقت وجيز، وإنشاء مفوضية صناعة الدستور، مفوضية الانتخابات، مجلس القضاء العالي، المحكمة الدستورية، ومجلس النيابة، بالإضافة إلى تكوين المجلس التشريعي الانتقالي، قبل نهاية شهر تشرين الأول/اكتوبر من العام الماضي، وهي الوعود التي لم تتحقق إلى الآن.
ومع ذلك، ما تزال البلاد منذ عام، تعيش حالة من الفراغ الدستوري والحكومي، بعد تعليق العمل بعدد من مواد الوثيقة الدستورية، وفشل العسكر في تشكيل حكومة جديدة، بعد الإطاحة بالحكومة الانتقالية.
وظلت الاحتجاجات الشعبية تتصاعد منذ الساعات الأولى للانقلاب على الرغم من قمع السلطات الذي أدى إلى سقوط 119 قتيلاً وأكثر من 7000 جريح، وعمليات الاعتقال التي طالت القادة السياسيين ولجان المقاومة والمشاركين في التظاهرات، بلغت ذروتها، في تظاهرات الثلاثاء الماضي، التي تزامنت مع الذكرى الأولى للانقلاب العسكري، حيث شارك مئات الآلاف من السودانيين في تظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد، جددوا خلالها مطالبهم بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين.
يأتي ذلك، في وقت تتواصل موجة الإضرابات بسبب ضعف الأجور والزيادات الضريبية التي فرضتها السلطات على أصحاب العمل، كما تشهد أسعار الخبز والوقود والكهرباء والأدوية والرعاية الصحية والنقل العام، زيادات هائلة.
وحذرت كل من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» وبرنامج الأغذية العالمي في تقرير، من تداعيات النزاع في السودان والأزمة الاقتصادية بالإضافة إلى ضعف موسم الحصاد، مؤكدة أنها تؤثر بشكل كبير على إمكانية حصول الناس على الغذاء. ورجحت أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد في السودان إلى أكثر من 18 مليون شخص.
وفي أعقاب الانقلاب، أوقف المجتمع الدولي جملة من المساعدات التنموية والمنح للسودان تقدر بنحو 4.5 مليار دولار، كما أعلن نادي باريس تعليق إعفاء ديون السودان، إلى حين تشكيل حكومة بقيادة مدنية.
وبعد مرور عام على الانقلاب، أدى بشكل واضح سوء الإدارة من قبل السلطة العسكرية إلى إيقاف التقدم الذي تم إحرازه بين عامي 2019-2021 حيث تسبب في أزمة غير مسبوقة في تكلفة المعيشة بعد الارتفاع الكبير في الأسعار، والركود في قطاع الأعمال، حسب مقال نشره نائب محافظ بنك السودان المركزي السابق، فاروق كمبريسي. كذلك خسر الجنيه السوداني نحو30 في المئة من قيمته أمام الدولار، لكن الإتجاه النزولي لقيمته توقف بشكل رئيسي بعد نهاية شهر آذار/مارس 2022 بسبب ضعف الطلب على العملات الأجنبية في ظل الركود والتراجع في قطاع الأعمال وانخفاض القوة الشرائية للأسر.
وأشار كمبريسي، إلى أن هذه الخسائر في المجمل أثرت على أداء موازنة 2022 حيث تواجه البلاد حالياً أزمة اقتصادية كبيرة، لافتاً إلى أنه إذا استمر الانقلاب واحتفظ العسكر بالسلطة، من المتوقع أن يتم تغطية عجز الموازنة في مقبل السنوات بشكل أساسي عن طريق الاستدانة من البنك المركزي وقيام البنك المركزي بالأنشطة شبه المالية نيابةً عن وزارة المالية، كما كان يحدث في عهد النظام السابق.
في سياق الأزمات المتلاحقة، تشهد البلاد انفلاتاً أمنياً واسعاً، وارتفاعاً هائلاً في معدلات الجريمة، بينما تشكو منظمات حقوقية من تورط مجموعات عسكرية وشبه عسكرية في نزاعات في دارفور والنيل الأزرق ومناطق أخرى من البلاد.

الاقتتال الأهلي

ومنذ الانقلاب العسكري، قتل في إقليم دارفور غرب السودان، وحدها، نحو 500 شخص بينما نزح عشرات الآلاف بسبب تجدد النزاعات وحدوث انفلاتات أمنية وجرائم يرتكبها مسلحون يرتدون أزياء القوات النظامية حسب إحصاءات المنسقية العامة للنازحين واللاجئين.
وتجاوز عدد ضحايا الاقتتال الأهلي في النيل الأزرق، جنوب شرق البلاد، نحو 400 قتيل، منهم 250 راحوا ضحية تجدد الصراع الأسبوع قبل الماضي في الإقليم الذي يشهد أوضاعا ملتهبة، تصاعدت الأحد الماضي، بعدما أحرقت مجموعات قبلية غاضبة مبنى أمانة الحكومة واقتحام آخرين مقار عسكرية ونهب أسلحة نارية.
كما تشهد البلاد نذر عودة الصراع المسلح بين العسكر والحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق السلام، بعد أعوام من إعلان جميع الأطراف وقف العدائيات وإطلاق النار.
والجمعة، حذرت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، من خرق قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو «حميدتي» لاتفاق وقف العدائيات الموقع بين الحكومة والحركات المسلحة، معتبرة أي هجوم على مناطق سيطرتها بمثابة إعلان حرب. وأكدت رصدها مخططات للقوات التابعة للسلطات السودانية، لشن هجوم على المناطق التي تسيطر عليها الحركة، وأن أجهزتهم تتابع تحركات تلك القوات عن كثب، ولديها معلومات حول مخططات واجتماعات تمت بالخصوص في العاصمة الخرطوم ومدينتي نيالا والفاشر في دارفور.
وشددت على أن أي هجوم على مناطق سيطرتهم من قبل المجموعات المسلحة التابعة للسلطات السودانية ومن وصفتهم بـ «أعوانها المأجورين والمتساقطين» سوف يواجه برد صاعق. وحذرت الحركة، السلطات من مغبة أي تصرف قد يقود السودان إلى إشعال حرب لا تستطيع دفع فاتورتها، وفق بيان للمتحدث العسكري باسم الحركة، وليد ابكر تانجو.
والأسبوع قبل الماضي، تبادل الجيش السوداني والحركة الشعبية شمال جناح عبد العزيز الحلو الاتهامات بشأن خرق إعلان وقف العدائيات والتدخل في أحداث العنف القبلي التي اندلعت بمنطقة لقاوة بولاية غرب كردفان.
واتهم الجيش، الحركة الشعبية بقصف المنطقة، محذراً قادة الحركة من عواقب خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
من جهتها، أكدت الحركة عدم تدخلها في أحداث لقاوة متهمة قوات الدعم السريع ومجموعات قبلية مسلحة بإحراق منازل إثنيات النوبة والداجو والفلاتة.
وفي ظل الضغوط الداخلية والخارجية المتصاعدة، والأزمات المتلاحقة أعلن القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان خروج العسكر من السلطة مطالبا المدنيين بالتوافق على حكومة مدنية، إلا أن وعوده التي أطلقها في تموز/يوليو الماضي ما تزال تراوح مكانها.
وبينما ترفض لجان المقاومة التفاوض والشراكة ومنح الشرعية لقادة الانقلاب، وتدعو إلى إسقاطه عبر المقاومة الشعبية، رأت قوى الحرية والتغيير إمكانية إنهاء الانقلاب عبر عملية سياسية وفق شروط محددة، أبرزها عدم العودة للشراكة بين المدنيين والعسكريين وخروج الجيش بشكل كامل من السلطة.
وحسب الرؤية، يكون مشروع الدستور الانتقالي المعد بواسطة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين الأساس المعتمد للحل السياسي، مؤكدة على ضرورة الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش واحد مهني وقومي يحمي الوطن والمواطن وينأى بالجيش عن السياسة ويراجع النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية والأمنية وينقي الجيش من عناصر النظام السابق ويؤسس لعلاقة صحية بين المدنيين والمؤسسات العسكرية وإصلاح جهازي الأمن والشرطة وتبعيتهما الكاملة للحكومة التنفيذية، على أن تكون وفق مصفوفة مفصلة تحدد جداول المواقيت والمراحل للإصلاح الأمني المنشود.
ونصت على أن تقوم الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيغاد، بتسهيل ودعم العملية السياسية ودعم مجهودات السودانيين للوصول لحل ينهي الانقلاب، ويؤسس لسلطة مدنية ديمقراطية، بمشاركة الوساطة الرباعية التي تقودها واشنطن والرياض في تيسير العملية السياسية ودعمها وتوفير الضمانات الخارجية المطلوبة.
ورأى الناشط الحقوقي، شمس الدين ضو البيت في حديثه لـ«القدس العربي» أن انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر الماضي كان امتدادا لمحاولات إجهاض الثورة السودانية ولفض اعتصام القيادة العامة في 3 حزيران/يونيو 2019 الذي يعتبر بمثابة الانقلاب الأول على الحكومة الانتقالية.
وأشار إلى أنه على الرغم من نجاح النظام السابق في العودة إلى مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية وتمكنه من استعادة الأموال والأصول التي تمت مصادرتها خلال الفترة الانتقالية، وكذلك تصاعد القمع وتقييد الحريات، والتضييق على الإعلاميين والأحزاب والناشطين السياسيين وتجميد نشاط النقابات، إلا أنه بالمقابل اتضح أن الثورة السودانية عميقة وجادة وساعية للتغيير بشكل كامل.
وأشار إلى أن كل ذلك لم ينجح في كسر المقاومة الشعبية معتبرا ذلك مسألة حاسمة، بينت بشكل واضح أن المقاومة عميقة جدا ولن تنتهي إلا بزوال الانقلاب.
والمطلوب لإسقاط الانقلاب حسب، ضو البيت فضلا عن استمرار الحراك الشعبي والتظاهرات، العمل على توحيد قوى المعارضة من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ولجان مقاومة، مشيرا إلى أن هذه الوحدة يجب أن تكون خلف لجان المقاومة ومواثيقها، لجهة قيادتها الحراك الشعبي الذي تصدى للانقلاب طوال هذا العام.
ورأى أن المجتمع الدولي أصبح يدرك أن السبيل الوحيد لاستقرار السودان هو نظام ديمقراطي كامل وحكومة مدنية ونظام قائم على حقوق الإنسان مع ضرورة حصول الحكومة الانتقالية المقبلة على الدعم الاقتصادي الدولي للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يعيش فيها السودان منذ الانقلاب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية