غزة – “القدس العربي”:
يصادف الثلاثاء السادس من سبتمبر، مرور عام على عملية الهروب الكبيرة التي نفذها ستة أسرى فلسطينيين، نقشوا أسماءهم في الذاكرة الفلسطينية، من “سجن جلبوع” الإسرائيلي الأكثر تحصينا، من خلال نفق حفر بأدوات بسيطة أشهرها (ملعقة طعام) من زنزانتهم، حتى خارج أسوار الزنازين، ليتنفسوا لأيام قليلة هواء فلسطين ويتمتعوا بربوعها الخضراء، ويسجلوا ذكريات عن العالم الخارجي، بعد سنوات طويلة من الاعتقال بين جدران الزنازين المظلمة، مكبلين بالأغلال.
عام مضى على تلك العملية التي يطلق عليها الفلسطينيون اسم “نفق الحرية” والتي أثبتت عزيمة الأسرى، وتتوقهم للحرية، وتطلعهم للعيش خارج أسوار السجون، التي تمتهن فيها كرامة الفلسطيني بشكل متعمد، حيث تخالف مباني السجون وطريقة التعامل مع الأسرى، كل ما نصت عليه القوانين الدولية.
تفاصيل الهروب
مر عام على تلك العملية التي استفاق الفلسطينيون في كافة أرجاء المعمورة على سماع أخبارها وتتبعها بلهف، وهم يرسمون في مخيلتهم طريق الهروب والنجاة للأبطال الستة الذين تعاونوا في الإعداد والتمويه قبل العملية، وفي الهروب، بعد أن قسموا أنفسهم لثلاث مجموعات.
قبل عام كانت قلوب الفلسطينيين تخفق خوفا من مكروه تدبره قوات الاحتلال لهؤلاء الأسرى الستة، بعد أن أثبتوا ضعف الأمن الإسرائيلي، وكانت أعين الفلسطينيين تتجه لترقب خبر يفيد بخروج هؤلاء خارج حدود الوطن، حيث لا يد للاحتلال تستطيع أن تعيدهم مجددا للزنازين، فيما كان الأبطال الستة، باستخدام أبسط الأدوات يرسمون خطط البقاء في الفضاء الفسيح، بعيدا عن عتمة الزنازين وظلم السجان.
والأسرى الستة هم محمود العارضة ومحمد العارضة وأيهم كممجي ويعقوب قادري وزكريا الزبيدي ومناضل انفيعات، وجميعهم من مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.
وقد استغرق هؤلاء الأسرى الستة نحو 9 أشهر في حفر النفق، بما توفر من أدوات حديدية، ليصلوا إلى 25 مترا تحت الأرض، ويتجاوزوا أسوار السجن الرئيسة، وعلى مدار تلك الأشهر قاموا بتصريف التراب المحفور في دورة المياه، بعد أن حفروا النفق في ظروف صعبة، قل فيها مستوى الأكسجين في النفق الذي لم يتوفر فيه إضاءة، غير أن إرادتهم في ذلك الوقت غلبت كل شيء.
أيام الهروب الجميلة
وعقب تمكن الاحتلال من إعادة اعتقالهم، روى الأسير محمد العارضة قصته، بالقول إن الأيام التي عاشها بحرية أنسته العشرين عاما خلف القضبان، لكنه قال إن ما كان يؤلمه عدم رؤية والدته.
أما الأسير يعقوب قادري، فقد تحدث عن أيام الحرية، وروى قصة السير على أرض فلسطين عرضاً وطولاً، وقال إن تلك الأيام محفورة في ذاكرته، وفي روايته عن العملية قال إنه دهش عندما شاهد نفسه يقف خارج السجن بلا قيود.
أما الأسير زكريا الزبيدي، فقد أشار في روايته لأيام الحرية، حين كان يخاطب رفيقه محمد العارضة مستدلا من الطبيعة على ضعف رواية الاحتلال “وأنا جالس أنا ومحمد العارضة بأحد الأحراش رأيت شجر الصنوبر الذي زرعه الاحتلال مكان شجر الزيتون وكان بجانب إحدى شجرات الصنوبر فروع وعروق زيتون قد نبتت بجانبها فقلت لمحمد (تفرج وشوف كيف زرعوا صنوبر محل الزيتون بس الأساس طالع من جذره، قطعوا الزيتون بس نسيوا إنه له مد، هم بيقدروا يقطعوا الشجرة بس ما بيقدروا يقطعوا مد الزيتون”.
أما والد الأسير أيهم كمنجي فروى عن نجله بأنه أخبره، أنه قطع مسافة حوالي 150 كيلومتر، وهي تعتبر مسافة بعيدة لأسير منذ 17 عاما لم يمش أكثر من بضع خطوات يوميا في ساحة السجن، اشتملت على سهول وجبال وعرة ممتدة من بيسان إلى الناصرة تخللها صعود وهبوط وحقول ومزارع وذهاب وعودة، مطاردة وسقوط أرضا، جروح وكدمات، وإنهاك وجوع وعطش شديدين.
عقوبات السجان
وانتقاما من هذا العمل الذي مرغ أنف إسرائيل في التراب، وأظهر ضعف منظومتها الأمنية، فرضت قوات الاحتلال وليومنا هذا اجراءات عقابية انتقامية من الأسرى الستة، وممن ساعدهم، وفي هذا السياق يقول الأسير محمود العارضة مهندس عملية الفرار في رسالة هربها من سجنه “نحن نتعرض لعملية انتقام من قبل إدارة السجون من خلال النقل المتواصل والتفتيش العاري المستمر ومنع الزيارات والتضيق علينا بكافة النواحي”.