كان عام 2022 غريبا وقاسيا في الوقت نفسه، ففيه تجلت التغيرات المناخية في أجلى صورها، فيضانات وزلازل وحرارة مرتفعة جدا في بريطانيا وحرائق في فرنسا وإسبانيا، ثم برد شديد وثلوج، وفيه ماتت ملكة بريطانيا التي ظلت أيقونة للبريطانيين وأطول حاكمة في العالم.
لكل هذا فمن الصعب الحديث عن عام 2022 وتجلياته الثقافية بدون البدء من حيث انتهى، وهي مباريات كأس العالم التي تعتبر أهم حدث رياضي على سطح الكرة الأرضية وينتظرها عشاق كرة القدم كل أربعة أعوام، ونظمت هذه المرة وبشكل استثنائي في الشتاء وفي أول بلد عربي منذ بداية المنافسات الكروية في العقد الثالث من القرن الماضي.
وفي العادة ما تتنافس الدول المنظمة في تقديم ثقافتها وتراثها في الحفل الافتتاحي قبل انطلاق المنافسات. ولأن قطر حاولت أن تقدم حزمة من العروض الثقافية التي تعبر عن هوية العرب الثقافية والدينية والعالمية، فقد حرم المشاهد في الغرب من حفل الافتتاح وما جاء فيه من استعراضات جميلة، وفجأة قررت محطات التلفزة بما فيها «بي بي سي» عدم عرض الافتتاح والتركيز على حقوق الإنسان في قطر وأوضاع العمالة الوافدة ومعاملة المثليين بحيث طغى على اللعبة الجميلة والاحتفال بها، وهو ما توج عاما حزينا بدأ بقرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا وما تبع ذلك من ترددات عالمية، اقتصادية وثقافية. ولا تزال الحرب طاحنة في أوكرانيا إلى جانب الحروب المزمنة في الشرق الأوسط من سوريا واليمن إلى الوضع المتردي في فلسطين ووصول اليمين فوق المتطرف إلى الحكومة الإسرائيلية. وينظر لعام 2022 كأكثر الأعوام دموية في فلسطين منذ عام 2006 وقتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 200 فلسطيني، وأصبحت المداهمات لمدن مثل جنين ونابلس روتينا يوميا ومعها يتم القتل اليومي. والنقطة المضيئة التي ظهرت في منافسات كأس العالم هي أن فلسطين أضاءت ميادين كرة القدم إما بعلمها أو بالهتافات المؤيدة لها أو صور الفريق المغربي وهو يفرد العلم بعد انتصاراته الكثيرة.
وإذا أخذنا البعد الثقافي العام، فلم يخل من أخبار عن نهاية مكتبات تسيدت المشهد في مدن غربية ومشاكل المؤلفين وأوضاع المكتبات العامة وحالة منع الكتب في الولايات المتحدة من قبل الجماعات المحافظة، بشكل يذكر بالزمن المكارثي، منتصف القرن الماضي. إلى جانب الكفاح من أجل الحقيقة والتي كانت ضحيتها في 2022 شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة «الجزيرة» وهي تغطي مداهمة إسرائيلية لمخيم جنين في 11 أيار/مايو. وحاولت إسرائيل كعادتها التملص من المسؤولية وتدخلت في جنازتها بالقدس. واتسم الموقف الأمريكي بالتلكؤ ولم تفتح تحقيقا في مقتلها وهي مواطنة أمريكية، إلا بعد عدة شهور وفي أعقاب سلسلة من التحقيقات من وسائل إعلام ومنظمات أخرى كشفت أن الجاني إسرائيل.
وكان من المفترض أن يكون عام 2022 حافلا بعد نهاية قيود كوفيد-19 وخروج الناس للأماكن العامة وعودة النشاطات الثقافية، إلا أن مشاكل الحياة اليومية تغلبت في النهاية على الثقافة، وعندما يكون الاختيار بين لقمة الخبز والكتاب، ينتصر البطن على العقل.
مكتبة الساقي
وانتهى العام بإغلاق مكتبة عربية، ظلت علامة أوروبية للباحثين عن كتب عن الشرق الأوسط والإسلام بكل المجالات. وأعلنت أنها ستغلق أبوابها في 31 كانون الأول/ديسمبر بعد أكثر من 40 عاما في مجال بيع الكتب والنشر. وأنشأ المكتبة كل من أندريه وسلوى غاسبار والراحلة مي غصوب حيث انتقل الثلاثة من لبنان الذي مزقته الحرب إلى لندن وافتتحوا «الساقي» في منطقة بيزووتر- لندن عام 1978 لكي تكون مصدرا للكتب الصادرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتلك الصادرة باللغة الإنكليزية واللغات الأخرى. وقالت مديرة المكتبة سلوى غاسبار إن القرار «كان صعبا واتخذ بسبب التحديات الاقتصادية الأخيرة، مثل زيادة أسعار الكتب العربية». وجاء في بيان للمكتبة إنها «كانت رائدة ليس في مجال الخبرات الشرق أوسطية ولكن للزوار من المنطقة الباحثين عن كتب ممنوعة في بلدانهم». وبررت المكتبة القرار بكلفة الشحن وأسعار الكتب وزيادة كلفة المعيشة في بريطانيا ومطالب تشغيل المكتبة المالية. وتأثرت المكتبة بسبب قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي أو «بريكست».
وأعلنت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» التي احتفلت بمرور مئة عام على خروجها على أمواج الأثير عن إغلاق القسم العربي بعد 84 عاما على إنشائه، وساهم هذا القسم في إثراء الثقافة العربية منذ خروجه في عام 1938 وعرف من خلالها المستمعون العرب حسن الكرمي والطيب صالح صاحب أهم رواية عربية حداثية «موسم الهجرة إلى الشمال» مع نخبة أخرى من الكتاب والمثقفين العرب الذين مروا منها. وتعللت «بي بي سي» أن الإغلاق للقسمين العربي والفارسي ناجم عن الكلفة المالية وتحديات الثقافة الرقمية.
وبنفس السياق تواجه المجلات الأدبية أزمة في الاستمرار، فمجلة «بانيبال» المتخصصة بترجمة الأدب العربي للإنكليزية وتصدر ثلاثة أعداد في العام منذ عام 1998 وأنشأتها مارغريت اوبانك وصموئيل شمعون، قررت التوقف بسبب الظروف المالية. وأشار كايل تشايكا في مجلة «نيويوركر» (19/12/2022) إلى عام صعب عاشته المجلات الأدبية في أمريكا، فقد أعلنت مجلة «بوكفورام» عن التوقف وكذا «أسترا ماغزين» و«ذي بليفر» بسبب عدم توفر المصادر لمواصلة نشر المجلات الأدبية هذه.
تراجع أجور الكتاب
ولاحظت صحيفة «الغارديان» (11/12/2022) في افتتاحية لها إن دخل الكتاب الذين يعتمدون على كتابتهم إلى 7.000 جنيه، وهو انخفاض بنسبة 38 في المئة، حيث تتراجع أجور الكتاب منذ عام 2018. وهو استمرار لموجة بدأت منذ 2006 حيث انخفض دخل الكتاب للنصف من 40 في المئة إلى 19 في المئة. وهذه ليست ظاهرة خاصة في بريطانيا ولكنها منتشرة في أوروبا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة. وأشارت إلى أن معظم الكتاب الذي تفرغوا لرواياتهم وأعمالهم يعتمدون على مساعدة من صديقاتهم أو زوجاتهم وعائلاتهم لمواصلة الكتابة. وحسب الدراسة المسحية التي قامت بها جمعية ترخيص وجمع المؤلفين فمعظم المؤلفين عادة ما يحصلون على القليل من مؤلفاتهم، وبدون مبالغ مقدمة عن أعمالهم فسيجد الكتاب الشباب صعوبة في الحصول على ما يكفي لدفع فواتير الكهرباء. وعادة ما لا يتم قبول ما يكتبه المؤلفون مباشرة للنشر، فبات باركر نشرت روايتها «يونيون ستريت» بعد عدة محاولات للنشر، لأن دور النشر لم تعجب بالنظرة الكئيبة التي صورتها عن حياة الطبقة العاملة في شمال إنكلترا. وفي ظل تراجع ما يحصل عليه المؤلفون فإن الكتاب من أبناء الأقليات العرقية سيتأثرون أكثر.
ظاهرة الرقابة على الكتب
وزادت ظاهرة الرقابة على الكتب وخاصة في الجامعات البريطانية، فقد كشف تحقيق لصحيفة «التايمز» (9/8/2022) عن سحب جامعات لكتب من قوائم القراءة لحماية الطلاب من المحتويات «المثيرة للتحدي» ووضعت تحذيرات على 1.000 نص. وتضم العناوين التي حذفتها جامعات منها في قوائم النخبة، الكتاب الحائز على جائزة بوليتزر عام 2017 «سكة الحديد الأرضية» لمؤلفه كولسون وايتهد بحجة أنه يفصل فظائع العبودية. وحذفت مسرحية «مس جولي» لأوغست ستريندبيرغ لأنها تحتوي على مناقشة للانتحار. وقيل لطلاب في جامعة أبردين إن لهم الخيار بعدم المشاركة في أعمال جيفري شوسير نظرا لمحتوياتها المثيرة للعاطفة. وتم تحذير الطلاب من أعمال شكسبير وتشارلس ديكنز وشوسير وجين أوستن وشارلوت برونتي وأغاثا كريستي.
كما وتشهد المدارس الأمريكية دعوات من آباء الأطفال لكي تقوم المدارس منع قراءة كتب قد تؤثر على عقليتهم مثل كتب قد تدعو بطريقة غير مباشرة للمثلية «من الجيد أن تكون وحيد القرن» أو تكشف عن تاريخ العبودية «ألف باء المساواة». وفي مدرسة أخرى بكاونتي ويليامسون بتنينسي منعت خمسة كتب بعد شكاوى الأهالي وضمت «مزورة بالنار» و«الليل» و «أن تقتل الطائر المحاكي» لهاربر لي.
وفي تقرير أعدته منظمة «بن/ القلم» الأمريكية كشفت فيه أن حوالي 1.500 عنوان حظرت من التداول في المدارس في الفترة ما بين الأول من تموز/يوليو 2021 و 13 آذار/مارس 2022. وفي أيلول/سبتمبر ذكرت جمعية المكتبات الأمريكية أن التحديات للكتب ستكون أكبر في 2022 مما كان عليه الحال في 2021. وكتب إي دي ديون جي أر في صحيفة «واشنطن بوست» (18/12/2022) قائلا إن تعبير «ممنوع في بوسطن» هو أحسن شيء كان يمكن أن يحصل لكتاب، فيلم أو مسرحية، فمن ثمانينات القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين كانت الرقابة متجذرة في الثقافة البيورتانية وخاصة القوانين القاسية التي تهدف لمنع مواد ينظر إليها بالمجدفة أو الخطيرة، وهو ما زاد الرغبة في التعرف على الكتب الممنوعة لأنها مهمة حسب الرأي العام. ومع مرور الزمن فقد تم إلغاء كل القوانين باسم حرية التعبير، إلا أن التعبير ظل علامة على أن موجة منع الكتب الحالية ليست جديدة ولا يعني أنها ليست خطيرة. فالموجة الحالية متجذرة في حركة يمينية متطرفة تستخدم شعار «حقوق الأباء» لإزالة الكتب من المكتبات باسم حماية الأطفال. وفي الوقت الذي لا يختلف فيه مع حق الآباء في معرفة وتقرير ما في صالح الأطفال إلا أن استخدام الحق هذا من أجل تمرير أجندة أيديولوجية معينة وتقرير ما يجب على الأطفال معرفته هو خطأ. وأشار تقرير لمجموعة «مشتركون بالمزيد» وفيه عبرت العائلات عن رغبة في دراسة التاريخ الأمريكي بحلوه ومره ودراسة تاريخ الأقليات والتعرف على مكامن الضعف الأمريكي حتى لا تتكرر الأخطاء مرة أخرى.
الشرق الأوسط
في الكتب عن الشرق الاوسط، صدر كتاب «أنبياء كذبة: هوس القادة البريطانيين بالشرق الأوسط من السويس إلى سوريا» لنايجل أشتون، شرح فيه تحركات رؤساء وزراء بريطانيا من أنطوني إيدن إلى ديفيد كاميرون في الشرق الأوسط، وكشف فيه عن الصدام بين المثل والواقعية السياسية. وذكر فيه أشتون النقاد قائلا إنه من السهل عليهم أن «التاريخ ليس تجربة نتمتع فيها بالقدرة على إدارة سيطرة علمية لنرى صورة نتيجة أخرى» فعلى صعيد السياسة المحلية يمكن للساسة تغيير مواقفهم بشكل كامل، لكنهم لا يستطيعون عمل هذا في قضايا يتعلق مسارها بقوى خارجية وتمليها المصالح الوطنية. ودرس أشتون الطريقة التي تعامل فيها رؤساء الوزارات البريطانية من أزمة السويس إلى حرب ليبيا. ويرى أن الأحداث الرئيسية التي هيمنت على المشاركة البريطانية من حرب السويس إلى غزو العراق كانت مدفوعة بمبادرات وأفعال وزارية. وفي بعض الأمثلة كانت القرارات الوزارية تأتي بنتائج سلبية، مثل هوس إيدن بعبد الناصر، الذي اعتقد أنه موسوليني جديد وضع يده على حبل الوريد البريطاني عندما أمم قناة السويس. وفي حالة توني بلير، فقد أقنعه نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني والصقور في البيت الأبيض أن هجمات 9/11 وأسلحة الدمار الشامل المفترض أن العراق يملكها مرتبطة رغم عدم وجود الأدلة. ويشير أشتون ان مواقف رؤساء وزراء بريطانيا مثل هارولد ويلسون وجيمس كالاهان ومارغريت تاتشر من المنطقة العربية تأثرت بروابطهم مع الحركة الصهيونية وإسرائيل.
وأصدر مراسل «بي بي سي» جيرمي باوين كتابا عن تجربته كمراسل في الشرق الأوسط، بعنوان «تشكيل الشرق الأوسط الجديد: تاريخ شخصي» وهو كتاب يجمع ما بين السيرة الذاتية والتحليل السياسي، منذ بداية مسيرته عندما وصل وعمره 29 عاما إلى أفغانستان لتغطية الانسحاب السوفييتي عام 1989 إلى الآن. وبالتالي فهو يغطي الكثير من الحروب والثورات وهجمات 9/11 والعملية السلمية الفاشلة وتقاريره من تونس ودمشق وبيروت والقاهرة وبغداد والقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة. وبينها حرب الخليج عام 1990 التي يقول إنها جلبت القوات الأمريكية إلى المنطقة «بتداعيات قاتلة وكثيفة» لا تزال آثارها حاضرة اليوم. وأشار فيه إلى ما جرى بعد هجمات أيلول/سبتمبر 2001 والإطاحة بطالبان لم يكن كافيا لإرضاء رغبة الأمريكيين فقد كانوا «يريدون انتقاما أكبر مما كان بإمكان طالبان تقديمه». وقال إن مفارقة 1.9 تريليون دولار أنفقتها أمريكا على العراق هي أنها سلمت إيران «محور الشر» بدون أن يطلق الإيرانيون ولا رصاصة واحدة. وتذكر عندما وصل بلير إلى البصرة لمقابلة الجنود سأله باوين عن أسلحة الدمار الشامل «نظر إلي بلير للحظة ثم مشى بدون إجابة». ويكتب عن ثورات الربيع العربي ولقائه مع بشار الأسد الذي تحدث عن «متآمرين أجانب». وتحدث عن قمع ثورة البحرين حيث رافق القوات السعودية التي طلبت البحرين مساعدتها. ووصف «صفقة القرن» التي أعلن عنها دونالد ترامب وكلف صهره جارد كوشنر بالإشراف عليها وبدون استشارة الفلسطينيين بأن «كوشنر حطم الأرقام القياسية لأسرع مكان في مزبلة التاريخ». في «الصعود إلى المرتفعات: القصة الحقيقية للمحاولة السرية من أجل التوصل لسلام سوري- إسرائيلي» يسرد فردريك هوف الذي عمل في إدارة باراك أوباما بسنواتها الأولى تفاصيل محاولة فاشلة لتأمين معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل ولكنها توقفت بسبب قمع النظام السوري للمتظاهرين في 2011. وليس من الواضح إن كانت المحادثات التي عقدت وسط الكثير من العيوب ستنجح على أي حال، ويبدو أن إدارة أوباما كانت تريد لعب الوسيط وسوريا تريد تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة أما إسرائيل فقد كانت راغبة بمعاهدة سلام منفصلة عن العملية السلمية مع الفلسطينيين، واعترف هوف أن الدافع وراء العملية هو هزيمة إيران وحزب الله حليفي النظام السوري. وفي النهاية لم يحصل أي طرف على ما يريد. واعترف الكاتب أنه لم يفهم تمزق واشنطن بين دورها كعراب شريف أو هكذا نصبت نفسها ودور الهيمنة العالمية.
مئوية انهيار الخلافة
وفي التاريخ العثماني أصدر ريان غينغراس كتابا بعنوان «الأيام الأخيرة للإمبراطورية العثمانية 1918- 1922» فقد تم إلغاء الدولة العثمانية في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر بقرار من الجمعية الوطنية العليا والتي تمثل القوى الوطنية التي انتصرت في الحرب مع اليونان، وعكست الإهانة التي تجرعتها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. وتم نقل آخر سلطان وهو محمد السادس على متن بارجة حربية بريطانية وعاش آخر حياته فقيرا في إيطاليا. وقدم غينغراس في تفاصيل واسعة نهاية الدولة بعد قرن على نهايتها، وحاول فهم النهاية في سياق نهايات الإمبراطوريات في أوروبا كالقياصرة في روسيا والهاسبيرغ والسلاطنة. وتحولت تركيا في عهد الدولة الكمالية إلى دولة تبتعد عن المغامرات العسكرية الخارجية. ويرى الكاتب أن الدولة العثمانية لم تنهر نتيجة الهزيمة في حرب كونية أو تخلفها ولا المحفز الأكبر وهو تقدم اليونان في إزمير، فأتاتورك وإن استفاد من هزيمته لليونان إلا أنه لم يتخلص من الدولة العثمانية التي لا يزال أنصارها يقاومون التغير كما يقترح الكاتب.
باموك والبانوراما وروايات أخرى
وعاد الكاتب التركي والحائز على جائزة نوبل في 2006 أورهان باموك براوية جديدة بعنوان «ليلة الوباء» التي يعيد فيها القارئ إلى الزمن العثماني والأيام الأخيرة للسلطنة، وتدور أحداث الرواية في جزيرة متخيلة وهي منغيريا «لؤلؤة البحر المتوسط» أو هكذا قال الرسامون والسياح الذين سحرتهم جبالها الوعرة وحجارة عاصمتها الزهرية التي تشع عندما ترى من على بعد. وبدأ أورهان بكتابة الرواية في عام 2016 ثم جاء الوباء حيث منحه الحجر في كوفيد-19 فكرة عن الكيفية التي يمكن فيها للحجر أن يكون محفزا للثورة، وهي كروايات باموك تحتفي بالبانوراما وتحلل السياسة التركية بين حاكم الجزيرة سامي باشا الذي لا يهتم بما يقال عن الوباء ونوري بيه المتزوج من ابنة أخ السلطان الذي أرسل للتحقيق في مقتل الصيدلي الغامض الذي أرسلته السلطنة لمعالجة الوباء. ورواية باموك هي تحليل للقوى التي كانت تتصارع داخل السلطنة من أتراك ويونان، ومشايخ طلبوا من أتباعهم استخدام التعويذات لمنع انتشار الطاعون. ومن روايات هذا العام «المسافر وستيلا ماريس» لكورماك ماكرثي، وهي الأولى للروائي الأمريكي منذ عام 2016. كما ونشر الروائي البريطاني إيان ماكيوان روايته «دروس» عن مواجهة بطلها لسياسة ما بعد الحرب الباردة والبريكست. وهناك رواية محسن حميد «آخر رجل أبيض» والتي تدرس العرق والمجتمع ومعنى الآخر في مجتمع يتغير فيه لون البشرة. كما وفازت رواية السيرلانكي شيهان كارونالتيكا «الأقمار السبعة لمعالي ألميديا» بجائزة بوكر البريطانية هذا العام، وهي رواية عن لغز جريمة وأشباح تدور وسط الحرب الأهلية السيرلانكية وتحاول الحفاظ على الحياة كما هي وسط الصراع العرقي. وفي تحول ملحوظ قرر الحائز على جائزة نوبل في عام 2003 جي أم كويتزي التحول عن اللغة الإنكليزية في روايته الأخيرة ونشرها بالإسبانية أولا قبل أن تصبح متاحة باللغة الإنكليزية، ورأى مقال في مجلة «نيويوركر» (8/12/2022) أن تحول كويتزي عن الإنكليزية مرتبط بعلاقته المتأخرة مع الثقافة الأرجنتينية، حيث تم ترجمة الرواية الأخيرة «إل بولاكو» وهذه ليست المرة الأولى التي ينشر فيها أولا بلغة قبل الإنكليزية، فقد فعل هذا عندما نشر بالهولندية التي قال إنها تذكره بطفولته، فهو من الأفريكان بجنوب أفريقيا، مع أن نشأته في البيت ارتبطت بالإنكليزية كلغة الثقافة والأفريكانية كلغة في مرتبة متدنية. وتحدث عن تلك العلاقة في مذكراته «شباب». وتأتي هذه الرواية بعد نصف قرن من روايته «أرض الغروب» التي أصدرها في سبعينات القرن الماضي. يذكر أن الرواية البريطانية خسرت هذا العام روائية مهمة وهي هيلاري مانتل التي توفيت عن 70 عاما وعرفت بثلاثيتها التي منحت عليها جائزة بوكر عام 2009 وهي «قاعة الثعلب» عن صعود توماس كورومويل في بلاط هنري الثامن وأصدرت في حياتها 12 رواية منها «المرايا والنور». ومنحت لجنة جائزة نوبل جائزتها في حقل الآداب إلى الكاتبة الفرنسية آني إرنو صاحبة «خزائن فارغة» و«الحدث» و«المكان» «البنت الأخرى» و«احتلال» وغيرها، ومدحت نوبل الكاتبة لشجاعتها ودقتها والابتعاد عن القيود في البحث عن الذاكرة الشخصية.
ومن أحداث عام 2022 تعرض صاحب «قطار منتصف الليل» و«الأيات الشيطانية» سلمان رشدي لمحاولة اغتيال وهو يحضر لتقديم كلمة في ولاية نيويورك عندما هاجمه شاب اسمه هادي مطر وتركه بعين تعرضت للتلف ويد قد لا يستطيع استخدامها. وجاء الحادث في آب/أغسطس بعد سنوات من الحرية التي قضاها رشدي الذي أصدر آية الله الخميني فتوى تدعو المسلمين لقتله، بسبب إهانته للنبي محمد والرموز الإسلامية.
مئة عام على أرض اليباب
وبمناسبة المئوية الأولى على قصيدة «أرض اليباب» للشاعر إس إليوت التي ساعده على ترتيبها وتشذيبها وتحويلها لقصيدة متكاملة، عزرا باوند، خصصت قناة بي بي سي 4 ثلاث حلقات تناولت فيها حياة باوند القادم من مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري. وهي القصيدة التي درس فيها حالة أوروبا فيما بعد الحرب الأولى، وكتبها وسط عمله في بنك لويدز، حيث كان يخصص إجازة الأسبوع للعمل عليها.
وهو عمل مراوغ استحضر فيه عوفيد ودانتي وشكسبير وتراجيديا الانتقام ولعبة التاروت وكتاب الهندوس أوبانيشاد لكي يخلق صورة مدهشة عن مرحلة ما بعد الحرب في أوروبا والنفور النفسي من الحداثة. وأصدر بهذه المناسبة أيضا ماثيو هوليس سيرة للقصيدة «حياة قصيدة» حيث قال إن العمل الشعري لم يولد من فراغ، حيث ساعدته زوجته فيفيان وباوند الذي يحضر بشكل واسع في القصيدة مثل إليوت. وناقش هوليس العلاقة بين باوند وإليوت وجيمس جويس الذي كتب عوليس وانهى إليوت قصيدته ما بين عمله ومشاكله النفسية حيث قضى وقتا في كينت وسويسرا واستشار طبيبا نفسيا وهو يعمل على كل عنصر في القصيدة، من الوزن للكلمات وترتيب السطور والفقرات والعناوين. وأرسل في كل خطوة من عمله المكتوب لباوند الذي عمل بدقة وتفصيل على ترتيب القصيدة وغير الكلمات وتفكير إليوت. ويرى هوليس أن باوند ترك إنكلترا للمنفى واعتقله الحلفاء، واعترف في آخر حياته لابنته إنه لم يستمع لبوزم، لقب إليوت كما استمع الأخير له.
رسائل جون لوكاري
وصدرت في عام 2022 رسائل كاتب روايات الجاسوسية البريطاني جون لوكاري أو ديفيد كورنويل الذي توفي عام 2020، وحررها ابنه توم كورنويل الذي مات فجأة في حزيران/يونيو 2022 وتكشف عن حب الروائي المعروف وحسراته. فقد ولد جون في ظل والده المحتال روني، وكبر وهو يقوم بالإخبار عن زملائه اليساريين في جامعة أوكسفورد قبل ان يدخل عالم الجاسوسية البريطانية، في أم أي فايف وأم أي6 وخشي أن يكون مثل والده أو من «بنك الجينات المجنون» ولهذا قرر كتابة الروايات لكي لا يضر بأحد. وركزت الرسائل على حياة والده في الكتابة، وركز على تعامله مع الناشرين ومحرري الصحف الذين نادرا ما انتقدهم. وتكشف رسائله في سنواته الأخيرة عن عدم رضا بما وصلت إليه بريطانيا، فقد شارك بالتظاهرات ضد حرب العراق ووصف بلير بأنه «شخص متفاخر صغير يخرب العالم في سيارته الصغيرة» أما بوريس جونسون فقد كان أسوأ «الجبن والتنمر صفتان تمشيان جنبا إلى جنب وكان جونسون يمارس الإثنتين» ونفس الأمر عن دونالد ترامب «الحساس الذي لا يعرف الصدق والإنتقامي والمغرور بهوس» أما بوتين فقد «عين نفسه حاكما مدى الحياة». وكتب عن البريكست بانه «فعل انتحار قامت به مجموعة من الدجالين» وكان غاضبا لدرجة أنه تقدم بطلب جنسية أيرلندية وحصل عليها. وظل طوال حياته يتجنب التكريم البريطاني، رغم قبوله جوائز من فرنسا وألمانيا. وكلما كبر في العمر كلما زاد غضبه من شركات الأدوية ودعاة الحرب وحتى الجواسيس. وكتب «تعلمنا في أيامنا أننا رسل الحقيقة تعهدنا بالحديث بدون خوف أمام السلطة» وبات الجواسيس اليوم مثل «الجبناء الذين تركوا العالم تحت رحمة مجموعة من الشوفينيين المغامرين والحالمين الإمبرياليين الذين يدعمهم المال المشبوه والتلاعب والشعبوية التي تقود من فوق».
ومن اليوميات الجميلة، صدرت يوميات الممثل المعروف ألان ريكمان، توفي عام 2016 «مجنون بعمق» وهي عن حياته في السينما والمسرح وعلاقته بالممثلين والمنتجين وقلقه حول أعماله وغضبه من مراجعات النقاد. وتشمل اليوميات نقده لأعمال الآخرين وقدم فيها رؤى تستحق أن تنشر في كتاب منفصل. وتغطي اليوميات 22 عاما تبدأ من 1993 وتنتهي في 2015.
رحلوا
وتوفي في 2022 الشاعر الصومالي محمد إبراهيم ورسم، 79 عاما والمعروف بهدراوي أو سيد الكلمة، ويعد من أهم شعراء الصومال في العصر الحديث، ومات في هيرجيسيا بجمهورية أرض الصومال، وكان داعية للسلام والتعايش، وطاف بلاده بعد اندلاع الحرب الأهلية بداية تسعينات القرن العشرين محاولا التوفيق بين المتحاربين.
كما وتوفيت الكاتبة الأنثوية هالة أفشري عن 77 عاما التي كتبت في شؤون المرأة المسلمة ودرست قضية المرأة في جامعة برادفورد ونيويورك، وخرجت من إيران قبل الثورة الإسلامية بسنوات بعد ملاحقة شرطة السافاك لها.
كما وتوفي هانز ماغنوس إيزنسبيرغر، 93 عاما، الكاتب الألماني الشهير في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهو كاتب مقالات وناقد وشاعر وصحافي، حيث أصبح من أهم كتاب ألمانيا الغربية ومن ثم ألمانيا الموحدة. وتناول في كتاباته قضايا أوروبا والقومية وخاصة تلك التي ظهرت بعد سقوط يوغسلافيا، وقال مرة إنه يكره فكرة التخصص حيث جرب كل الأشكال المتوفرة مصدرا 70 كتابا في المقالات والنظريات الإعلامية والنقد والشعر بل وجرب قلمه في الرياضيات «الرقم الشيطان» وضح فيه عوالم الرياضيات الجميلة للأطفال واصبح من أهم أشهر الكتب مبيعا.
ومن بين الراحلين بيتر بروك المسرحي والمخرج السينمائي.
وعربيا خسرت الساحة الثقافية نخبة من الشعراء والنقاد والروائيين والعلماء مثل عبد العزيز المقالح، الشاعر والأكاديمي اليمني، ومظفر النواب الشاعر العراقي المعروف، وحنا أبو حنا الناقد والكاتب الفلسطيني، والروائي المصري المعروف بهاء طاهر، وصلاح فضل الناقد والأكاديمي المصري، وفاروق وادي وفيصل حوراني وغريب عسقلاني من فلسطين وكمال عياد ومجيد طوبيا من مصر، والشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين، والعالم الشيخ يوسف القرضاي وجودت سعيد وغيرهم.