عباس عالق بين الضغط الإسرائيلي واليأس الفلسطيني

حجم الخط
0

إعترف لي رجل من فتح يعتبر من الموالين لأبو مازن في نهاية الاسبوع بجدل مُر كان له مع ابنه المراهق. فدار الجدل حول مدونات غير مشجعة بصورة خاصة للرئيس الفلسطيني محمود عباس نشرها الابن. وأقنع الرجل الذي خشي الردود في الشارع الابن بأن يمحو بعض المدونات ويضبط بعضا آخر. لكنه تفهم غضب وخيبة أمل الابن وجيل الانتفاضة الثاني.
«هذا جيل نشأ بعد اوسلو وكان صغير السن جدا في الانتفاضة الثانية»، قال.
وقال إنه «جيل هتف لأبو مازن حينما تكلم من فوق منصة الامم المتحدة وطلب اعتراف العالم والمجتمع الدولي، وهو جيل اعتقد على غفلة منه أن الدولة الفلسطينية في متناول اليد ويشعر الآن بأن كل شيء يتحطم. فلا دولة ولا سيادة في لحظة الحقيقة، فهو نفس الاحتلال القاسي ونفس الحاجز ونفس المستوطنة التي تتسع أمام عينيه وعيون اصدقائه، ونفس الجيش ونفس الزيارات القاسية في منتصف الليل واعمال التفتيش – وكل ذلك بحجة الأمن»، قال، وأضاف أنه يجب عليهم في قيادة السلطة أن يدركوا أن هذا لن يستمر الى الأبد وسيرتد آخر الامر على الجميع كعصا مرتدة.
يدرك كل من يتجول في الضفة الغربية في الايام الاخيرة أن غضب ذلك الفتى ليس أمرا شاذا بل هو جو عام يشمل مدنا وقرى في الضفة من الخليل في الجنوب الى جنين في الشمال. كان يمكن الحديث بعد الاختطاف فورا عن جو صدمة اولى ممزوج بالتأييد بين حلقات كثيرة وصمت عند الباقين. وكان الرد الاسرائيلي بموجة اعتقالات واسعة متوقعا، ومن الحقائق أن الاسبوع الاول مر دون حوادث تقريبا.
لكننا أصبحنا في الايام الاخيرة نشعر بالتصعيد على الارض، فقد اصبح عدد يزداد من الشباب يخرجون الى الشوارع ويواجهون القوات: «لن تخرج أية سيارة جيب من هنا دون خدش»، يقول شاب في السابعة عشرة مفتخرا يشهد على نفسه بأنه يشارك في تلك المواجهات. كان الرد على الاعتقالات في الايام الاولى غير مبالٍ نسبيا لكن كلما زاد الاحتكاك ارتفع مستوى التوتر. «نرى الآن أنهم يدخلون البيوت عن خيبة أمل وغضب ويبدو ذلك مثل تصفية حساب مع الجميع»، أضاف.
وقد أصبحوا في الشوارع يتذكرون صور الانتفاضة الاولى، وصور الشباب الذين يواجهون ويرشقون الجنود بالحجارة والزجاجات الحارقة. لكن يدخل المعادلة في هذه المرة بخلاف الانتفاضة الاولى متغير مهم جدا وهو قوات أمن السلطة. ففي يوم الجمعة منعت قوات الشرطة الفلسطينية تقدم مسيرات نظمتها حماس في الخليل على أثر موجة الاعتقالات في المدينة. وأطلق عدد من رجال الشرطة الفلسطينية النار في الهواء لابعاد المتظاهرين الذين هتفوا احتجاجا على التنسيق الامني.
وفي رام الله لا يخفون خيبة الأمل من خطبة عباس في جدة ويُبينون أنه تحدث عن الفتيان الثلاثة بصفتهم بشرا يجب اطلاق سراحهم الى آبائهم صدورا عن الغضب. لكن يقول كثيرون إنه لم يتحدث بنفس اللهجة عن اعتداءات اسرائيل والسلوك اليومي في الضفة وعن معاناة السجناء. ولم يستوعب الشارع الفلسطيني كل ذلك بصورة حسنة. وكذلك المحاولات التي جاءت بعد ذلك من عباس لازالة الانطباع الذي بقي، لم تساعده حقا. وبدأ التعبير عن ذلك بمظاهرات ومسيرات ايضا. وقد اصبحت حماس تنقل اشارات خفية تشجع وتؤيد انتفاضة شعبية، ووجد عباس وقيادة السلطة الفلسطينية أنفسهم بين المطرقة والسندان، فهناك من جهة اسرائيل التي تضغط ولا يضعف ضغطها ومن جهة اخرى الشارع الفلسطيني الذي بدأ يُظهر علامات يأس وخيبة أمل من السلوك كله. وسيضطر عباس الى أن يبت أمره الى أين يتجه هل الى تنسيق مع اسرائيل أم الى تنسيق مع أبناء شعبه.

هآرتس 23/6/2014

جاكي خوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية