رام الله ـ غزة ـ ‘القدس العربي’ يواجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس معارضة شديدة في صفوف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الاسلامية لقراره باستئناف المفاوضات مع اسرائيل دون ان تتعهد الاخيرة باعتبار حدود الاراضي المحتلة عام 1967 اساسا لاية مفاوضات مستقبلية اضافة لرفضها وقف الاستيطان وعدم اطلاق سراح الاسرى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق اوسلو.
ولا يعرف أي من أعضاء القيادة الفلسطينية فحوى الخطة الأمريكية التي ستستند إليها مفاوضات السلام المتوقع انطلاقها قريبا مع إسرائيل، وتباينت المعلومات التي تم تداولها نقلا عن مسؤولين ومصادر فلسطينية حول الملف، مما دعا مؤسسة الرئاسة للإعلان عن أن ياسر عبد ربه ونبيل أبو ردينه هما المخولان بإصدار التصريحات الرسمية، في وقت تواصلت فيه التنديدات الفلسطينية بقرار استئناف المفاوضات، لدرجة وصلت للمطالبة بمحاسبة الرئيس محمود عباس.
وكانت معارضة فصائل منظمة التحرير تصاعدت ضد عباس عقب قبوله باستئناف المفاوضات وعدم اكتراثه بمعارضتها، واستناده في قرار العودة لمحادثات السلام الى موقف اللجنة المركزية لحركة فتح التي صوتت الخميس الماضية بالاغلبية لصالح استئناف المفاوضات اذا ما كانت على اساس حدود الاراضي المحتلة عام 1967، والتخلي عن المطلب الفلسطيني السابق بضرورة وقف الاستيطان.
وتواصلت ردود الفعل الفلسطينية المعارضة لقرار عباس الاحد رغم التسريبات الفلسطينية بانه حصل على ضمانات اميركية مكتوبة من وزير الخارجية الامريكي جون كيري تؤكد على ان مرجعية المفاوضات هي حدود الاراضي المحتلة عام 1967، اضافة لتجميد هادىء للاستيطان، والعمل على اطلاق سراح عدد من الاسرى الفلسطينيين المعتقلين منذ ما قبل اتفاق اوسلو.
وفيما حرصت مصادر فلسطينية مقربة من عباس على تسريب انباء بشأن حصول الرئيس الفلسطيني مساء الجمعة الماضي على ورقة ضمانات امريكية تلتزم بحدود عام 1967 كمرجعية لعملية السلام، تواصل التشكيك الفلسطيني الاحد في اهمية الضمانات الامريكية كون واشنطن منحت الفلسطينيين خلال السنوات الماضية الكثير من الضمانات والتعهدات ولم تلتزم باي شيء منها على حد ما يدور في الاروقة السياسية الفلسطينية.
وللحد من تأجيج حالة الغضب وخلط الاوراق بشأن قرار استئناف المفاوضات قرر عباس الاحد منع اعضاء اللجنة المركزية لفتح واعضاء التنفيذية للمنظمة من الحديث باسم تلك الاطر القيادية، وحصر الحديث باسمها بياسر عبد ربه كأمين سر للجنة التنفيذية ونبيل ابو ردينة كناطق باسم مركزية فتح.
وفي ذلك الاتجاه نشرت وكالة الانباء الفلسطينية الرسمية الاحد بيانا قالت فيه: وفي ضوء ذلك، اكدت الرئاسة الفلسطينية على ان الجهة الوحيدة المخولة بإصدار مواقف تعبر عن منظمة التحرير الفلسطينية، والرئاسة الفلسطينية، تتمثل بامين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، والناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل ابو ردينة.
وشددت الرئاسة الفلسطينية: على ان أي مواقف او تصريحات يتم الادلاء بها او تسريبها الى وسائل الاعلام لا تمثل الموقف الرسمي الفلسطيني ولا تعبر عن أي موقف رسمي.
وجاء حصر الحديث باسم مركزية فتح واللجنة التنفيذية بابو ردينة وعبد ربه في ظل تصاعد المعارضة في صفوف فصائل المنظمة لقرار عباس القبول بالعودة لطاولة المفاوضات رغم عدم التزام اسرائيل بقبول حدود عام 1967 كاساس ومرجعية للمفاوضات، ورفضها وقف الاستيطان ، واطلاق سراح جميع الاسرى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق اوسلو.
وفي ظل حالة الغضب السائدة فلسطينيا طالب رباح مهنا عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الفصيل الثاني في منظمة التحرير الأحد المجلس المركزي الفلسطيني للانعقاد العاجل لمحاسبة عباس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إثر قرار العودة للمفاوضات، دون التزام اسرائيل بوقف الاستيطان في الاراضي الفلسطيتية المحتلة عام 67.
ودعا مهنا في تصريح صحافي جماهير الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات إلى الخروج العارم للاحتجاج على المفاوضات ‘المدمرة والضارة’ بالقضية الفلسطينية، لممارسة ضغط حقيقي على عباس، يوازي الضغط الذي يمُارس عليه من الولايات المتحدة وبعض البلدان العربية.
وكانت جهود وضغوط مارسها وزير الخارجية الأمريكي أسفرت عن موافقة منظمة التحرير ممثلة بالرئيس عباس واللجنة التنفيذية على العودة للمفاوضات المجمدة منذ عام 2010 مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما أثار ردود فعل متباينة حول هذا القرار.
ومن جهته جدد صالح رأفت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الاحد التأكيد على ضرورة عدم العودة للمفاوضات خاصة في ظل المواقف المعلنة، ومن أعلى المستويات الإسرائيلية، بمن فيها من نتنياهو والمتحدثين باسمه، حول عدم القبول بحدود الرابع من حزيران عام 1967 كأساس لمثل هذه المفاوضات، ورفض الوقف الكامل للاستيطان والتدليل على ذلك بإجراءات عملية على الأرض كانت واضحة للقاصي والداني بالقرارات التي اتخذت في الآونة الأخيرة وتضمنت مصادرة عشرات الآلاف من الدونمات لصالح بناء المزيد من المستوطنات أو توسيع القائم منها سواء في أراضي الضفة الغربية عموما أو في القدس الشرقية المحتلة والأغوار خصوصا.
وانطلاقا من ذلك دعا صالح في بيانه الذي ارسل لـ’القدس العربي’ القيادة الفلسطينية إلى عدم إرسال أي وفد من قبلها إلى واشنطن ما لم توقف إسرائيل كل أشكال النشاطات الاستيطانية، وتعلن، وبشكل واضح ولا لبس فيه، التزامها بحدود الرابع من حزيران عام 1967 كأساس للمفاوضات وكحدود فاصلة بين الدولتين، وأن تلتزم بإطلاق سراح جميع الأسرى الذين اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو، وإطلاق سراح دفعة كبيرة من الأسرى لا تقل عن 1000 أسير، وتشمل القادة والنواب والمرضى والأطفال والنساء.
وطالب رأفت القيادة الفلسطينية بعدم تضييع الوقت مع اسرائيل الرافضة لوقف الاستيطان والالتزام بحدود عام 67 كاساس للعملية السلمية بالتوجه فورا إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل اتخاذ قرارات تدين السياسات التعسفية الإسرائيلية، وفي مقدمتها بناء المستوطنات، وتلزمها بوقفها تحت طائلة فرض عقوبات عليها، والشروع في المستوى ذاته في الإجراءات اللازمة لانضمام دولة فلسطين إلى المؤسسات والاتفاقيات والمنظمات والوكالات الأممية، وخاصة محكمة الجنايات الدولية، استمرارا للحملة السياسية والدبلوماسية والقانونية الفلسطينية من أجل تعميق عزلة إسرائيل وضمان أوسع حملة مقاطعة لها وصولا إلى فرض عقوبات دولية عليها.
ولم تستطع التسريبات من قبل المؤيدين للعودة للمفاوضات من اعضاء القيادة الفلسطينية حول وجود ضمانات امريكية ان تخفف من حدة مواقف المعارضين، في حين يجري الحديث بان ورقة الضمانات الامريكية التي قدمت مساء الجمعة لعباس من اجل استئناف المفاوضات تضمنت ثلاث نقاط رئيسية للجانب الفلسطيني، وهي:
– تعهد بأن تكون المفاوضات على أساس حدود الرابع من حزيران عام 67
– تجميد هادئ للاستيطان دون ان تعلن الحكومة الاسرائيلية ذلك بشكل علني، وهو اتفاق على عدم طرح عطاءات جديدة للبناء في التجمعات الاستيطانية الاساسية، كذلك وقف النشاط الاستيطاني في المستوطنات المنعزلة وكذلك البؤر الاستيطانية.
– الافراج عن أسرى معتقلين منذ ما قبل أوسلو دون تحديد عددهم.
الا ان تلك الضمانات الامريكية تواجه شكوكا فلسطينيا بذريعة ان واشنطن لن تف باي وعد او التزام قطعته للفلسطينيين على مدار العشرين عاما الماضية على حد قول احد اعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح الذي عبر عن غضبه من قرار العودة للمفاوضات في احد مجالسه مساء الجمعة، وقال امام ‘القدس العربي’ ‘عدنا للمفاوضات من الصفر، واسرائيل لن تعطينا شيئا لانها لا تخاف منا، ولن تخاف منا الا اذا اصبح عندنا قيادة حقيقية، وعدنا للمقاومة’، مشككا في مقدرة القيادة الفلسطينية الحالية على تحقيق طموحات الفلسطينيين، وقال في تلك الجلسة التي حضرتها ‘القدس العربي’ ‘نحن عندنا ازمة، قيادة،لا يوجد قيادة عندنا’، وذلك في اطار تعبيره عن غضبه من قرار استئناف المفاوضات دون التزام اسرائيل بأي شيء، وقال ‘نحن عدنا لنتفاوض على الصفر’.
وتمتنع ‘القدس العربي’ عن نشر اسم ذلك المسؤول لانه كان يتحدث في جلسة خاصة بعيدا عن وسائل الاعلام.
ومن جهتها قالت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الاحد ‘إن عودة السلطة الفلسطينية للمفاوضات مع إسرائيل استنساخ للفشل’، مشيرا داوود شهاب الناطق باسمهما الى ان ‘هناك إجماع وطني فلسطيني رافض للعودة للمفاوضات والسلطة تقفز على هذا الإجماع وتستجيب للضغوطات والابتزازات الأمريكية’.
قال فصيلان من منظمة التحرير الفلسطينية أن العودة للمفاوضات في هذا التوقيت وفي ظل المتغيرات الدولية الحالية خطأ خاصة في ظل عدم تلبية شروط القيادة الفلسطينية.
ومن جانبه أدان حزب الشعب الفلسطيني قرار عباس بالعودة إلى المفاوضات مع الاحتلال، معتبرا انه خطأ كبير.
وقال وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الصفقة التي أعلن عنها كيري هي صفقة ناقصة تقترب إلى حد كبير من الموقف الإسرائيلي، مشيرا إلى أن هناك استئنافا للمفاوضات ليس على أساس حدود الرابع من حزيران عام 1967، وأن هناك تهربا من إطلاق سراح أسرى، مشيراً إلى أن إسرائيل ستواصل بناء المستوطنات، ما يعني أن المفاوضات ستنطلق بينما جرافات الاحتلال ومستوطنوه يعيثون فساداً في الأرض الفلسطينية ما يحول دون إقامة دولة مستقلة.
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اعلن في عمان الجمعة أن الإسرائيليين والفلسطينيين وافقوا على الدخول في محادثات سلام مباشرة تبدأ الأسبوع المقبل في واشنطن. وذكرت حركة حماس الإسلامية إن استئناف محادثات السلام المباشرة مع إسرائيل خطير للغاية.
وصرح سامي أبو زهري المتحدث باسم حركة حماس بأن قرار عباس استئناف المحادثات مع إسرائيل يتناقض مع الإجماع الوطني الذي يتفق الفلسطينيون عليه، مضيفا ‘ان استنئاف المحادثات يخدم الاحتلال فقط ويمنح غطاء للتوسع في الاستيطان’.