عبد الرزاق غورناه ومركزية المنظور الأوروبي عن الاستعمار

جوليان بيري | ترجمة: عبدالله الحيمر
حجم الخط
0

غائبا عن قوائم توقعات ناشري الكتب المرشحة لجائزة نوبل للأدب، حصل الكاتب عبد الرزاق غورناه على جائزة نوبل للأدب المرموقة، ما أثار دهشة النقاد وناشريه، والكاتب نفسه. عندما اتصلت به الأكاديمية السويدية، قال الفائز «اعتقدت أنها مزحة» حسبما ذكرت وكالة فرانس برس. ومع ذلك، فقد تمت مكافأة هذا الروائي، خاصة عن «روايته المتعاطفة والمتصلبة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين المحاصرين بين الثقافات والقارات» وكذلك «ارتباطه بالحقيقة ونفورها من التبسيط». من خلال تتويج عمل يتمحور حول الاستعمار والهجرة، يكرس نوبل الأسئلة الحالية بين الاعتذارات التذكارية وتوترات الهوية.
ستكون جائزة نوبل في الأدب رقم 118 في الترتيب العالمي للجائزة (من بين 118 فائزا في الأدب منذ إنشاء الجوائز عام 1901 (95) أو ما يقرب من 80% من الأوروبيين أو الأمريكيين الشماليين).فرصة في المجال الناطق بالفرنسية، لإبراز وترجمة وفهم عمل التنزاني عبد الرزاق غورناه، وهو عمل لا هوادة فيه لم يتوقف أبدا عن استكشاف آثار الاستعمار وصراع الثقافات. وأوضح أن عمله يبتعد عن «الأوصاف النمطية، ويفتح أعيننا على شرق افريقيا المتنوع ثقافيا غير المعروف كثيرا في أجزاء كثيرة من العالم». وقد ألف غورناه 10 روايات وعددا من القصص القصيرة، وأهم رواياته: «ذاكرة المغادرة ذاكرة الرحيل» (1987) «طريق الحج» (1988) «دوتي» (1990) «الجنة» (1994) «الإعجاب بالصمت» (1996) «عن طريق البحر» (2001) «الهجران» (2005) «الهدية الأخيرة» (2011) «القلب الحصى» (2017) و»الحياة بعد الموت» (2020) والمجموعة القصصية: «أمي عاشت في مزرعة في افريقيا» في عام 2006. بالإضافة إلى أعماله الروائية والقصصية، قام بتحرير مجلدين من «مقالات عن الكتابة الافريقية» ونشر مقالات عن عدد من كتاب ما بعد الاستعمار المعاصرين. لقد تمت ترجمة ثلاث من رواياته للفرنسية: «الجنة» (1994) و«طريق البحر» (2001) التي توجت سنة 2007 بجائزة شاهد على العالم، ورواية «الهجران» (2009) فقد نفدت طبعتها الآن. فشلوا في فرض عبدالرزاق غورناه كمؤلف أساسي في الفرانكفونية. انضم إلى العدد القليل الفاضح لفائزي جائزة نوبل للآداب المولودين في افريقيا من البيض: نجيب محفوظ، نادين جورديمر، وجون ماكسويل كويتزي،، وواحد أسود هو وولي سوينكا (1986). وهناك أيضا كامو وكلود سيمون، ولدوا في القارة الافريقية، وتحديداً في الجزائر ومدغشقر، وهذا لا يغير العدد المخيب للآمال حتما… لذلك تحاول الأكاديمية السويدية تقليل هذا التأخير الرمزي (الانفتاح على العالم وتحرير نفسها من رؤية ذكورية للغاية وأوروبية المركز، كانت هذه هي الرغبة التي صاغتها اللجنة في عام 2019. وغالبا ما تُنتقد الأكاديمية بسبب مركزيتها الأوروبية، وقد سعت منذ عام 2019 لتوسيع آفاقها. حتى لو حرص رئيس لجنة نوبل على إعادة التأكيد في بداية الأسبوع على أن «الجدارة الأدبية» ظلت «المعيار المطلق والفريد».

لغة السواحيلية والعربية

ولد عبد الرزاق غورناه عام 1948 في زنجبار – وهي أرخبيل يقع قبالة سواحل شرق افريقيا وهي الآن جزء من تنزانيا. ترجع أصوله إلى اليمن من خلال عائلته، وقد فر من زنجبار إلى إنكلترا في أواخر الستينيات، وهي جزيرة عالمية شهدت فترات عديدة من الهيمنة: البرتغالية والهندية والعربية والألمانية ثم البريطانية… لكن في عام 1963، انزلقت زنجبار، التي تحررت بصعوبة من الإمبراطورية البريطانية، في ثورة دموية. تعرض فيها المواطنون من أصل عربي للاضطهاد والذبح، ما اضطر عبد الرزاق غورناه الذي ينتمي إلى هذه الأقلية، إلى الفرار في سن 18 واللجوء إلى إنكلترا. لم يستطع العودة إلى موطنه الأصلي حتى عام 1984 قبل وقت قصير من وفاة والده. ثقافته متجذرة بالأساطير السواحيلية، وبلغة سواحيلية ساحرة جمعت مفرداتها ومفاهيمها من العربية والهندية ومن التاريخ الاستعماري للشرق الافريقي. ثقافة عالمية تشكلت بالحرف والعرق المشترك، التي يمكن العثور عليها في أعماله، استكشاف آلام المنفى، واستبطان السيرة الذاتية والتأمل في حالة الإنسان.

العنصرية والاستعمار

جاء عبد الرزاق غورناه إلى المملكة المتحدة عام 1968 للدراسة، على الرغم من أنه كان يكتب منذ أن كان عمره 21 عاما، إلا أنه لم يتم نشر أعماله حتى عام 1987 مع 10 روايات وقليل من القصص القصيرة منذ ذلك الحين. تتميز جميع أعماله منذ ذلك الحين بموضوع الهجرة والعنصرية والاستعمار. من بين مصادر إلهامه، حكايات ألف ليلة وليلة والشعر الفارسي وشكسبير. في إنكلترا، عمل في مهنة أكاديمية، وأصبح أستاذا للغة الإنكليزية وأدب ما بعد الاستعمار في جامعة كنت، وتخصص في دراسة المؤلفين وول سوينكا ونجوج واثيونغو وسلمان رشدي. في مقال في صحيفة «الغارديان» البريطانية، نُشر عام 2004، أوضح عبد الرزاق غورناه أنه بدأ الكتابة في سن 21 عاما، بعد فترة وجيزة من انتقاله إلى إنكلترا. قال إنه «سقط» في الكتابة دون أن يتوقع ذلك. وأوضح: «بدأت في الكتابة بشكل عرضي، في قدر معين من الألم، دون أي فكرة عن خطة، لكن في عجلة من أمري بالرغبة في قول المزيد».
نحن لا نتوقف أبدا عن إعادة النظر في ذاكرته، دونها لا يوجد حاضر أو مستقبل ممكن. مع الروائي عبد الرزاق غورناه، تتكون هذه الذكرى من الدموع. تداخل الهجرة في رواية «الهجران» (2005) بين ثلاث طبقات والعديد من وجهات النظر في استحضار المستوطنين الإنكليز، الذين يغادرون افريقيا، دون القلق بشأن الفوضى التي أحدثوها، لكن أيضا الجيل الجديد من التنزانيين الذين هجروا بلادهم لتجربة حظهم في الخارج.
يروي كتابه الأخير الذي نُشر بالإنكليزية العام الماضي، «بعد الحياة» قصة حمزة، الصبي الذي انضم إلى القوات الاستعمارية الألمانية في مطلع القرن العشرين، ولا يزال في تنزانيا. أُجبر حمزة على القتال ضد أسرته، وكان يعامل مثل العبد، وسيعود بعد خمس سنوات من الحرب إلى قريته التي أصبحت غريبة عنه.

هويات ممزقة

يقول الباحث لوكا برونو، عن أعمال عبدالرزاق غورناه: «تهيمن عليها مسائل الهوية والتشريد، وكيف تتشكل من خلال إرث الاستعمار والعبودية». مبدعا، يلعب بالاتفاقيات، وعلى التأثير المدمر للهجرة في سياق جغرافي واجتماعي جديد على هويته. يتجنب أي حنين إلى فترات ما قبل الاستعمار، وأي انزياح عاطفي لها أيضا، تمكنت كتب عبد الرزاق غورناه من استعادة تعقيد ومفارقات الهويات الممزقة، في الهجرة الدائمة بين اللغات والقارات، بين الاستعمار والعبودية، بين الماضي والحاضر، لكن أبطال غورناه يعيدون بناء أنفسهم بصبر، بما في ذلك من خلال العلاقات الرومانسية والنظر إلى التاريخ وجها لوجه.
ويظهر المؤلف أن كل مصير يحتوي على الكثير من المفارقات، وهكذا في روايته «الهجران» كتب: «هناك» أنا « في هذه القصة، لكنها ليست قصة عني. إنها قصة عنا جميعا. ما نتحدث عنه هو كيف تحتوي القصة على العديد، وكيف أنها لا تنتمي إلينا، لكنها جزء من التيارات العشوائية للعصر الذي نعيش فيه، وكيف تلتقطنا القصص وتجذبنا إلى الأبد.
في تقديم جائزة نوبل، دعا عبد الرزاق غورناه أوروبا بشكل خاص إلى اعتبار اللاجئين من افريقيا ثروة. «يأتي الكثير من هؤلاء الناس بدافع الضرورة، وأيضا بصراحة لأن لديهم ما يعطونه. وقال الكاتب في مقابلة مع مؤسسة نوبل «إنهم لا يأتون خاليي الوفاض» داعياً إلى تغيير النظرة إلى «الأشخاص الموهوبين والحيويين».

جوليان بيري / ترجمة بتصرف
عن مجلة LE TEMPS/ 7 أكتوبر 2021

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية