الرباط ـ «القدس العربي»: في حوار جديد من حوارات المشهد السياسي المغربي في أفق الانتخابات المقبلة، تلتقي “القدس العربي”، عبد المنعم لزعر، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري في كلية الحقوق السويسي جامعة محمد الخامس الرباط. ويتقاطع الحوار الجديد مع سابقيه في عدة آراء، كما يحتوي على قراءة متأنية في القوانين الانتخابية، ويتوقف عند التوترات بين الأحزاب السياسية، ونسبة المشاركة والمنافسة بين مكونات المشهد الحزبي السياسي في المغرب، ويسائل حظوظ حزب “العدالة والتنمية” الذي يقود الحكومة.
أول ما تحدث عنه لزعر هي القوانين الانتخابية الجديدة، وذلك جواباً على سؤال لــ”القدس العربي” حيث أكد أن “المسلسل الانتخابي يمر من العديد من الحلقات من بينها إقرار القوانين الانتخابية، وهي مرحلة مهمة لها رهانات معيارية وسياسية حاسمة، فكل قاعدة انتخابية يتم اعتمادها وكل صيغة معيارية يتم الاستثمار فيها تكون نتاجاً لظرفية وسياقات أو تستجيب لهذه الظرفية وهذه السياقات لها تأثيرات قد تكون حتمية أو احتمالية أو عكسية”.
وأوضح أن “اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين لم يكن ليتم اعتماده لو نجحت آلية العتبة الانتخابية في تحقيق رهاناتها خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2016”.
وأضاف قائلاً: “تسألني عن تأثير هذه المعايير على نسبة المشاركة، أقول إن لكل صيغة معيارية أو قاعدة انتخابية تأثيرات سياسية أو انتخابية وكذلك تأثيرات على سلوكات الأحزاب السياسية والمرشحين من جهة وسلوكات الناخبين وكل قاعدة انتخابية تخلق فرصاً سياسية أو تجهز على فرصة قائمة، وكذلك تخلق حوافز للفاعلين وللناخبين أو تعدلها، فصيغة القاسم الانتخابي المعتمدة على سبيل المثال خلقت فرصة للأحزاب السياسية المحتلة للصف الثالث وما بعده للحصول على مقعد انتخابي على مستوى الدوائر الانتخابية التي كان يحصل فيها حزب العدالة والتنمية أو الأصالة والمعاصرة على مقعدين، كما أن هذه الصيغة يمكنها أن تبلور أنماط سلوك معينة بحسب طبيعة المزاج السياسي للناخبين خلال يوم الانتخاب أو قبله، وهذا السلوك قد يكون في اتجاه إبداع تعبيرات جديدة على مستوى المشاركة، خاصة بعدما تم تفريغ على سبيل المثال التصويت بورقة بيضاء من رهاناته بسبب صيغة القاسم الانتخابي الجديدة”.
تصاعد حدة التوتر بين الأحزاب
وجواباً على سؤال حول تصاعد حدة التوتر بين الأحزاب السياسية في هذه المرحلة، قال الأستاذ الجامعي إنها “عنوان المرحلة التي تلي مرحلة إقرار القوانين الانتخابية، ففي هذه المرحلة يتم اختيار المرشحين للانتخابات المقبلة، وعملية الاختيار هي مندمجة أولاً في الرهانات الكلية للعملية الانتخابية، وثانياً في الرهانات المتباينة للأحزاب السياسية، لذلك فاختلاف الرهانات يولد صراعات بتعبيرات مختلفة، وهذه الرهانات تتحول بدورها إلى موضوع صراع، لأن اختيار المرشح في ظل عملية انتخابية يحسمها الأشخاص بدل السياسات يعد الفعل الحاسم في رسم مستقبل الخريطة الانتخابية. صحيح أن للقواعد الانتخابية دوراً مهمّاً، ولكنها لا تصل إلى الدور الذي تلعبه الشخصيات السياسية ومحترفو الانتخابات، فالحزب الذي يبحث عن الفوز يجب عليه أن يفوز أولاً بمرشحين قادرين على الفوز ويملكون القدرة والرساميل اللازمة لتحقيق الفوز، لذاك فكل ما نعاينه من سلوكات هي نتاج لصراع بطبيعة الانتخابيةـ وهو الصراع حول المرشحين”.
مسألة انحصار المنافسة بين أحزاب معينة، كانت محور سؤال “القدس العربي” وفي هذا الباب أوضح أستاذ علم السياسة أنه “مبدئياً هناك أربعة أحزاب سياسية تتنافس على الصدارة انسجاماً مع رهاناتها ووزنها الانتخابي، وهي حزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال”. واستطرد قائلاً: “لكن حظوظ هذه الأحزاب ترتبط أولاً بطبيعة المرشحين ثم بالحالة المزاجية للناخبين، وأخيراً بمستويات ومعدلات المشاركة، هناك العديد من التحديات والصعوبات التي تواجه كل حزب في حسم صدارة الانتخابات المقبلة لصالحه”.
وحسب المتحدث، فإن “حزب العدالة والتنمية له مناصرون دائمون، ولكنه سيفقد صوت الناخب المتموقع في الوسط، ويمكنه أن يواجه تعبيرات تصويت عقابية أو احتجاجية قد تؤثر على نتائجه، أما بالنسبة لحزب الاستقلال فيعيش حالياً صراع التخلص من مأزق أمينه العام السابق حميد شباط، هذا الملف يؤثر على تركيز الحزب، لكن صيغة التصويت في يوم واحد تشريعياً ومحلياً قد تعزز حضوره بالنظر لقدرته على تحقيق التغطية الشاملة محلياً على مستوى الترشيحات، بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة يملك حظوظاً قوية للفوز، حاول الحزب تدارك أخطاء الانتخابات التشريعية السابقة من خلال تغيير القيادة وتغيير الرهانات ومهادنة حزب العدالة والتنمية وتغيير تموقعه السياسي واستراتيجيته الانتخابية، حيث يمكن للحزب أن يستفيد من التصويت الشخصي، ويمكنه منافسة حزب التجمع الوطني للأحرار على عينة واحدة من الناخبين أما بالنسبة لحزب التجمع الوطني للأحرار فالحزب جاهز من حيث الرساميل المادية والبشرية للفوز، لكنه سيواجه منافسة وتشويشاً استراتيجياً من حزب الأصالة والمعاصرة. من خلال هذه القراءة، يبدو أن هناك تناوباً سياسياً بدأت تتبلور مؤشراته، لكن هل هذا التناوب سيكون تحت عنوان الأصالة والمعاصرة أم تحت عنوان التجمع الوطني للأحرار؟ الوقت ما زال مبكراً لتقديم جواب يقيني على هذا السؤال”.
نسبة المشاركة المتوقعة
وفصّل الأستاذ الجامعي حديثه عن نسبة المشاركة المتوقعة، مؤكداً أنها “تتأثر بطبيعة الموجات الطاقية التي تخترق السياقات واللحظة التي تسبق الانتخابات، كما تتأثر بطبيعة القواعد الانتخابية ورهانات الفاعلين وتتأثر كذلك بحصيلة الحكومة وأداء الأحزاب السياسية، وتزداد مؤشراتها كلما ابتعدت المؤسسات عن رهانات وهموم الناخبين والمواطنين”.
الشيء الأكيد، يضيف لزعر، “هو أن الانتخابات المقبلة قد تؤشر على مرحلة مختلفة، وقد تفرز تعبيرات وسلوكات غير متوقعة، فلحظة الصمت السائدة هي أصعب لحظة في السياسة. لذلك أرى أن هذه الدعوات ما هي إلا تعبيرات دون وزن طاقي، الظاهرة التي لها وزن هي ظاهرة الصمت السياسي للمجتمع، ومن الصعب توقع تعبيرات هذا الصمت على المستوى الانتخابي”.
حظوظ حزب العدالة والتنمية في تحقيق النتائج نفسها التي حققها في الانتخابات السابقة، أكد أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري أن “هناك العديد من المؤشرات التي تفيد بأن الحزب فقد جزءاً من حيويته، وقد يفقد معها قدرته الانتخابية”. ومن بين تلك المؤشرات ذكر الباحث الأكاديمي “طبيعة القواعد الانتخابية المعتمدة، غياب ورقة عبد الإله بن كيران، سلسلة القرارات الحكومية المؤلمة، نتائج الانتخابات المهنية، انتقال عدد من مناضلي وعدد من برلمانيي الحزب إلى أحزاب سياسية أخرى… وغيرها من المؤشرات التي تشير إلى أن العقل السياسي للحزب يستبعد فوزه مرة أخرى بنتائج الانتخابات المقبلة، كما أن الموجة الطاقية التي تعكس نوايا التصويت تدعم هذه القراءة، لكن هذه المؤشرات مع ذلك تبقى عبارة عن فرضيات، فما دامت الانتخابات هي عبارة عن لحظة لا يقينية أو شبه يقينية، فإن الأحزاب السياسية التي ذكرت تبقى معنية برهان الصدارة، وفي نهاية المطاف فإن النتيجة ستعكس الحالة المزاجية للناخبين”.
وختمت “القدس العربي” أسئلتها مع أستاذ علم السياسة بتقارب الصراع بين أحزاب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة وطبعاً الاستقلال، وهل ستظل توقعات الفوز محصورة بين هذه الأحزاب؟ فأبرز عبد المنعم لزعر أنه “بطبيعة الحال كل المؤشرات تفيد بأن الصراع سيكون بين هذه الأحزاب السياسية، وبالإضافة إلى هذا الصراع، ستكون هناك صراعات أخرى تغذّي الصراع المركزي، صراع بين الشخصيات وصراع بين المعارضة السابقة والأغلبية السابقة، صراع بين الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار… وفي جميع الحالات فإنه خلال هذه المحطة الانتخابية لن يكون للصراع معنى وتعبيرات سياسية، وإنما ستكون للصراع تعبيرات شخصية ستكون هذه الانتخابات محطة للصراع الشخصي والتنافس الشخصي، وهي محطة لن تحسمها الأحزاب السياسية والبرامج الانتخابية، وإنما ستحسمها الشخصيات السياسية والخبرة الانتخابية”.