عبر مزيد من مزج الدبلوماسيَّة باللاهوت… هكذا يحاول ترامب مساعدة نتنياهو

حجم الخط
0

انزاحت إلى الهوامش الدَّاخليَّة في الصحافة الإسرائيليَّة أنباء الاحتقان الحكومي بفعل انقضاء المهلة الممنوحة من قبل رئيس الدولة ريؤوبين ريفلن لزعيم حزب أزرق أبيض بني غانتس بتشكيل الحكومة حيث انتهت تلك المهلة مع حلول منتصف ليل أمس الأول الأربعاء؛ وقد كان بنيامين نتنياهو قد فشل هو أيضاً في ذلك من قبل كما هو معروف؛ وكل ذلك السياق من الفشل في إخراج حكومة إسرائيليَّة عتيدة إلى النُّور قد يفتح المجال أمام احتمال الذهاب إلى انتخابات ثالثة في غضون أقل من عام، الأمر الذي يصفه كل أعضاء الطبقة السياسية في إسرائيل بالأمر الكارثي، أو ربَّما – وفي المقلب الآخر – يضطر ذلك بني غانتس وائتلاف أبيض أزرق للذهاب إلى تشكيل حكومة ضيِّقة بدعمٍ من القائمة العربيَّة المشتركة في الكنيست الإسرائيلي؛ الأمر الذي يعتبره كل من الليكود بزعامة نتنياهو وحزب إسرائيل بيتنا بزعامة أفيغدور ليبرمان بمثابة كارثة قوميَّة وتهديد وجودي لمستقبل إسرائيل، وقال نتنياهو في هذا السِّياق:
إنَّهم سيحتفلون في كلٍّ من طهران والضَّاحية الجنوبيَّة في بيروت وفي غزَّة بتشكيل مثل هكذا حكومة مدعومة من النُّواب العرب الذين يُطالبون بإرسال ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي إلى المحاكم الدَّوليَّة بتهمة ارتكاب جرائم حرب؛ موجِّهاً نقداً لاذعاً إلى حزب الجنرالات « أزرق أبيض» بزعامة بني غانتس كرئيس أركان أسبق وكلٍّ من موشيه يعلون كوزير دفاع أسبق وكذلك الجنرال غابي أشكنازي؛ هذا في الوقت الذي يزيد أفيغدور ليبرمان من ضغوطه الابتزازيَّة على كلا حزبيِّ الليكود وأبيض أزرق لجهة تلبية شروطه المتضمنة تشكيل حكومة موسَّعة على قاعدة استبعاد المتدينين من جانب الليكود واستبعاد النواب العرب من جانب بني غانتس وفريقه.

الاحتقان السياسي الدَّاخلي

وفيما انزاح الاهتمام الصحافي والإعلامي بكل تلك الجلبة بفعل الاحتقان السياسي الدَّاخلي إلى الهوامش؛ احتل قرار الإدارة الأمريكيَّة باعتبار المستوطنات الإسرائيليَّة قانونيَّة باعتبارها حقا تاريخيّا وطبيعيّا للشعب الإسرائيلي في أرضه محور اهتمام كل الصَّحافة ووسائل الإعلام الإسرائيليَّة منذ فجر اليوم الثلاثاء التاسع عشر من تشرين الثَّاني/ نوفمبر؛ فقد جاء هذا القرار كعنوان رئيسي في كل الصحف الإسرائيليَّة إضافةً إلى احتلاله عناوين أغلب المقالات التحليليَّة ومقالات الرَّأي. وفي صميم ودلالات هذا القرار وكما قُرئ في إسرائيل على الأقل انسجامٌ تام مع الرُّؤية الإسرائيليَّة باعتبار أراضي الضِّفة الغربية أراضي متنازعا عليها وليست أراضي خاضعة للاحتلال؛ وذلك بخلاف ما تعكسه وجهة النظر التي تمليها القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينيَّة؛ وهذا بالضَّبط ما ركَّزت عليه الصحافة الإسرائيليَّة غداة الإعلان عن القرار الأمريكي الأخير.
كما عبَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته يسرائيل كاتس والعديد من أعضاء مركز الليكود عن غبطتهم بهذا القرار معتبرين إيَّاه تصحيحا لظلمٍ تاريخي تجاه النظرة الأمريكيَّة للاستيطان. بنيامين نتنياهو فضل الاحتفال بهذا القرار في مجمع غوش عتصيون؛ المجمع الاستيطاني الأضخم في الضفة الغربية، وذلك أثناء لقائه أعضاء مجلس المستوطنات في الضفة الغربية هناك غداة الإعلان عن القرار الأمريكي.

الجانب القانوني

في الجانب القانوني يُعتبر هذا القرار تراجعاً للإدارة الأمريكيَّة الحاليَّة عن الرَّأي القانوني الذي التزمت به الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة منذ عام 1978؛ أيْ منذ عهد إدارة الرَّئيس جيمي كارتر، راعية مفاوضات السَّلام بين مصر وإسرائيل في ظل حكومة الليكود بزعامة مناحيم بيغن؛ حيث كان موضوع ترتيبات الحكم الذَّاتي للفلسطينيين وكذلك مستقبل الاستيطان أحد محاور مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل حينئِذٍ.
كما هو معروف؛ فهذا القرار للإدارة الحاليَّة بزعامة دونالد ترامب ليس هو الأول في هذا المضمار – مضمار مزيد من مزج الدبلوماسيَّة الأمريكيَّة لصالح الادِّعاءَات التاريخيَّة الإسرائيليَّة حول المكان، وهو الأمر الذي حاولت كل الإدارات الأمريكيَّة السابقة تجنبه – فقد سبقه قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقرار الاعتراف بقانونيَّة ضم الجولان السوري للسيادة الإسرائيليَّة وهذا المزج يأتي على قاعد الانحياز للرِّواية الإسرائيليَّة القائمة على أساس وجهة نظر الاتجاه العام لعلم التَّاريخ التَّوراتي؛ الَّذي بدوره أصبح موضع شك أصلاً من قبل عديد من العلماء الإسرائيليين أنفسهم على ضوء نتائج البحوث والدِّراسات الآركيولوجيَّة الحديثة والسَّتاتغرافيَّة – علم دراسة الطَّبقات الأثريَّة – خصوصاً في العقد الأخير من القرن الماضي والتي اضطلعت بها أقسام الدراسات الآثاريَّة في جامعات إسرائيليَّة مرموقة؛ حيث قامت تلك الأبحاث والتنقيبات الآثاريَّة الإسرائيليَّة – ومنذ ما بعد حملة علامة الآثار الإنكليزيَّة كاثرين كينيون في ستينيَّات القرن الماضي – على مسح منطقة الهضاب المركزيَّة في الضفة الغربية متراً متراً، بما في ذلك منطقة القدس ومحيطها إضافةً إلى الجليل ومجدُّو ومنطقة تعناخ ومجمل المنطقة المعروفة بمنطقة الهضاب الخفيضة إلى الشَّمال من هضاب الضفة الغربية المركزيَّة والتي تضم كذلك السهل المعروف في الماضي بسهل شلفح إلى الغرب والشمال من القدس وسهل يزراعيل – مرج بن عامر.
وقد كانت النتائج متقاربة مع ما ذهبت إليه كاثرين كنيون من عدم وجود دليل آركيولوجي واحد يُمكنُ الاعتداد به على قيام مملكة موحَّدة – مملكة داوود وسليمان – في القرن العاشر قبل الميلاد كما يؤكد عليه النص التوراتي؛ بخلاف ما قام من أدلة أركيولوجيَّة تنسجم مع بعض الرواية التوراتية بخصوص مملكتي يهودا والسَّامرة في حدود القرنين الثَّامن والسَّابع قبل الميلاد كممالك كنعانيَّة فلسطينيَّة منسجمة مع بيئة المنطقة الثقافية والدِّينيَّة وتعبد آلهة الكنعانيين كبعل وزوجته عشيرة أو عشتاروت، أو الإله إيل وزوجته إيلات وذلك أكثر من كونها ممالك تدين بالدِّيانة اليهوديَّة حصراً.

كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية