عبيطين

مبهرة هي في رأيي فكرة الشرف، في هلاميتها وغموضها الكثير من الدلالات على غرابة التفكير البشري وتطرفه، وهو التفكير الذي بدأ العالم بأغلبيته يتخلص منه عدا عالمنا الشرق أوسطي الذي لا يزال مغموراً في غرابته ولا منطقيته. يقول نوبوأكي نوتوهارا في كتابه «العرب: وجهة نظر يابانية»: «إن العرب يعانون من عقدة الشرف، فهم يخافون ما يسمونه العار. وهذا الشعور قديم قدم العربي في شبه الجزيرة العربية. يتخذ وعي الشرف ووعي العار أشكالاً مختلفة في سلوك العربي. بدءاً من المظاهر الخارجية وانتهاء فيما يخص الكرامة نفسها» (55). ترتبط مفاهيم الشرف والسمعة والعار، أخلاقياً ومجتمعياً، كلها بالإناث في العالم الشرق أوسطي عوضاً عن الذكور، حيث يَشِم المجتمع قواعد وقوانين الشرف ومسببات العار كلها على أجساد النساء، محملاً إياهن ثقل العائلة بأكملها وكذلك أحمال تاريخها الطويل، ومسؤولية نقاء سيرتها ومحمود مظهرها أمام الناس. لربما تحتوي هذه العائلة على ذكور فاسدين فاسقين، لصوص مخربين، سكيرين عربيدين، إلا أن كل ذلك لا يهم، طالما أن الحرملك بعيداً عن الشبهات.
لربما السؤال هنا هو: وما هي هذه الشبهات؟ لقد شكلت الفكرة الهلامية للشرف والعار مخاوف مماثلة في الهلامية والغرائبية تجاه الوجود والتفاعل الأنثوي في المجتمع. لقد تحولت العلاقة بين النساء والظلام مثلاً إلى علاقة مليئة بالشبهات، حيث إنه ما إن يحل الظلام حتى يصبح خروج النساء مهدداً للسمعة، ملوثاً للشرف، وكأن الليل يفتح باب الشهوات ويشجع على ارتكاب المعصيات، أو كأن النساء يفقدن عقولهن واتزانهن في الليل، فيصبح خروجهن خارج بيوتهن مهدداً للأخلاق والفضيلة والطبيعة التي جبلت عليهن هؤلاء النساء في «صباحاتهن الفاضلة». هناك كذلك علاقة غرائبية بين النساء وأسمائهن المعلنة، وخصوصاً في منطقة الخليج العربي، حيث إن معرفة اسم أمّ أو أخت الرجل مصدر معايرة له في الأوساط الرجالية، ومبعث إحراج وتقليل من قيمته وسمعته، وكأن في تداول الاسم تداولاً لهذه الأنثى بحد ذاتها، التي أصبح اسمها، هو الآخر، عورة تستوجب التغطية، ومسكناً للشرف يتطلب إغلاق بابه، وحملاً آخر ثقيلاً كما هو جسدها وصوتها وسيرتها ووجودها كله.

الدليل الجسدي الذي قررته الطبيعة على أجساد النساء هو المتسبب في اعوجاج كفة الميزان حد انقلاب الميزان على عقبيه، تحميلاً للمرأة كافة أوزان الشرف والسمعة في كفتها وإخلاء لكفة الرجل من كل وزن أو ثقل.

ولكن من أين أتت فكرة تمركز الشرف في الأنثى؟ لماذا الأنثى وليس الذكر؟ الإجابة المباشرة والمتداولة هي أن المرأة «وعاء» الحمل ومصدر الأنساب، وعليه فإن أقل مساس بالبياض الناصع لسمعتها، والذي يستند إلى جسدها واسمها وسيرتها وتصرفاتها وتصرفات والدتها وأخواتها ومدى ظهورها في المجتمع ومدة بقائها في بيتها وساعة عودتها ليلاً، وغيرها من منمنمات الحياة اليومية، أقل مساس بهذا كله سيهز عرش النسب المزروع في جسدها، مشككاً في طهارة الوعاء وأصالة المحتوى. الرجل لا يختلط نسبه في جسده، أما المرأة فيمكن أن يختلط نسب الرجل في جسدها، وبما أن التركيز كله على الرجل ورضاه وحسبه ونسبه وشرفه وسمعته، بما أن امتداد الأنساب وشجرات العائلات كلها ذكورية لا إناثية، فإن حماية الوعاء هي من أولويات المجتمع العصابي الغرائبي الذي فيه نعيش، ضماناً للرجل صحة امتداده وتواصل نسله، التي هي فكرة هلامية أخرى أثبت العلم فداحة اعوجاجها حين أثبت أن امتداد أًصل الإنسان يتم تحديده من خلال نسب الأم لا الأب. إلا أنه، وحيث أن تعريف النسب كان، وإلى زمن طويل سابق لظهور تكنولوجيا الـ «دي إن إيه»، قوة في يد المرأة وحدها كونها هي الوحيدة القادرة على تحديد صاحب النسب، وهي وحدها القادرة على خلط الأنساب وخداع الرجل إن أرادت، كانت أن تشكلت هذه الفكرة الهلامية للشرف والسمعة، التي بررت للرجل التحكم في المرأة جسدياً ونفسياً وعاطفياً وحركياً، ضماناً لنقاء الوعاء الحامل لنسبه المهيب.
إن الدليل الجسدي الذي قررته الطبيعة على أجساد النساء هو المتسبب في اعوجاج كفة الميزان حد انقلاب الميزان على عقبيه، تحميلاً للمرأة كافة أوزان الشرف والسمعة في كفتها وإخلاء لكفة الرجل من كل وزن أو ثقل. ومن سخرية القدر أن هذا الدليل الجسدي لا ينحصر فقط في الحمل، ولكنه يسبق ذلك في فكرة العذرية الهلامية الأسطورية كذلك، التي تقول بوجود غشاء يدمى حال وقعت المرأة في المحظور، حيث تفقد هي- حرفياً- قطعة من لحمها حال وقوع الحدث (وهي فكرة أسطورية لا أساس لحجمها وقصصها في الواقع) فيما لا يخسر الرجل شيئاً، إن لم يحقق مكسباً في الواقع من خلال تثبيت سمعته كمغامر فحل وزير نساء. هي فكرة الدليل الجسدي، هذه الهلامية الغرائبية الظالمة القامعة، تلك هي التي شكلت المعادلة وحددت الحريات والحقوق. ولأنها فكرة ظالمة لا تحكم على الإنسان من خلال أفعاله واختياراته الإرادية وإنما تحكم عليه من خلال طبيعته الجسدية التي فرضت عليه دون اختيار، فإن نتاجها ظالم قاس جاحد بمفاهيم الحرية والعدالة الإنسانية، والأهم والأخطر هو أن هذه الفكرة المهزوزة الهلامية الضبابية العبيطة خلقت أفراداً مهزوزين هلاميين ضبابيين عبيطين، يتصرفون بتوجس وينفعلون بعصابية ويقررون بعبط، عبط وصل حد التوجس من هبوط الليل أو من ذكر اسم أنثى أو من انفرادها بالإنترنت، نعم نسيت أن أذكر الخلوة بالإنترنت ومخاطرها على شرف المرأة، كيف؟ العبط وحده قادر على الإجابة عن هذا السؤال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سنتيك اليونان:

    نركز كثيرا على علاقة الجنس بالشرف والكرامة وننسى ان لا كرامة بالحياة عندما لا يكون الإنسان حر يعيش بمجتمع حر وله صوت في تقرير مصيره ولا يعيش تحت الاحتلال أو في ظل أنظمة مستبدة

  2. يقول سعدون الباهلي:

    كلما قرأت مقالك أتذكر برنامج الصدمة التلفزيوني.

  3. يقول رؤوف بدران-فلسطين:

    مفهوم الشرف يختلف فى معناه وفحواه وتقبله ورفضه ما بين اهل الأسكيمو وسكان اطراف الربع الخالي؟!! وعلى سبيل المقارنة ايضًا يتفاوت المفهوم ما بين سكان وسط افريقيا واهل بادية الشام!!؟
    العربي دائمًا يتصور ان المرأة في ترحالها وتجوالها وفي غدوها ومجيئها, هي حالة من التفتيش عن الرذيلة للانقضاض على ممارستها ووسم العار عليها وبالتالي اعطاء الضوء الاخضر لقتلها وفنائها وغسل العار عن اهل بيتها الرجال؟!!
    لا يمكن للشرف ان يترعرع في بيئة صحية اذا كانت هذه البيئة ملوثة بالعبودية ومحزومة بحبال القهر والمنع والجزر, وقوانينها مطروحة بعقلية ذكورية تمنع عن كل الاناث حرية التنفس , ويعتبرونها عورة كما اعتبرها الاقدمون والمتخلفون؟؟!
    اجدتِ يا د. ابتهال ولكن كلما حاولتِ التفتيش اعمق كلما وجدتِ المدفون اصدق والسلام.

  4. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    فتاة أعرفها ذهبت لمتابعة دراستها بالديار الفرنسية.اقترنت هناك بفرنسي بعد أن أشهر إسلامه.ورغم أن الفتاة أصحبت زوجته
    طبقا للشريعة الإسلامية طلب منها زوجها ذات مرة أن يفك عذريتها فرفضت ذلك إلا بعد إقامة العرس أول الحفل المتفق عليه تصوروا أن الزوج لم يلومها أو يتخلى عنها بل احترم إرادتها وازداد حبا واحتراما لها لعفتها.فالعفاف وشرف المرأة هو رأس مالها الكبير طبقا لشريعتنا وثقافتنا الإسلامية.فمن عاداتنا أو عادات الأغلب منا أن الزوج لا يدخل على زوجته حتى ولو عقد قرانه عليها وأصبحت على ذمته إلا بعد العرس حسب اتفاق العائلة .لكن سيدتي أستغربت أنك لا تريدين للمرأة المسلمة أن تكون كذلك
    بدعوى أن ذلك تخلف،تتكلمين بلسان الغرب ونسيتي مليار ونصف مليار مسلم.

  5. يقول دينا برشلونة:

    العفاف والشرف هو لصالح المراة و الحرية لا تكمن في خروج المراة بالليل وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا صدق الله العضيم

  6. يقول معاذ:

    سيدتي الفاضلة ان من يتشدقون بالشرف و هم ابعد عنه لهو امر موجود و لا ننكره احب ان اذكرك و اذكر عموم المتابعين ان ما يسمى بالعذر المخفف غير موجد بالاسلام اطلاقا لكن تم سن قوانين و دساتير الامة العربيه منسوخا عن القانون الفرنسي ولو تابعت العديد من رسائل الدكتوراه في حقل القانون لادركت سيدتي ذالك. المرئه بكونها جالبة للعار كان عرفا جاهلايا بامتياز وقضي الاسلام على هذه النضرة الدونية للمرأه. حال العرب اليوم هو عودة للجاهلية الاولى حيث العصبية القبلية و اهانة المرأه الخ.
    ما تركه الاستعمار ليس فقط جهلا و لا تخلفا بل ان انه وأد كل بذرة للعودة الى الطريق السليم
    و دمتم

  7. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    عقدة الشرف كما سميته ليس مرتبطا بالعرب بل هو مرتبط بالإنسانية جمعاء.لأنها هي الفطرة.هي كرامة الإنسان.وهو سر
    عودة المرأة الغربية لهذه الفطرة وللمثل العليا التي لم تجدها سوى في الإسلام.
    ودائما عندما تتطرقين لموضوع يخص المرأة تعقدين مقارنة لها بالرجل وكأنه تبرير لها (لتتحر).تخرج بالليل في ساعة متأخرة كما يفعل الرجل.تزني كما يزني الرجل.هو زير للنساء وهي زير للرجال.الرجل يفعل كذا وكذا فلماذا لا تفعل المرأة كذلك.يشيع الرجل الجنازة والمرأة كذلك يمكن أن تشيع وتعمل ما هو محرم عليها وجائز للرجل. تعاقر الخمور وتدخن هو مؤذي للمرأة الحامل مما يعني افتقاد المرأة لكل خصوصيتها التربوية والعاطفية والأنثوية ونتيجتها ستكون كارثية مؤداة لخراب البيوت وانهيار المجتمع وهذا لا يعني أن كل ما يفعل الرجل هو حلال وكل أفعال المرأة هي حرام ولا يعني تبرير كل أخطاء الرجل.وكلا الطرفين لهما سؤوليات.وخلل المجتمع له خطورة كبيرة عندما تضيع المرأة أكثر من الرجل.فكيف سيكون الأمر إذا حملت المرأة سفاحا.ماذا عن خيانتها الزوجية .فالمرأة لها دور كبير في توازن المجتمع والحفاظ على النشء من الهلاك أكثر من الرجل رغم زلاته وأخطائه وأعيد وأكرر أني لا أبرر أفعال الرجل ومسؤولياته اتجاه المرأة والوطن

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية