‘حتى يومها الاخير في اسرائيل احتفظت جدتي، سارة سوكري، بمفتاح البيت الذي تركته في دحلة الفرايا 12، في حارة اليهود، الحي اليهودي في دمشق. كانت سارة آخر أبناء العائلة الذين تركوا الحي في نيسان 1946، في طريقهم الى البلاد. سبقها جدي يوسف، امي راحيل وخالي دافيد. قبل أن تخرج من بيتها، غطت سارة رأسها بمنديل ملون وألبست ابنيها المتبقيين معها، مردخاي وعليزا، ببنطالي برمودا، كما اعتاد الفتيان المسلمون كي لا يثيروا الاشتباه. وفحصت للمرة الاخيرة، البيت، الساحة الكبيرة والبئر، تبادلت النظرات المفعمة بالمعاني مع الجيران اليهود، ممن عرفوا بالضبط الى اين تهرب، وخرج الجميع الى الدرب وهم يمتطون الحمير، ليصلوا الى معبر الخيام في الشيخ مؤنس، حيث التم شمل العائلة من جديد. أملاك كثيرة تركنا خلفنا: بيت واسع الاطراف، مؤثث جيدا، ودكان صغيرة عمل فيها جدي الذي كان ايضا شماس الطائفة، في المهنة الاكثر انتشارا لدى اليهود في دمشق معالجة النحاس. وفي ايام الحرب العاصفة اياها جرى بهدوء، بغمزة عين، تبادل للسكان. عائلتي اضطرت الى العمل بكد كي تشتري بيتا قديما ومتهالكا في حي هتكفا. والفلسطينيون الذين هربوا، تركوا او طردوا من البلاد، حصلوا على بيتنا في الحي اليهودي في دمشق دون جهد، وانسالهم يسكنون هناك حتى اليوم. لم نطلب أي ابدا العودة الى دمشق، رغم اني اتمنى ان ارى فقط لمرة واحدة مطارد حياة ابناء عائلتي. لم يتق أي من المغادرين للحارة حقا. فالحي اليهودي كان محوطا بمسلمين متطرفين، تعامل معظمهم مع اليهود وكأنهم دنسون. وعلى مدى مئات السنين عانى اليهود من سلسلة اعتداءات واعمال ارهاب، كلفت عشرات القتلى، بينهم اطفال كثيرون. وكان الذروة في عهد فرية دمشق في 1860. من يعتقد بان اليهود تركوا سوريا طوعا، مدعو لان يراجع كتاب البروفيسور يرون هرئيل عن الجالية اليهودية في سوريا. هناك سيتعرف على ما هو التنكيل المنهاجي، الملاحقات الفظيعة والتمييز العنصر. قرابة مليون يهودي تركوا بيوتهم في الدول العربية. ومثل ابناء عائلتي، تركوا خلفهم املاكا وذكريات غير لطيفة على نحو خاص. دولة اسرائيل، بعد أن قامت، كان يمكنها في فرص عديدة ان تطالب بالتعويض عن مهانة وأملاك اللاجئين اليهود اولئك. ولكن الدولة صمتت، حتى بعد ان ثارت مطالب اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى بيوتهم في اسرائيل. كان يمكننا أن نتصرف خلاف ذلك. أن نقول لهم انتم لن تعودوا الى بيوتكم مثلما لن أعود انا الى بيتي في دمشق حيث تسكنون الان’. في جهد ‘اعلامي صادق وحقيقي كان يمكن الغاء الطلب الفلسطيني بحق العودة وشطبه عن جدول الاعمال. وانا اسمي هذا ببساطة ‘المفتاح مقابل المفتاح’. لقد أهملت دولة اسرائيل. لاسباب ليست واضحة لي شطبت الدولة تراث اللجوء ليهود البلدان العربية، مثلما اهملت الثقافة الفاخرة التي كانت من نصيبنا في مصر، سوريا، العراق، تونس، ليبيا، المغرب ودول عربية اخرى. وفي السنوات الاخيرة فقط، في اعقاب نشاط حثيث لمنظمات وحدت سليلي هذه الدول معا مع بضعة رجال اعلام، طرح الموضوع من جديد على جدول الاعمال، بمساعدة وزارة الخارجية. امكانية أن تكون مسألة تعويض يهود البلدان العربية دارجة في التسويات السلمية مع الفلسطينيين تثير لدي انفعالا كبيرا. في سبيل هذه القضية اكافح على مدى السنين، من خلال هذه الصحيفة ايضا. قبل سنتين عقد في الامم المتحدة مؤتمر كبير تحت عنوان ‘العدالة ليهود البلدان العربية’. عشرات اللاجئين اليهود تحدثوا هناك، ورووا تاريخهم الصعب. انا ايضا القيت كلمة هناك. رأيت كيف ذهل مئات الحاضرين لاكتشاف فصول في تاريخ الشرق الاوسط كانت حتى اليوم من نصيب الدعاية لشعب آخر. فهمت أنه يمكن التوجه الى حل متفق عليه. صندوق دولي هائل يقام فيعوض اللاجئين من الشعبين، بعد أن يتخلوا عن البيوت التي تركوها. يخيل لي انه لم يكن في يدنا ابدا ورقة عادلة ومظفرة كهذه. محظور التنازل عنها.