يهتم بعض الكتاب العرب بالصواب السياسي، الذي يحيل إلى منظومة قيم إيجابية تتمحور حول مناصرة بعض الفئات، من أقليات ونساء وسود ومثليين ومهاجرين، ومنحها حصانة وقوة ونفوذا في مؤسسات صناعة القرار والإعلام والجامعات. غير أن اهتمامهم يأتي من موقع النقد، إذ يغرفون من بيئة الاعتراض الغربية الرافضة لتحويل هذه المنظومة إلى سلطة تُفرض على الناس، وتتشبه بما تعارضه، ويسقطون اعتراضهم على العالم العربي، أو لا يهتمون بالتمييز بينه وبين الغرب.
الانقسام في الغرب، بين أنصار الصواب السياسي والمدافعين عنه، والمتخوفين من تغوله وتحوله لسلطة تفرض على البشر، بمعزل عن قناعاتهم، ينشط ضمن معادلة واضحة، تتمثل في مؤسسات منتخبة، تتأثر بضغوط كيانات حقوقية، راكمت نضالات وحققت إنجازات على صعيد التشريعات والقوانين.
وفي ظل هذا المد والجزر بين المؤسسات والضغوط عليها، تصلّب مع الوقت، خطاب الصواب السياسي غربيا لدرجة اتهام، من ينادون به، باعتبارهم سلطة جديدة ضد السلطة التي يدّعون مواجهتها. وتوازى ذلك، مع تحولات معقدة، شكّلت حوامل لتغير الأفكار، وفتحت المجال لمشاركة فئات جديدة، وخلق حساسيات مغايرة. هذا التفاعل بين المؤسسات، ومن يضغط عليها، غير موجود في العالم العربي، بسبب الافتقار إلى الطرفين، إذ إن الدولة ليست كيانا قانونيا يتفاعل مع الشأن العام، بل هي عصبيات تتوسل العنف، وتستبطن الحروب الأهلية، لتستوي أنظمة استبداد قابلة للانفجار في أي لحظة. وهذا ما ينعكس على الطرف الثاني، أي قوى الضغط المؤمنة بخطاب الصواب السياسي، فالأخيرة، غالبا، ما تتشكل، بسبب ضيق الهامش واحتكاره سلطوياً، من جمعيات ومنظمات ممولة من مؤسسات غربية، وتتعرض لحملات التخوين وأحياناً للقمع، تبعاً لسلوك النظام الذي تنشط في ظله، فضلاً عن أن طبيعة المجتمعات التقليدية التي تثق قطاعات واسعة فيها بالمؤسسة الدينية، تحول دون تشكل هذا الطرف.
ناقد الصواب السياسي، يبني نقده عربياً على معادلة غير موجودة، ينقص الدولة والقوى الضاغطة عليها، التشكل العقلاني، ما يجعل نقده دون قاعدة من الناحية النظرية
من هنا، فإن ناقد الصواب السياسي، يبني نقده عربياً على معادلة غير موجودة، وينقص ركنيها، الدولة والقوى الضاغطة عليها، التشكل العقلاني، ما يجعل هذا النقد من دون قاعدة من الناحية النظرية، لكن، هل هذا يعني أن خطاب الصواب السياسي معدوم في العالم العربي؟ ما يمكن ملاحظته في سياق محاولة الإجابة على هذا السؤال، وجود أفراد متأثرين بالأفكار الغربية، وجمعيات تتبنى برامج تمكين للنساء وغيرهن، فضلاً عن تسرّب منتجات ثقافية بفعل الفضاء العالمي المفتوح. هذه جميعها، ليست عناصر لتكوين قاعدة لخطاب «صواب سياسي» ينشط ويؤثر، هي ممكنات، تصعد وتهبط تبعاً لمزاج السلطات وحركة المجتمع.
مع ذلك، فإن هذه الممكنات، تصبح عند ناقد خطاب «الصواب السياسي» مرادفة لقاعدة صلبة ينطلق منها الخطاب ذاته في الغرب، وتتحول عنده إلى سلطة ذات نفوذ تفرض على الناس أنماط عيش وتفكير غريبة عنهم، ثم يذهب إلى عقد مقارنات بين السلطة المتمثلة في الاستبداد، بوجوهه المختلفة، وتلك المتأتية، بحسبه، من الصواب السياسي، والقوى التي «تفرضه».
وبالنتيجة، يتساوى المستبد، السياسي والديني، مع جمعية محدودة القدرات، تتلقى دعما من مؤسسة غربية، لتنفيذ برامج حول تمكين فئة ما. والمقاربة تلك التي يتبناها ناقد الصواب السياسي، ببراءة وبخلط بين السياقات والبيئات التي تنتج فيها الظواهر، قد تصبح ملعباً مثالياً، تمارس فيه قوى السلطة الفعلية، رياضة التخوين، فتخصص صحيفة موالية لـ»حزب الله» في لبنان مثلاً، ملفاً هدفه أبلسة «المجتمع المدني». وإن كان، للصحيفة هدف سياسي يتعلق بشن حرب ضد أي حساسية رافضة للسلاح غير الشرعي، لكنها، في القيام بذلك، تستعين، بمخزون «نضالي» معاد للأفكار الغربية. وعلى ما يبدو، فإن ناقد الصواب السياسي عربياً، يتبرع بإضافة المزيد من الحجج على هذا المخزون، و»حزب الله» ليس آخر المستفيدين.
كاتب سوري