عراق صدام.. وطارق عزيز

تابعت مثل الكثيرين غيري مقابلة السيد طارق عزيز وزير الخارجية العراقي المخضرم التي اجراها السيد علي الدباغ المتحدث باسم حكومة ‘العراق الجديد’ سابقا، معه داخل سجنه، وبثتها قناة ‘العربية’ على حلقتين لعلي اجد فيها معلومات ووقائع واسرارا تاريخية جديدة، لكن الحصيلة كانت مخيبة للآمال، آمالي انا على وجه الخصوص.
السيد الدباغ الذي اتهم باستخدام نفوذه، وصفته الحكومية للوصول الى الرجل في سجنه، وهو المحكوم بالاعدام في محكمة تفتقر كليا للحد الادنى من الاستقلالية وقيم العدالة، كان يتحدث مع الرجل كخصم، وليس كباحث او موثق لوقائع تاريخية مثلما قال في مقدمة الحلقة الاولى. ولم يكن محاورا موضوعيا، واراد ان يجرّم حكم الرئيس العراقي صدام حسين.
السيد عزيز الذي بدا رجلا متواضعا مستسلما لقدره، اظهر وفاء لقائده غير معهود لدى الكثيرين هذه الايام، خاصة في عراق اليوم، ولم يقل عنه كلمة سيئة واحدة، ولو كان انتهازيا ناكرا للجميل لما ظل خلف القضبان حتى هذه اللحظة.
تحدث بموضوعية عن بناء العراق في المجالات كافة، العسكرية والعلمية والاجتماعية، في فترة الثمانينات وقبلها، بحيث اصبح بلدا قويا مهابا وقوة اقليمية عظمى، وحصل على جائزة اليونسكو بسبب القاعدة العلمية التي ترسخت على صورة جامعات ومعاهد حديثة تحتوي على اجهزة غير موجودة الا في الغرب، واستطاع ان ‘يجتث’ الأمية من جذورها.
امتعض وجه السيد الدباغ والسيد عزيز يتحدث عن هذه الانجازات، بينما كان يحاول انتزاع اعتراف من ضيفه بوجود اسلحة الدمار الشامل العراقية، وهي الأكذوبة التي استخدمت لتدمير العراق وقتل مليون من ابنائه وتيتيم اربعة ملايين طفل وتمزيق وحدته الوطنية والترابية على اسس طائفية.
امتعض وجه السيد الدباغ اكثر عندما اكد السيد عزيز ان رئيسه كان ضد اسرائيل ويريد هزيمتها كإنسان عربي مسلم، وقال انه ايضا يشاطره الكراهية نفسها، واكد اي السيد عزيز، ان التعايش مع اسرائيل مرفوض، وانه يجب مواجهتها عسكريا.
السيد عزيز اكد طوال المقابلة انه كإنسان وطني عراقي رفض ان يغادر العراق أثناء الحصار او اثناء الحرب، وقال بكل ثقة ‘انا عراقي مصيري مع العراق’.
‘ ‘ ‘
لم يتردد في الاعتراف بان صدام حسين اخطأ في احتلال الكويت، ولكنه شرح في الوقت نفسه الدوافع التي دفعته الى اتخاذ هذه الخطوة مثل سرقة النفط العراقي، واغراق الأسواق بفائض كبير مما ادى الى انخفاض الاسعار الى ما تحت العشرة دولارات للبرميل.
لم يتذلل السيد عزيز، ولم يطلب الرحمة والعفو، رغــــم انه تــــأذى من السجن، وما اجمل مقولته عندما قال وهو السجين ‘لا تسوى الحياة ان يتنازل الانسان عن كرامته ووطنيته.. سأظل عراقـــيا الى آخر العمر’.
نادرا ما نسمع مثل هذه المفردات والجمل هذه الايام في اجزاء كثيرة من عالمنا العربي، مع استثناءات محدودة جدا.. نادرا ما نسمع رجلا يقول امام واحد كان مسؤولا يمثل حكومة انبثقت من رحم الاحتلال، ويكنّ كراهية وثأرا للنظام السابق ‘كان صدام حسين اسدا وهو يتقدم الى حبل المشنقة’، وان القاضي الذي حكم بإعدامه كان ينطلق من احقاده، على عكس القاضي الكردي الذي سبقه (ازغار) الذي انسحب من هذه المسرحية القضائية المزورة والمرتبة في كنف احتلال اراد تدمير العراق.
المحاور السيد الدباغ اراد من خــــلال اسئلته، التي لم تعدّ بطريقة مهنية، ولم تكشف عن اي بحث معمق في المرحلة التــــي اراد محاكمـــتها من خلال لقائه مع الرجل، وكانت اسئلة عفوية اقرب الى الارتجالية، ان يدفع السيد عزيز الى القبول بالتعايش مع اسرائيل، بطريقة او بأخرى، وان يدين اطلاق صواريخ سكود باتجاه فلسطين المحتلة، ولكن الرجل، رغم تقدمه في السن، كان متمسكا برأيه ووطنيته ولم يتردد في القول ‘بان هناك دورا صهيونيا يستهدف العراق كدولة وكيان’.
السيد عزيز الذي كان يمثل وجه العراق الحضاري المشرق، وسفيره الكفؤ في العالم الخارجي، كان يمثل التعايش بين قطع الفسيفساء العراقية الجميلة، ولم ينخرط مطلقا بأعمال القتل والتعذيب التي مارستها اجهزة المخابرات العراقية، وبعض قادتها الذين ولغوا في الدم وشوّهوا صورة العراق.
‘ ‘ ‘
لم اقابل طارق عزيز في حياتي، ولكن من قابلوه يقدّمون صورة لرجل كان يحب العراق بكل مكوناته، ولــــم يؤذ بعوضة في حياته، واكد على ذلك في تلك المقابلة، او حلقتــها الاولى على وجه التحديد، واعتقاله ومن ثم بقاؤه خلف القضــــبان طوال هذه السنين، وهو الرجل المسن المريض، هو بسبب وفائه، وخوفا من كنز الاسرار الذي يملكه، ويمكن ان يدين امريكا ونفاقها وكراهية حكوماتها للعرب والمسلمين.
كنت انتظر ان اسمع كلمة واحدة منه ضد رئيسه، او ندما ولو بسيطا لخدمة بلده العراق ورئيسه في حينها، ولكنه كان رجلا صلبا متمسكا بقيمه ومعتقداته، لا يتردد ان يدين ‘العراق الجديد’ الذي وعدنا الرئيس جورج بوش الابن ان يكون نموذجا في الديمقراطية والرخاء والتعايش، عندما قال وبكل ادب ‘اتمنى لو لم ينحدر العراق الى ما انحدر اليه حاليا’.. وامام منّ، امام احدى الشخصيات التي عملت لسنوات لتجميل وجهه، وليّ عنق الحقيقة البشعة على الارض.
كلمات طارق عزيز التي قال فيها ‘لا تسوى الحياة ان يتنازل الانسان عن كرامته ووطنيته.. وسأظل عراقيا الى آخر العمر’، هي اجمل ما جاء في هذه المقابلة، ويجب ان تدرّس لاطفال عراق اليوم، عراق الطائفية والعنف والارهاب والديكتاتورية والانهيار الشامل.
Twitter:@abdelbariatwan

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أحمد عفاني قادوس:

    السيد طارق عزيز لا يستحق إلا كل احترام وتقدير. أما ” السيد” علي الدباغ، فقد كاد يبكي من الحزن في كلمة له في جمعية الصداقة العربية الألمانية في برلين، وهو يتحدث عت التضحيات الأمريكية في سبيل الشعب العراقي!! وهو لا يعني حتما قتل مليون عراقي والتسبب في يتم أربعة إلىخمسة ملايين طفل عدامئات الألوف من الأطفال الذين ذهبوا ضحية الحصار الذي فرض على العراق نظرا لعدم توفر الدواء أو الغذاء. ناهيك عن الأعداد الكبيرة الذين قضوا نحبهم أو ولدوا مشوهين، بسبب إشعاعات رؤوس القذائف ، هذه الرؤوس المصنوعة من معدن اليورانيوم المخفّش الخصوبة، والمحظورة دوليا.

  2. يقول faisal:

    عندما يصاب الشخص بمرض نفسي depression فانه يكون في اجازه من عمله هذا متبع هنا في بريطانيا وفي اغلب دول العالم لانه لن يكون في وضع يستطيع ان يؤدي به مهمامه وقد يميل للعنف هاي اذا موظف ولكن عزيز يقول ان صدام كان مريضا نفسيا عندما غزى الكويت وهو ساعده الايمن و كلفتنا اكثر من مليون قتيل وتدمير البنيه التحتيه وعشرات الالاف من الجنود اللذين دفنتهم امريكا احياء او قتلتهم وهم منسحبون تحت القصف ثم حرب داخليه بعدها وحصار حصد مئات الالاف من اطفال وشيوخ ونساء ثم افضى الى الاحتلال ولا زال النزيف مستمر اذا من يستطيع ان يعطي الرئيس اجازه لكي لايتخذ قرار كارثييا بحق بلد وشعب تعدداه ٣٠ مليون نسمه

  3. يقول العموري:

    اولا رحمة الله على الشهيد صدام حسين وكل شخص شريف عمل معه وقتل بدم بارد نتيجة عمالة وتامر العرب من الخليج لسوريا للاردن .كانت العراق قلعة العرب الابيه ومكان تجمع الشرفاء الا ان ايران اولا وامريكا والغرب لم يعجبهم التفاف الجماهير العربيه حول القياده العراقيهاالباسله انهم جربوا التفاف العرب حول القياده الناصريه وما كان من نتائجها وهو محاربة اسرائيل ومحوها عن الوجود لولا ايا للاسف الخيانات نحن الفلسطينيين سنبقى اوفياء لصدام ودماء صدام وطارق عزيز وكل عراقي شريف في مواجهة الارهارب الصهيوامريكي والايراني وكل من لف لفيفهم اذا اراد الشيعه العمل مع اخوانهم السنه فليثبتوا حسن نوايا ليتبرؤا من ايران ويعلنوا ولائهم لعروبتهم وحينها سنغفر لهم تامرهم على العراق اما اذا ارادوا او استمروا في دعمهم لايران والولاء لها فليتلقوا وعدهم انتو بتقولوا يالي ثارات الحسين احنا بنقول يالي ثارات صدام والسلام عليكم

  4. يقول karami:

    والله انت مخلص لوطنك ياطارق عزيز ماذا بقي من العمر لقد اصبحت مسجون من طرق المالكيا تغرك رياح و الامواج انت مخلص لوطنك و شعبك

  5. يقول عراقي:

    عاش العراق وعاش النشامى

  6. يقول د.ابو رفعت:

    لم اشاهد الحلقة لمقاطعتي منذ سنتين تقريبا كالكثيرين غيري للعربية والجزيرة اما المناضل طارق عزيز فمهما اطنبت في وصفه لا توفيه حقه فقد التقيته في اكثر من مناسبة فكان مثال للوطنية العروبية الصادقة قمة في الاخلاق والتواضع كيف لا وهو رئيس الدبلوماسية العراقية لسنين طوال وقد رأى العالم كله اداءه المتميز حين التقى جيمس بيكر في جنيف في ٩١/١/٩ حيث ظهر الاخير وكأنه تلميذ في حضرة استاذ في السياسة فطارق عزيز يتضائل في حضرته جميع من يسمون انفسهم وزراء خارجية دول الجامعة المختطفة من نعاج الخليج وما صلابته ووفائه وولائه لقائده الذي زأر كالأسد عند إعدامه بان فلسطين عربية الا اكبر دليل على الرجولة التي قل نظيرها هذه الايام بين حكام اليوم وماحكمه بالإعدام الا ظلما وتعسفا من قبل اذناب امريكا المنتمين لمصالحهم ولسرقة ثروات العراق . ومن منطلق عروبي محض فان احتلال الكويت وإعادته الى حيث يجب ان يكون قبل ان يسلخه الاستعمار البريطاني والذي حاول ان ينفذه عبد الكريم قاسم ولم يوفق في حينها لاسباب معروفة كان يجب ان يتم منذ عقود وقد منعت اخلاق أبا عدي من احتلال ما لم يكن ضمن الجغرافيا العراقية ويمكن ان نقول الان ان الوضع العربي ربما كان احسن بكثير لو انه اكمل احتلاله لكل المشيخات الخليجية وممالكها وأعاد بقوة السلاح أموال العرب لمستحقيها من العرب بدل من ان تبذر في خدمة مصالح اعداء الامة العربية وفي غير مرضاة الله كما هو حاصل هذه الايام

  7. يقول د0 عطوة محمد عطوة0 فلسطين:

    يكفى البطل فخرا ان من يراس اقسام فى افضل مستشفيات العدو الصهيونى
    اطباء فلسطينين خريجى العراق ونرى ونسمع ما وصلت به ديموقراطية
    امريكا بالعراق الى العهد الحجرى وبؤس وفقر العراقيين اليوم
    درس عسكرى يجب ان يتعلمه كل مسلم من تجربة غزو العراق الا وهو
    هل بلد مثل العراق خاض معركتين مدمرتين وحصار دام اكثر من 12
    عام تستوجب امريكا العملاقة بقوتها العسكرية والجوية ان تطلب عون
    38 دولة معها لمهاجمة العراق؟؟؟؟
    0 درس اخر هددت القوة الغازية بالدخول البرى طويلا وكانت قوات
    الجيش العربى العراقى الذى نعرف بطولاته نحن الفلسطينيين بعدة
    تجارب فى التاريخ النضالى تنتظر الهجوم والمواجهة البرية على احر
    من الجمر الا ان جبن الاعداء لم يبدؤا به الا بعد تاكدهم بانه لم تبقى اى
    دبابة او مدرعة تصدهم الا وقصفوها جوا لتعود الحرب والمعركة نفس
    معارك الصهاينة الجبناء حرب من طرف واحد فدخلوا طبعا بدروعهم
    ودباباتهم امام مشاة واناس عزل وهذا مايستاسد ويتنمر الجبان به ههو القتل
    بدم بارد حيث لا خطر يهدده ورغم هذا ابلت مقاومة العراق بلاءا
    حسنا وكبدتهم الخسائر التى لن ينسوها ابدا وخرج الكثير منهم
    وذيله بين رجليه يجر الهزيمة فبعد غزو العراق كل الغرب الى سقوط
    وبداء بفبرص واليونان واسبانيا والبرتغال فامريكا بسبب ازمتهم الاقتصادية
    التى سببها الصهاينة بامتياز وتكاليف الحرب التى دعت امريكا هذا العام
    لتقليص ميزانية الدفاع وعربنا يحسبوا امريكا بيوم بعد1942

  8. يقول Hassan:

    لا بد أن يخرج من بين ركام الطائفية في العراق من يبني عراقا جديدا تشرق شمسه على العالم.

  9. يقول walid khattab:

    انه من النادر ان تجد رجلا يدافع عن مواقفه السابقه و خلف القضبان كما هو حال طارق عزيز العربي الاصيل والذي ذكرني بما قاله انطون سعاده الحياة وقفه عز, ان كافه اطياف الشعب العراقي يترحمون اليوم على عهد صدام.

  10. يقول بريان زيان:

    فعلا خطأه الكبير هو غزوه للكويت و لكن اللغز الذي دفعه لهذه الحماقة ما زال غامضا ، رحمه الله و رحم العراق .

1 4 5 6 7

إشترك في قائمتنا البريدية