فيما يبدو جو بايدن في صورة الرئيس الحازم تجاه روسيا وحربها الأوكرانية، ويوحد الغرب الأمريكي والأوروبي في حملة انتقام ضد كل ما هو روسي، حتى وإن بدا السعار موقوتا، وعرضة لتشققات بسبب مصالح أوروبا في البترول والغاز الروسي، لكن صورة الحزم المصنوعة، تبهت ملامحها، وتتحول إلى حيرة «هاملت» في الموضوع الإيراني، ويبدو الرئيس الأمريكي مشتتا ضائعا مستريبا في مساع للعودة للاتفاق النووي الإيراني، كانت مواعيدها قد حانت أوائل مارس/آذار 2022، قبل أن يتقرر وقف مفاوضات «فيينا»، ومن دون تحديد موعد نهائي للتوقيع الجامع.
وكانت موسكو قد قالت إنها حصلت على ضمانات أمريكية مكتوبة، تؤكد عدم تأثر علاقات روسيا الاقتصادية والتجارية والنووية مع إيران بطوارئ العقوبات المفروضة على موسكو، وجرى اجتماع في موسكو بين سيرجي لافروف ونظيره وزير الخارجية الإيراني، أكد فيه الطرفان على مقتضيات معاهدة الصداقة والتعاون بين الدولتين، وحرصت موسكو على إعلان دعمها لمطالب طهران، وحشر الطرف الأمريكي في الزاوية، بعد أن سلّم بأغلب الشروط الإيرانية في المفاوضات الماراثونية، وأهمها الإلغاء شبه الكامل للعقوبات الأمريكية، وإن تبقت العقبة الأهم، وهي اشتراط إيران إلغاء واشنطن لإدراج «الحرس الثوري» في قائمة المنظمات الإرهابية، وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد اتخذ القرار عام 2019، بعد نحو عام من إعلانه خروج واشنطن من اتفاق 2015، وتعهد بايدن بإلغاء كل قرارات ترامب، لكنه يجد نفسه اليوم في المتاهة، فمواعيد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس تقترب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وحملة الجمهوريين وترامب تتصاعد ضده، وتجد في احتمالات خضوعه لكل الشروط الإيرانية منصة هجوم مواتية، وإلى حد اتهامه بأنه سيكون الممول الأول للإرهاب، إن شطب «الحرس الثورى الإيراني» من قائمة الإرهاب، إضافة لأزمات الطاقة والتضخم وغلاء الأسعار، ما يزيد من ارتياب بايدن وخوفه من إخفاق بات مرجحا لحزبه الديمقراطي في الانتخابات التشريعية المقبلة.
حرصت موسكو على إعلان دعمها لمطالب طهران، وحشر الطرف الأمريكي في الزاوية، بعد أن سلّم بأغلب الشروط الإيرانية في المفاوضات الماراثونية
وربما تكون حيرة بايدن أقل وطأة من قلق الموالين لأمريكا في النظم العربية القائمة، وبالذات بعد حالة عدم اليقين التي تنتاب المشهد الدولي، وتراجع سطوة أمريكا بعد الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، وإشهار عجزها عن المواجهة العسكرية المباشرة مع الروس، وتداعى الثقة في جدوى ضمان الحماية الأمريكية لنظم الخليج بالذات، وتوالي هجمات الحوثي ـ التابع لإيران ـ على مناطق ومنشآت حساسة في السعودية، وقبلها في الإمارات، ومن دون تلقي دعم أمريكي فعال، ولا حتى إعادة إدراج «الحوثي» في قوائم الإرهاب الأمريكية، مع التخفف الأمريكي المحسوس من نشر منظومات «باتريوت» الدفاعية في دول الخليج، وإعاقة عقد صفقات تسليح مهمة، وكلها دواع مفهومة لتزايد الضيق الخليجي من السلوك الأمريكي، وإلى حد رفض التواصل الهاتفي مع بايدن نفسه، والتمرد الظاهر على أوامر الإدارة الأمريكية، التي رغبت في دفع السعودية والإمارات إلى زيادة إنتاج البترول، وبهدف خفض سعر البرميل في السوق العالمي، بعد صعوده الهائج عقب بدء الحملة الروسية، وهو ما يعاكس رغبة بايدن في تضييق الخناق على روسيا، التي تستفيد من ارتفاع أسعار البترول والغاز، وتحصل يوميا على مئات ملايين الدولارات من التصدير المتاح لدول أوروبا المحتشدة وراء بايدن، في المسألة الأوكرانية، والسعودية كما هو معروف أكبر منتج للبترول في العالم، وروسيا أكبر مصدر للبترول من خارج منظمة «أوبك»، التي تقودها السعودية، وتجمع البلدين في العادة صيغة «أوبك بلس»، وقد بدا التفاهم فيها على أفضل أحواله، وربما يكون زاد وثوقا بعد الحملة الروسية، وتلك هي المفارقة التي صدمت بايدن، وأخرجت قرار الخليج ولو مؤقتا من جيبه، وزادت من التكلفة الأمريكية المطلوب دفعها خليجيا، خصوصا أن دول الخليج المؤثرة لا تخفي ضيقها بإدارة بايدن عموما، وبسعيها للعودة لاتفاق إيران النووي، ورفضها إدراج موضوعي الصواريخ الباليستية، وتدخلات إيران عربيا في المفاوضات، وميلها إلى رفع «الحرس الثوري الإيراني» من قوائم الإرهاب، وهو ما يجعل الإدارة الأمريكية الحالية تبدو، وكأنها انتقلت من خانة «الكفيل الأمني» إلى موقع الخصم لدول الخليج، ويدفع الأخيرة للبحث عن موارد حماية أخرى، قد تتضمن تطوير علاقات السلاح والاقتصاد مع الصين وروسيا، والأخيرتان للمفارقة على علاقات وثيقة مع إيران نفسها، التي تتطلع لتسريع العودة إلى الاتفاق النووي، واستعادة أصولها المالية المجمدة، والإفراج عن ما قد يصل إلى مئة مليار دولار، فوق العودة لتصدير بترولها بحرية، بدءا بإنتاج ما يزيد على مليون ونصف المليون برميل بترول يوميا.
وقد يبدو لأول وهلة، أن تحرر حكومات الخليج من وهم الحماية الأمريكية، يعد تطورا إيجابيا، لكن الصورة في عمومها أكثر تعقيدا، وإغراءات اختلاط الأوراق في ذروتها، وبالذات مع ميل البعض إلى استبدال إسرائيل بأمريكا، والتعويل على رفض إسرائيل للمشروع النووي الإيراني برمته، وما يقال عن تصميم «إسرائيل» على توجيه ضربة عسكرية للمنشآت الإيرانية، وقد تفعلها «إسرائيل» بالجملة أو بالتقسيط، وبرضا أمريكا أو بتغاضيها، لكن مفعول هذه الضربات إن جرت، يبدو مشكوكا في جدواه، فقد تخطت إيران العتبة النووية من سنوات، وراكمت معارف وتقنيات نووية متقدمة، وصار بوسعها إنتاج قنابل ذرية في الوقت الذي تقرره، وضرب منشآت أو اغتيال علماء، لم يعد يعني شيئا معيقا، بعد التقدم الذي أحرزته إيران في نسب تخصيب اليورانيوم، وفي التصنيع الذاتي الهائل لأجهزة الطرد المركزي، أي أن إيران وصلت نوويا إلى نقطة اللاعودة، ولم يعد يوقفها التقييد النووي باتفاق جديد، لا يتوقع عاقل أن يصمد طويلا، مع تغيرات واردة بشدة في الإدارة الأمريكية، وتوقع إخفاق بايدن والديمقراطيين في الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية بعدها بعامين، وقد تعني العودة للاتفاق نفعا اقتصاديا ظاهرا لإيران، لكنها لا تعني ضررا أكيدا لمشروعها النووي، الذي يعود تاريخه إلى أيام الشاه عام 1957، ونجحت إيران الخمينية في تطويره، على الرغم من تراكم عقوبات الاقتصاد، التي تحايلت عليها طهران، بإنشاء نظام مالى ومصرفي سري، بتجارة المقايضات والحسابات المقنعة في بنوك أجنبية، وبمئات من شركات الواجهات في الخارج، وبمواصلة التعامل الرسمي مع شركاء قادرين كالصين والهند، ومن دون أن تتراجع تدخلات إيران عربيا عبر جماعاتها، خصوصا على خطوط المواجهة مع كيان الاغتصاب الإسرائيلى في غزة ولبنان.
والمعنى ببساطة، أنه لا فائدة ترتجى من التعويل على «إسرائيل» في مواجهة إيران، ولا قيمة مؤكدة لاجتماعات قمة مع قادة الكيان، فوق تصادم هذه الممارسات بفظاظة مع أبسط المشاعر الوطنية في الشارع العربي، الذي يرفض ويدين أي تطبيع، ومن أي نوع مع كيان الاحتلال، لا يعني سوى المقامرة بمقدرات الأمة وثرواتها، والمغامرة حتى باستقرار الحكومات ذاتها، ولو كان لدى هؤلاء أدنى حس شعبي أو تفكير عقلاني، ربما لبحثوا عن اختيار آخر، يولي عنايته لقمم العرب الغائبة، لا لقمم مريبة مع الإسرائيليين، ويركز على بلورة مسار للأمة المنكوبة في عالم يتغير بسرعة، يعيد صياغة علاقات الإقليم مع إيران وغيرها، وقد نذكر هنا، أن قفزات أسعار البترول بدت كفرص ضائعة، فقبل القفزة الراهنة، كانت هناك قفزة في غمار الأزمة المالية العالمية عام 2008، وقبلها بعقود، ومع الحرب العربية النظامية الأخيرة ضد «إسرائيل» عام 1973، والقطع الموقوت لتصدير البترول إلى الغرب، كانت القفزة المؤسسة لتراكم الثروات الخليجية، وقتها كانت الحالة العربية العامة أفضل بكثير، وفكر بعضهم وقتها في تطوير صناعة سلاح عربية ذاتية، وجرى اتفاق مصري ـ خليجي على إنشاء «الهيئة العربية للتصنيع» عام 1975، وكوعاء يجذب الوفرة المالية الخليجية، مع الخبرات الفنية المصرية وغيرها، بدا المشروع الطموح كحلم، سرعان ما تعثر وتبخر مع تطورات وانهيارات صادمة في السياسة العربية، ومع عقد الاتفاق النووى الإيراني عام 2015، بدا أن هناك أملا يراوغ بقمة «شرم الشيخ» العربية في العام نفسه، وجرى طرح اقتراح بإنشاء قوة عربية مشتركة، وافقت عليه الأغلبية في الظاهر، وما إن بدأت إجراءات التنفيذ، حتى تراجعت أطراف مؤثرة ماليا، وأوقفت المشروع كله، ربما تفضيلا لدفء «الكفيل الأمني»، الذي ينتقل مزاده اليوم من أمريكا إلى إسرائيل، وكأن المعنيين يستجيرون من الرمضاء بالنار، ويصرون على إهانة الأمة وإضاعة العقل تحت تأثير الصدمة الإيرانية، وفي عالم لا يعترف للضعفاء بمكان تحت الشمس، حتى لو ملكوا أموال «قارون».
كاتب مصري
ان من يهتم ويكترت بشؤون الدول العربية خاصة الخليجية كمن يتحارب مع طواحين الهواء.فهم سيبقون كذلك يلهثون وراء المال والبذخ والفساد و حماية من اسرائيل التي لاتستطيع حماية حتى نفسها….
على مناصري إيران وحرسها أن يراجعوا ويدرسوا جيدا توجه الشعوب العربية في السنين الأخيرة وقراءة مواقفها ومشاعرها من المشروع الايراني في الوطن العربي…السواد الاعظم من الشعوب العربية أصبحوا يرون في إيران عدوا متربصا تفوق شراسته شراسة إسرائيل…من يظن أن إيران تطور سلاحها النووي لمقارعة إسرائيل والغرب فهو غبي…هي بكل بساطة تسعى لتركيع العالم العربي وبسط نفودها عليه وجعله مجرد حديقة لها…هي بكل بساطة تريد أن تخلف أمريكا القادمة من بعيد لتصبح شرطي المنطقة بامتياز…إيران تعتبر نفسها إمبراطورية كروسبا وتركيا والصين وغيرها وترى أن من حقها مجالا حيويا خاصا بها وللاسف اختارت المشرق العربي كهدف لمشروعها وما يحز في النفس أن طائفة من العرب تساعدها بغباء وحماس منقطع النظير…
” المتغطي” بإسرائيل عِريان …
حملة انتقام…هذا كلام مجاني متحيز
روسيا تخطن كل الخطوط واحتلت
بوحشية لا نظير لها بلدا آمنا مستقلا بالقوة