عرض أردوغان لمساعدة أكراد عين العرب بتسليح «الجيش الحر» فرضته دواع أمنية

حجم الخط
0

إسطنبول ـ «القدس العربي»: يدرك الأتراك بأن أي دعم عسكري لأكراد عين العرب كوباني بدون علم منها، وبدون مراقبة عسكرية لما يتم إرساله يعتبر أمراً غير مقبول إطلاقاً، لأنه قد يتحول إلى أيدي قوى وأحزاب تهدد الأمن القومي التركي، فتركيا عانت ولمدة ثلاثة عقود من عمليات إرهابية قتلت عشرات الألوف من الشعب التركي، وكان القاتل هو حزب العمال الكردستاني الذي يرأسه عبدالله أوجلان، سجين جزيرة امرلي منذ عام 1999، أي أن لتركيا أمنها القومي قبل الحديث عن أي معارك على حدودها الجغرافية، فهناك حرباً كان يشنها حزب العمال الكردستاني على الشعب والدولة التركية، ولم تتوقف هذه الحرب إلا منذ سنة واحدة تقريباً بعد محادثات وقف اطلاق النار وترحيل مقاتلين حزب العمال الكردستاني إلى الجبال الشرقية وشمال العراق، وهذه اتفاقية تحت الاختبار.
لذلك فإن الحملة الإعلامية التي قامت أمريكا بصناعتها حول مدينة عين العرب كوباني لا يمكن أن تخدع الحكومة التركية ولا شعبها، هذا الموقف التركي لا يعني تخلي الشعب التركي عن إخوتهم الأكراد في عين العرب كوباني، لأن كل سكان عين العرب من السكان المدنيين أصبحوا الآن ضيوفاً على الشعب التركي، فهم الآن على الأراضي التركي في مخيمات أعدتها الحكومة التركية وعلى مسؤوليتها الاغاثية والمالية والأمنية، ولذلك تتساءل الرئاسة التركية والحكومة والشعب التركي عن الحملة الاعلامية التي تفتعلها أمريكا حول عين العرب ويشارك فيها الأحزاب والمفكرون والإعلاميون الأكراد، كل له أهدافه الخاصة أولاً، أو لجهله بحقيقة ما يجري، أو أن ما يحركه هي العواطف أو الأحقاد التاريخية، أو أيدي الذين يطفئ الله تعالى حربهم كلما أوقدوا ناراً لها.
فأولى الحقائق التي ينبغي معرفتها أنه لا يوجد في كوباني مواطن كردي مدني واحد، وكل ما في المدينة الآن هم مقاتلون عسكريون من قوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردية أو جناحه العسكري، وكلاهما تابع أو له مصالح مع جيش الأسد وتحالفه الطائفي، الذي يعرض الآن مساعدته لهم – بل ويصرح الوزير الزعبي أنه تم تقديم المساعدات -، وهو السبب في كل الدمار والقتل الذي وقع فيها، أي أن جيش الأسد وحكومته القاتلة تعرض دعمها لقوات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي لأنها تريد أن تشعل حرباً قاتلة لمقاتلي هذه المجموعات، لأنها في نظره لها أجندتها الخاصة في الانفصال عن سوريا بدولة خاصة بهم في شمال سوريا، وبالتالي فإن إدخالهم في حرب مدمرة سوف تحقق لجيش الأسد مكاسب في إضعاف كلا الجهتين المتقاتلتين، سواء قوات الدولة الإسلامية داعش أو الانفصاليين الأكراد، ولكن الأخطر والذي تقلق له الحكومة التركية من دعم مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطية وقواته العسكرية قوات حماية الشعب أن يستغلها لحروب انتقامية ضد تركيا، وهو أمر سبق أن قام به بشار الأسد عن طريق عمليات إرهابية نفذها حزب العمال الكردستاني في تركيا في العقود الماضية لصالح النظام الأسدي وبإشراف المخابرات السورية في ذلك الوقت.
وضمن الرؤية الأمريكية المشبوهة في محاربة الدولة الإسلامية داعش، فإن تركيا ترى أن امريكا تستغل الحرب على داعش لتدمير المنطقة بالكامل، ولذلك فهي تفتح مشاريع حرب بين كل الأطراف القومية في المنطقة، بحجة محاربة الارهاب وحماية المدنيين، فتصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يوم الثلاثاء 21/10/2014 بـ« أن عين العرب يمكن أن تسقط، وان ترك عين العرب في هذه الظروف موقف غير مسؤول»، هذه التصريح صحيح، ولكن كيري لا يريد ان تقوم أمريكا بحماية عين العرب من السقوط، وإنما يريد أن يتورط العرب أو الأتراك أو الإيرانيون أو الأكراد بهذه الحرب، أي من الأطراف المحلية بحسب مصطلح وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل بعد لقاء أوباما بالقادة العسكريين لقوات التحالف في واشنطن قبل أسبوع.
إن الدولة التركية تراقب الوضع بكل دقة، وهي حريصة على حماية الشعب الكردي في عين العرب وغيرها، وقد استقبلت كل سكان عين العرب في تركيا، فلا يستطيع أحد أن يحملها مسؤولية مقتل كردي واحد، وفي نفس الوقت تعمل كل ما تستطيعه لمنع سقوط عين العرب بيد داعش، ولكن دون تفريط بحقوق شعبها ودولتها وأمنها القومي، وهو ما جعلها تضع استراتيجيتها الخاصة اتجاه المواقف الأمريكية في قيادة التحالف الدولي لتحقيق الأهداف الأمريكية فقط، فتركيا لا تريد ولن تكون أداة بيد الغير أولاً، ولا تشارك في أعمال تعود على دولتها وشعبها وأمنها بالخسارة والضعف والتراجع الأمني او الاقتصادي أو غيره.
ولذلك فإن تركيا وفي ظل سعي أمريكا لتسليح المقاتلين العسكريين في عين العرب تقوم بالعمل على توفير إمكانيات يتم من خلالها تزويد الأكراد بالأسلحة في عين العرب، فهي لا تسمح أولاً أن يتم تزويد المقاتلين في عين العرب دون أخذ الأمن القومي التركي بعين الاعتبار، أو دون علم تركيا ولا إشرافها، فهذا يؤثر على الأمن القومي التركي، ولذلك جاءت خطوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن يكون دعم أكراد عين العرب من قبل أكراد العراق، وبالاتفاق مع تركيا، فهذه خطوة ضرورية لمعالجة الأخطاء الأمريكية أولاً، ومن أجل تخفيف الضغوط الأمريكية التي تسعى لدفع المعارك في عين العرب كوباني.
لقد انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء 22/10/2014 عمليات إلقاء معدات وأسلحة امريكية من الجو على المقاتلين الأكراد الذين يدافعون عن مدينة عين العرب كوباني، وقد وصفها الرئيس أردوغان بأنها عمليات عسكرية خاطئة، فبعض الأسلحة وقعت بيد داعش، والأسلحة الأخرى وقعت بيد قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية، لا يختلف في ذلك عن إرهاب حزب العمال الكردستاني، وهذا يعني أنها سقطت بأيدي أحزاب مناهضة للدولة التركية، وهذا يحرج الحكومة التركية أمام شعبها، وأمام أحزاب المعارضة التركية.
هذا السلوك الأمريكي الخاطئ يفتح الباب واسعاً لمعرفة من المستفيد من هذه المساعدات في نظر الدولة التركي، فلو وقعت بأيدي داعش فإن تركيا متضررة، وكذلك إذا وقعت بأيدي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، فكلاهما يهدد الأمن القومي التركي، والدولة التي تتحمل مسؤولية امنها القومي وحماية شعبها مطالبة ان تبحث عن حلول أخرى لا تؤثر عليها سلبياً، ولذلك جاء اقتراح الرئيس التركي أردوغان للرئيس الأمريكي أوباما بان تكون عملية دعم المقاتلين في عين العرب من الجهات التي لا تهدد الأمن القومي التركي، والجهة التي اقترحها أردوغان هي قوات البشمركة لحكومة كردستان في شمال العراق، وقوات الجيش السوري الحر، وان تكون ضمن الرؤى والمراقبة التركية، وعلى هذا الأساس تم اصدار قرار البرلمان الكردستاني لإقليم شمال العراق بإرسال قوات مقاتلة إلى عين العرب، وكذلك وافق البرلمان التركي على السماح لقوات البشمركة العراقية بالمرور من الأراضي العراقية وهي تحمل مقاتلي ومعدات قتالية، فهذا الاقتراح من أردوغان دليل قاطع على ان الدولة التركية لا تمانع إرسال مقاتلين ومساعدات عسكرية كردية لعين العرب، ولكن بشرط التحكم بها والإشراف عليها، وفي ذلك حماية للشعب الكردي والتركي معاً.
إن تركيا تتساءل لماذا تأخذ عين العرب هذه الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للامريكيين رغم عدم وجود مدنيين بل مجرد مقاتلين عسكريين فقط، واستمرار المعارك فيها لن يحقق لأحد الأطراف إلا القتل وسفك الدماء ومزيد من الدمار، وهذا ضمن رؤية أمريكية مشبوهة، فهل يدرك الأخوة الأكراد أنهم يساقون إلى حرب مهلكة، وان تحميل الأكراد وحدهم حماية عين العرب او مواجهة داعش فيها هي خطة أمريكية مشبوهة، فقد تكون نتائج هذه المعركة لو انتصر فيها الأكراد على داعش تمكينا لجيش الأسد وحكومته، بينما لو كان الأكراد فيها صادقين أو واعين لكان عليهم المطالبة اولاً بان تكون المنطقة منطقة حظر جوي، ومنطقة آمنة بقرارات من مجلس الأمن والأمم المتحدة وقيادة التحالف الدولي، حتى لو تم دحر داعش فلا تتمكن حكومة الأسد ولا جيشه من فرض سيطرته عليها، وكذلك لو كانت نوايا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صادقة لكان حريصاً على التحالف مع الجيش السوري الحر الذي يقاتل داعش لحماية الشعب السوري في عين العرب وغيرها.

محمد زاهد غل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية