أقر البرلمان الإسرائيلي، في العاشر من مارس الجاري، مشروع قانون يمنع منح الجنسية للفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المتزوجين من مواطنين إسرائيليين. وسوف يحل هذا القانون محل أمر مؤقت مماثل أقر في ذروة الانتفاضة الفلسطينية عام 2003، وكان يجدد سنوياً إلى أن انتهت مدة سريانه في يوليو عام 2021. ومن الجدير ذكره، في هذا الصدد، أن معظم الرعايا الأجانب الذين يتزوجون من إسرائيليين أو إسرائيليات باستطاعتهم العيش في إسرائيل، ويمكنهم أ ن يصبحوا مواطنين في الدولة في نهاية المطاف، الأمر الذي لا ينطبق على الفلسطينيين ورعايا بعض الدول العربية الأخرى.
ويحظر القانون الجديد لم شمل المواطنين الإسرائيليين أو المقيمين مع أزواجهم الذين يتمتعون بجنسيات «دول معادية» مثل لبنان وسوريا وإيران. غير أن لهذا القانون كبير الأثر، في أغلب الأحوال، على النساء والأطفال الفلسطينيين. وكان الكنيست قد فشل، في الصيف الماضي، في تبني القانون بسبب عدم دعمه من قبل الأعضاء اليساريين والعرب في الائتلاف الحاكم. بينما أيدته المعارضة، بقيادة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، لكنها لم تصوت عليه في يوليو، بهدف وضع الحكومة الحالية في موقف محرج.
ولكن، هذه المرة، عملت إيليت شاكيد وزيرة الداخلية، من حزب يمينا اليميني المتطرف بزعامة نفتالي بينيت، بلا كلل لضمان نجاح التصويت، وتمرير مشروع القانون، سواء بين أعضاء الائتلاف الحاكم أو المعارضة، وكان لها ما أرادت، حين رفض قانون التمديد، لمدة سنة واحدة، 15 عضواً فقط من أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120. بينما امتنع حزب العمل عن التصويت، ولم يصوت ضده سوى الحزبين العربيين (القائمة المشتركة) وميرتس. وقد اعترفت شاكيد، ومسؤولون آخرون، بأن الدافع الأساسي لمشروع القانون، يكمن في الرغبة في الحفاظ على أغلبية يهودية في إسرائيل. وكانت شاكيد قد أفصحت في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» قبل نحو شهر من التصويت، في التاسع من فبراير الماضي، عن نواياها حين قالت بوضوح: «لا نحتاج إلى تلطيف أقوالنا، فالقانون له، أيضاً، أسبابه الديموغرافية». وأردفت: «يهدف القانون إلى تقليص دوافع الهجرة إلى إسرائيل، لدواع أمنية بالدرجة الأولى، ثم لدواعٍ وأسباب ديموغرافية أيضاً». وأن الهدف منه «منع حق العودة الذي يتسلل خلسةً بين ظهرانينا» على حد قولها. كما دافع مؤيدو القانون عنه لأسباب أمنية، زاعمين أن المقاتلين الفلسطينيين قد يستغلون الزواج للدخول إلى إسرائيل، وحسب بيانات «الشين بيت»: «لم يقم أي شخص سُمح له بلم الشمل مع أسرته، منذ بداية عام 2018، في التخطيط لهجوم إرهابي أو تنفيذه، لكن العديد من أبنائهم قاموا بذلك؛ وأحصى «الشين بيت» ما مجموعه ستة «مهاجمين» وخمسة «متورطين» وثلاثة «متواطئين». في غضون ذلك، لم يشكل نجاح التصويت على القانون مفاجأة لأحد في إسرائيل، نظراً لأن جميع الأحزاب الصهيونية، بغض النظر عن انتمائها وموقعها السياسي، تعتقد أن إسرائيل هي دولة يهودية حصراً، كما تعترف السلطات الإسرائيلية، أحياناً بصورة علنية كما فعلت شاكيد، بأن العوامل الديموغرافية تقع في قلب هذا التشريع. فاعترف، على سبيل المثال، وزير الخارجية يائير لابيد في يوليو الماضي، بأنه «ينبغي أن لا نخفي جوهر قانون المواطنة. إنه إحدى الأدوات التي تهدف إلى ضمان أغلبية يهودية في دولة إسرائيل». وفي واقع الأمر، شكّلت التركيبة السكانية، في إسرائيل نقطة مركزية لهذا لقانون منذ الإعلان عنه، أول مرة، عام 2003، وصولاً إلى قرار المحكمة العليا الذي رعته وأكدت عليه عام 2012.
قانون لم شمل الأسرة، واحد من عشرات اللوائح الإسرائيلية التي تميز بين الأشخاص على أساس العرق أو الإثنية أو اللغة أو الأصل
ولعل هذا ما يفسر احتفاء شاكيد بإقرار القانون يوم العاشر من مارس حيث غردت تأييداً له باعتباره انتصاراً لـ»دولة يهودية وديمقراطية» وهزيمة لـ»دولة لجميع مواطنيها» كما يروج هذا التعبير الأخير بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يمثلون 21% من السكان، كنوع من التأكيد على رغبتهم في المساواة المدنية والقومية. غير أنه لا ينطبق على سكان الضفة الغربية التي يسكنها حوالي 500 ألف يهودي بطريقة غير شرعية، الذين يعيشون في «مناطق معادية» ويحملون الجنسية الإسرائيلية. وبالتالي، فإن هذا القانون يمثل أفضل مثال على صعود ظاهرة التفوق اليهودي في إسرائيل، ما يجعلها دولة يهودية بدلاً من دولة ديمقراطية. من ناحية أخرى، ينظر معظم الفلسطينيين إلى سياسة القوانين الإسرائيلية هذه، على أنها تشريعات تمييزية ضدهم مشحونة بالعديد من الدوافع العنصرية الأخرى، وهي، كما وصفتها منظمة العفو الدولية في تقرير فبراير 2022، جزء من نظام فصل عنصري، حيث «يُعامل الفلسطينيون على أنهم مجموعة عرقية متدنية ويُحرمون بشكل منهجي من حقوقهم». ووفقاً لما كتبه الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي: «هذا القانون هو دليل قاطع على حقيقة أن الأمر ليس فقط ممارسات فصل عنصري فحسب، بل قوانين فصل عنصري أيضاً». كما كتب عاموس شوكن المحرر في صحيفة «هآرتس» عام 2008: «من الأفضل [لنا] أن لا نغض النظر عن حقيقة ممارسات الفصل العنصري: فوجودها في اللوائح القانونية يجعل من إسرائيل دولة فصل عنصري». لقد مثّلت هذه السياسات كابوساً حياً لعشرات الآلاف من العائلات الفلسطينية داخل وخارج الخط الأخضر، بما في ذلك عائلتي. فقد كان عليّ أن أعيش، لنحو خمسة عشر عاماً، من عام 1998 حتى عام 2013، حياة مؤقتة مع زوجي الفلسطيني المولود في الضفة الغربية، لأنه لم يتمكن من الحصول على تصريح إقامة للعيش معي في القدس. لم يكن قادراً على فتح حساب مصرفي، أو اقتناء سيارة، أو شراء أو استئجار منزل، أو أية ممتلكات أخرى، أو حتى التنقل بحرية بين منزل عائلته في رام الله وإسرائيل أو القدس الشرقية. وفي عام 2000، خلال الأسابيع الأخيرة من حملي، اخترت المكوث في منزل والديّ في الناصرة لأحظى بدعمهم ورعايتهم. وعندما دخلت المخاض لأول مرة، اتصلت بزوجي، الذي لم أره منذ أسابيع بسبب عدم قدرته على دخول إسرائيل دون تصريح، ولكي يتمكن من الحضور لرؤيتي أُجبر على بذل يوم كامل تقريباً للوصول من رام الله إلى الناصرة، بدلاً من رحلة تستغرق، في العادة، حوالي ثلاث ساعات فقط. كان ذلك في فصل الشتاء، في ديسمبر، وقد قضى الجزء الأكبر من رحلته تلك سيراً على الأقدام، وتطلّب الأمر منه عبور الخط الأخضر بشكل غير قانوني. وأثناء قيامه بذلك، كان الخوف يسيطر عليه من أن يكتشف الجنود الإسرائيليون أمره، أو يطلقون النار عليه. أقصى ما كان يتمناه ويريده، طوال الرحلة التي استغرقت اليوم بأكمله، أن لا أفقد وليدي وأن يرى طفله البكر.
قانون لم شمل الأسرة، في حقيقة الأمر، هو مجرد واحد من عشرات اللوائح الإسرائيلية التي تميز بين الأشخاص على أساس العرق أو الإثنية أو اللغة أو الأصل. ولكن حتى بوجود هذه القوانين، يعد هذا القانون الأخير من أكثرها تمييزاً ضد العائلات الفلسطينية – وهو انتهاك عنصري للحقوق الدستورية الأساسية. فهو يمنع العائلات والأطفال من لم شملهم مع ذويهم والاستمتاع بحياة طبيعية، ويمنع الفلسطينيين من اختيار حب حياتهم، ومن العيش في المكان الذي يرغبون فيه، وحتى من السفر بحرية عبر المدن والقرى. على حد تعبير روت شاعر، المحامية في جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل، «يبدو الأمر أكثر من كونه يعبر عن ظاهرة كره الأجانب أو كونه عنصرياً (أكثر من غيره من القوانين الأخرى) لأنه لا يمنح حقوقاً وامتيازات إضافية لليهود فحسب، بل يبدو عليه، أيضاً، تنكره لحقوق أساسية معينة للمواطنين العرب».
ومع كل هذا، ثمة ما يشيع بعض التفاؤل، لاسيما تلك الأخبار التي تقول إن العديد من الجماعات الحقوقية، بما في ذلك منظمة عدالة، أشارت إلى أنها ستطعن في القانون أمام المحكمة العليا الإسرائيلية. وإذا لم يفلح ذلك، يمكن للأسر الفلسطينية المتضررة أن تختار تقديم التماس ضده واحداً تلو الآخر، ما يؤدي إلى انسداد النظام القضائي، وجعل الوضع غير مقبول لإسرائيل على المدى الطويل. لن يمنع هذا القانون الفلسطينيين من بلوغ مآربهم الإنسانية. ولن يمنعهم من الحب والزواج من شخص عبر الحدود؛ لن يمنعهم من إقامة حفل زفافهم مرتين، مرة في الضفة الغربية وأخرى داخل الخط الأخضر، كما فعلت أنا عام 1998؛ أو من العيش بشكل منفصل أثناء التعاون في تربية أطفالهم عبر الحدود. خلاصة القول، من غير المرجح أن تستسلم العائلات الفلسطينية المتضررة، مثل الفلسطينيين في أماكن أخرى، أو تتنازل عن حقوقها دون قتال – وهو واقع فشلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في إدراكه حتى الآن.
*أكاديمية وباحثة فلسطينية
مقال مفصل و في الصميم !
الاحتلال احتلال ، و المحتلون محتلون ، ليس هناك احتلال و محتل عادل و انساني ( ارجو الا يحتج علينا البعض بالاستثناء). الغاء المحتَل لمن احتل ارضهم و بلدهم تكاد تكون طبيعة ثانية فيه بعد طبيعته كعنصري! اقول تكاد لان المسلمين كانوا استثناءا. هل هناك دولة احتلال و ديمقراطية ؟!