ماذا يفعلُ الشِّعر؟
لا شيء
أتأمَّل تلك الهوَّة في نفسي
أسقطُ فيها
أصادفُ الشَّمسَ تلعبُ الخفاءَ مع البحرِ
عشبَ البراءةِ الأزرقَ
والطُّيورَ قبل الكلام
ثم أتلاشى
لإنقاذِ قلبٍ يصغي
٭ ٭ ٭
عادةً ما يعجبني تأمُّل اليدين
اليدان فقط
اليدان المرسومتان بأقلامِ الفحمِ على ورقةٍ بيضاءَ
حيث التَّجربةُ واليأسُ ينهضان من التُّرابِ
وعظامي
اليدان المضمومتان إلى بعضهما
في أيقونات القدِّيسين
مثل جمرةٍ تنظرُ إلى الأعماقِ
اليدان البنغاليتان في صلاة راماكريشنا
وهي تمسحُ صوتَ الله على أغصانِ البامبو
وتصلُ السَّماءَ بأوَّل العتباتِ
أصابعُ الرُّخام اللَّحميِّ في تماثيل رودان
العالمُ الذي يستفيقُ من الحجارةِ
أبيضاً وأنثويَّاً
مرَّة أخرى.
٭ ٭ ٭
مشتَّتةٌ بين الكثيرِ من الأفكارِ
حين أٌمشي في طرقاتٍ لا أعرفها
أشعرُ أنَّ اللُّغةَ تصادفُ نفسها للمرَّة الأولى
وتسألُ:
أيّ معنى لكلمة اثنين بين الوردةِ والضَّوءِ؟
ما الحزن المتبقِّي للنَّدى؟
أين هي المدنَ التي هاجرت في اضطرابِ الأجنحةِ؟
كيف يكون ملمسُ كلمةِ (لا ترحل)؟
أيّ صوتٍ ينادي بين الأحراشِ «احمرَّ السُّمَّاقُ»؟
من الذي عرفَ اللعبَ في طعمِ البحرِ وترك أصدافَه عاريةً؟
بأيِّ وجهٍ يستمعُ الماءُ إلى تنهُّداتنا؟
كيف تتشابهُ بعضُ الأشياءِ ثم تفترق
كالعشبِ والرَّحمِ وحركةِ القواربِ في ميناء؟
إلى أين يذهبُ الخريفُ بعد أن يطفئ النَّوافذَ جميعها؟
هل لازال لوركا نائماً في التُّفاح؟
ما قرابَةُ اللَّيلِ بالنُّجومِ؟ وأين بيت الوحدة؟
لم على اللُّغة أن تعيدَ تشكيل أشدِّ مخاوفنا عمقاً
دونَ أن تجرحَ الهواءَ؟
لم تستقبلنا الرُّوحُ بعينين ثم تحفرُ فينا مثل صوتٍ غائبٍ؟
ما الذي يقفُ في منتصفِ كلمةِ (أحبُّك)؟
لم كان من الصَّعب على الإنسانِ أن يكون صديقاً
كما تفعلُ الموسيقا؟
هل سيبقى الجنسُ مرغوباً ومضطهداً
ومرجوماً وفاحشاً وسريَّاً ومقدَّساً
مع جميع النِّساء؟
كيف يبدِّل الرَّبيع جسدَه بكلمة (مستحيل)؟
أين الحواس جميعها حين يشعُّ بيننا شيءٌ متغيِّرٌ وعادلٌ كالقبلة؟
هل ستزهرُ أصابعُ الاختلافِ
قبل أن يتعلَّم الأطفال أن يرسموا شيئاً غير وجهِ الله؟
هل حقاً رغيف المخيِّلة حقيقة لا يشبعُ منها الفقراء
كما يقالُ في قصصِ الزِّنِّ البوذيَّة «لا يمكن سرقة القمر؟»
هل تكفي العصافير لحملِ عزلة التَّماثيلِ عن أكتافِ الغرباءِ؟
كيف تقابلُ الموتَ بزهرةٍ بيضاءَ كالصَّمتِ
وتراقصُ الحياةَ وحدكَ بكلِّ ألوانِ الزَّوالِ؟
والأهمُّ من كلِّ ذلك
حين نخرجُ رؤوسنا من السَّطحِ إلى الأبعادِ
كيف نعرفُ السُّؤالَ الذي ابتدأ هذه الغيوم جميعها؟
مشتَّتةٌ بين الكثيرِ من الأفكارِ
حين أمشي في طرقاتٍ لا أعرفها
واللُّغة التي فقدت مفاتيحها الخضراءَ
تبحثُ
عن المرأةِ التي صادفتها الرِّيحُ منذ قليلٍ.
قضيتُ أيَّاماً وأنا أفكِّرُ في مسافاتِ الحبِّ
وما تبقَّى منَّا
بعدَ كلِّ ذلك الوقت الذي قضيناه في الشِّجار حول كلِّ شيءٍ
ربَّما لن يعرفَ أحدنا عن الآخر
إلا بقدرِ ما نحتاج
لنأخذَ الحواسَ بيننا إلى تجربةِ الامتلاءِ
ويصبحُ ذلك الصَّمت الهائل بين النُّجوم وأشجار اللَّيل
ما يضعنا دائماً في عزلةِ العالم.
٭ ٭ ٭
حين رأيتك
كنت تفكِّر في معنى (السَّعادة)
مطبقاً جفنيك على صوتِ ساقيةٍ
وفارداً ذراعيك في الهواء
لم أفهم كلَّ الكلمات التي حاولتَ انتشالها
من الافتقادِ الذي يجعلك محنيَّاً على رائحةِ التُّرابِ
والوضوحِ الذي تألفهُ بعمقٍ
حين تتأمَّل منعزلاً بدايات اللُّغة
كان الصَّمتُ بيننا
زهرةَ الوقتِ الموحشةِ
تحاولُ الوصولَ إلى أبديَّة النَّهار
أو أن تمنحَ الغرقَ وجه المستحيلِ.
٭ ٭ ٭
شيءٌ ما يدعوني للتَّحدُّثِ إليك
رغم الذَّاكرة
وأشدّ الطُّرقات ضياعاً فيها
أعلمُ أنَّ كلماتنا
لن تكون إلَّا مثل هذه البرودة المغلَّفة
بأوهامِ الرُّؤية من بعيدٍ
حين يعودُ الرَّبيع المختبئ خلفَ شجيراتِ الأمسِ
إلى تقصِّي أكثر اللَّحظات انتشاراً مع أزهارهِ الآتية
أعرفُ أنَّ للهجرةِ في صوتك
نبضَ انشقاقِ حلمٍ عن جدارٍ
كما أعرف أنَّ للعزلةِ في صوتي
ذاكرة الأشياءِ البسيطةِ
مضحكٌ هذا الشُّعور الذي يجعلنا
مستغرقين في تأمُّل أشياء لا نعرفها
وكأنَّنا نبحثُ عن الألفةِ
التي تزهرُ بملامسةِ الهواء
لمجرَّد أن نكونَ
مجهولَين في الزَّمن والشُّعور والطَّريق
والكتابة التي تمضي رغماً عنَّا
إلى عزلتها المهاجرة.
٭ ٭ ٭
سوفَ أعيشُ
دون أن أتمكَّن من الإمساكِ باللَّحظة
ومدِّها على جلدي بالسِّكين
مثل لونٍ أعزبٍ
سوفَ أعيشُ
وأنا أنظرُ إلى الجبالِ بعفويَّةٍ
وركبتاي ثابتتان في اللَّاجدوى
من معرفةِ الحتمِ أو اختيار الطَّريق
سوفَ أعيشُ
بعيدةً ومنعزلةً
مع ما تفرضُهُ الغيومُ
من ركامٍ معتَّقٍ وخفيفٍ لا يتعبُ من الحقيقةِ
سوفَ أعيشُ
مع قمرٍ أوحدَ وظهري العاري
الذي سيتعلَّم من العاصفةِ
ولونِ الشَّفقِ
أنَّه ما من جواب
سوفَ أعيشُ
وهمَ الملاكِ والأيَّامِ الوحيدة
حيث الجميع يعلمُ ما ينبغي أن يكونَ
خارجَ هوسي بالأشياءِ الآفلةِ
سوفّ أعيشُ
في الفراغِ الحميمِ للسَّفرِ
أعشقُ بخارَ الشَّوارع والجدران المتصدِّعة
أرافقُ الألفةَ المشوَّشةَ والإحساسَ بالقتلِ
شاعرة من سوريا