مجدداً باتت المطالبات ملحة أكثر من أي وقت مضى بضرورة وضع حد للتعنت الاسرائيلي واجباره على التقيد بالقوانين والأحكام التي تدير العالم، القائمة على العدل والمساواة من دون تفرقة أو تمييز باللون او العرق او الدين أو غيرها.
لن أتحدث عما يجري في غزة، لان أخبار فظائع جرائم الاحتلال وآلة بطش الكيان الصهيوني لا تنقطع، بل عن فرقه الرياضية وأنصاره، ففي ليلة الخميس الماضي، لم يتوان مثيرو الشغب منهم عن الاعتداء على شخص يحمل العلم الفلسطيني في العاصمة اليونانية أثينا، ما أدى لإصابته بجروح، وهم من مشجعي فريق مكابي تل أبيب لكرة القدم، الوافدين لأثينا لحضور مباراة فريقهم ضد منافسه اليوناني أوليمبياكوس ضمن منافسات دوري المؤتمر الأوروبي، والمفترض أن يكون معاقباً بالحرمان من الاتحاد الاوروبي لكرة القدم (يويفا)، على غرار كل الفرق الرياضية الاسرائيلية أسوة بما ما حدث مع الفرق الرياضية والرياضيين الروس والبيلاروس.
قد تكون حادثة الاعتداء في أثينا عملاً فردياً لا يرقى الى معاقبة كيان مغتصب بأكمله، لكن جرائم هذا الكيان المحتل على مدى سنوات طويلة، وخصوصا في الشهور الماضية، باتت لا تدع مجالا للشك في ضرورة وضع حد لهذه الغطرسة والتكبر، بل وضع الاتحادات الرياضية، ومنها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) واللجنة الاولمبية الدولية، في زاوية ضيقة جداً، بسبب مواقفها المتباينة والمتناقضة مع مواثيقها ومفاهيمها في ترسيخ العدل والقانون، بل العالم بأكمله بات مطالباً اليوم بالاجابة على أبسط الأسئلة، ومنها هل تكيل هذه الاتحادات بمكيالين؟
رغم بديهية الطرح، وربما اهتراء المطالب، يظل السؤال ملحاً، هل فعلاً العالم يدار من هؤلاء على حساب أولئلك؟ هل نحن أمام طائفة من الاوهام لنصدق حزم وشجاعة هذه الاتحادات الدولية والعالمية الرياضية، وغيرها، عندما يتعلق الامر بمعاقبة المخطئ والمعتدي، على غرار ما حدث مع روسيا؟ أم أن هذه الاتحادات مجرد أدوات مطيعة تستخدم وقت لزوم الحاجة لخدمة أولئك؟ رغم أن الرياضة الروسية ما زالت تعاني وتتلقى العقوبات على اجتياحها أوكرانيا.
في نهاية العام الماضي، أصدر الاتحاد الأردني لكرة القدم، بيانًا رسميا، طالب من خلاله المجتمع الرياضي الدولي باتخاذ «موقف حاسم» لوقف «العدوان» على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية من الجيش الإسرائيلي. ودعا إلى فرض عقوبات على الرياضة الإسرائيلية، وإبعاد منتخباتها وأنديتها ولاعبيها وممثليها عن أي بطولات أو تجمعات، وهي مطالب رددها علناً وسراً الكثير من الاسرة الرياضية الدولية، أفرادا وتجمعات. وكان واضحاً أن التجاهل الصارخ للقوانين الأخلاقية والإنسانية، أدى إلى تحويل مرافق كرة القدم في غزة إلى مواقع للأذى والإذلال والإساءة للمدنيين والأطفال الأبرياء، وجرّده من غرضه الأساسي كمساحات للفرح والأمل، وهذا فقط في الشهور الأخيرة، ومنها على سبيل المثال تحويل الملعب التاريخي «استاد اليرموك» الى ساحة تجميع للمعتقلين من الاطفال والنساء والرجال، بالاضافة الى تدمير مقرات رياضية ومنشآت أخرى، وقتل واعتقال المئات من الرياضيين من مختلف الألعاب، وهو ما يكفي لاثارة غضب الاتحادات الدولية.
اليوم بالكاد يسارع العالم لنجدة الجياع من أهالي القطاع، بتقطير المساعدات الشحيحة بصورة مهينة، بل التفنن في رسم مستقبل القطاع ضمن مخططات الامر الواقع، في مشاهد فاقت كثيراً ما تعرضت له أوكرانيا من القوات الروسية، ومع ذلك ما زالت الفرق الصهيونية تشارك في المسابقات الأوروبية، بل أكدت اللجنة الأولمبية الدولية مؤخراً ان الكيان الصهوني لن يلقى مثل عقوبة روسيا، وستكون بامكان رياضييه المشاركة في أولمبياد باريس الصيف المقبل، من دون أي مراعاة أو ربما تفكر بالمقاربة مع العقوبة الروسية.
نحن جميعنا نعرف السبب، بل كلنا متيقن من أن اي عقوبة ستصدر في حق الكيان الصهيوني سيخرج منها مثل الشعرة من العجين، لأن هناك في الخفاء من يدير الدفة ويتحكم بالمتنفذين وأصحاب القرار، ولأنهم على يقين من أننا اليوم سنطالب وغدا سننسى وستنسنا مسلسلات رمضان أي مطالب او عقوبات.
معاناة الفلسطينيين، ليست في غزة وحدها، ولم تبدأ منذ 5 شهور فقط، بل هي ممتدة على مدى عقود طويلة، ومن الأولى للمؤسسات الرياضية الدولية والعالمية، اذا لم تقو على معاقبة الكيان الصهيوني بعزله وايقافه، أن تضمن ممارسات كريمة لهؤلاء الرياضيين الرازحين تحت بطش الاحتلال، عدم تعرض منشآتهم وملاعبهم للتدمير والتدنيس والتخريب، بل ضمان ممارسة كل رياضي لعبته من دون ترهيب وخنق وتخويف وتجويع، وحينها نقول ان هذه المؤسسات نجحت في عزل الكيان الصهيوني بكف أذاه.
يتضايقون عندما نسميها «ابادة»، ويغضبون عندما نقول «احتلالاً»، وينزعجون عندما نسميهم «مغتصبين»، رغم أنها ألطف ما نتفوه عنهم من كلمات، لفظائع ما رأته الاعين، فما هو الوصف يا ترى من أفواه أولئك الذين يرزحون تحت ذخائرهم؟