هذا النزول بأعداد المسلسلات الرمضانية في مصر، إلى 24 عملاً فقط، كان متوقعاً، وهذا الغياب للنجوم الكبار أيضاً كان متوقعاً، فالحاكم العسكري، لا يحب الزحام ولو كان لمصلحته!
ومبكراً كتبت أنه سيسرح معظم من يقدمون برامج “التوك شو”، رغم أنها تسبح بحمده وتقدس له، وترش بالنار من يرشه بالماء، واستنكر البعض توقعاتي، فما الذي يدفعه لوقف برامج وقنوات تسانده، وكان رأيي أنه حكم العسكر، الذي يأتي معه لقصور الحكم بثقافة الثكنة، حيث تلقى الإبرة على الأرض فترن، أي تحدث صوتاً يسمعه الجميع، وحيث هذا الزحام لا أحد، وحيث أن شخصاً واحداً هو من يتكلم ويرتفع صوته، وعندما ترتفع أصوات الآخرين، فالمعنى أن اضطراباً قد حدث، وأن خروجاً على تقاليد الكتيبة يجري، ولا بد أن يكون هذا كاشفاً عن أوضاع غير طبيعية!
عندما وقعت حركة ضباط الجيش في سنة 1952، كان لافتا أن بيانها العسكري الأول، دعا المصريين إلى البقاء في بيوتهم، بدلاً من أن يطلب منهم الخروج للاحتفال بحركة تقول إنها تعبر عنهم (لم يجر إطلاق ثورة عليها إلا في وقت لاحق)، لأنهم من ناحية يتوجسون خيفة من الإرادة الحقيقية للجماهير، ومن ناحية أخرى، فإن الضجيج يربكهم، فلا يحكم العسكري إلا إذا حول البلد إلى غرفة عمليات، حيث أن القائد فقط من يتحدث، ولا يتحدث من دونه إلا من أذن له القائد، فلا اعتراض، ولا تزاحم، ولا همهمات.
لاحظ أن قادة الحركة كانوا من صغار الرتب العسكرية، وكان قادتهم ليسوا مقطوعي الصلة بالحياة المدنية، فعبد الناصر، كان قد انضم إلى التنظيم الشيوعي “حدتو”، وإلى جماعة الإخوان المسلمين، كما انضم إلى حزب مصر الفتاة. وبحسب خالد محمد خالد في مذكراته أنه كان عضواً أيضا بحزب الوفد.
ولسنا هنا في معرض مناقشة الدوافع والمآلات، فموضوعنا هو دعوة حركة الضباط الشعب إلى الاعتصام بالبيوت، فالعقلية العسكرية تفقد القدرة على العمل، في الزحام، وإذا كان هذا سلوك من لم يقضوا وقتا طويلا في المعسكرات، فمن الطبيعي أن يكون سلوك من التحق بالجيش في صباه، وبقي في المعسكرات حتى اقترب من سن الستين، فالسيسي بعد سنوات الدراسة التمهيدية التحق مباشرة بالثانوية العسكرية، على عكس السواد الأعظم من الضباط، الذين حدث تحول في مسار حياتهم وهم في مرحلة الوعي بعد الدراسة الثانوية، ومن هنا تنبأت بأنه سيضيق ذرعاً بكل هذا العدد من القنوات التلفزيونية وبرامج “التوك شو”، ثم جاء هو ليؤكد على المعنى نفسه في مقابلته الدعائية مع ساندرا نشأت، عندما قفز من موضوع إلى موضوع برامج “التوك شو”، وبدون ضرورة درامية، ليقول إنه لا يفهم كيف لمذيع أن يتحدث لثلاث ساعات وكل ويوم!
فلم يمر عام على ولايته الثانية، إلا وكان كثيرون من مقدمي هذه البرامج قد أحيلوا إلى بيوتهم، مع أنهم خدموه خدمة العبد للسيد!
وهناك سبب آخر بطبيعة الحال، أنه لا يثق في ولائهم، فقد كانوا مع مبارك، فلما قامت الثورة عليه، تحولوا، ومنهم من لم يكن لديه مانع من أن يعمل في خدمة الحكم الاخواني، لكن درجة استيعاب الإخوان للمشهد كانت ضعيفة!
الاستحواذ على كعكة الدراما
لقد أسس السيسي شركات لشراء المؤسسات الاعلامية، والشركة تسلم الشركة، وهي شركات ملكيتها الحقيقية له، دعك من الملكية على الورق، فمنذ تمكين الأشخاص الاعتباريين من تملك وسائل الإعلام، ونحن نعلم أن الملاك على الوثائق الرسمية ليسوا هم الملاك الحقيقيون، وأن المالك الحقيقي دائماً شخص آخر يعرف الجميع أنه المالك، وإن لم يكن لاسمه وجود في السجلات الحكومية!
واستحوذت شركات السيسي على المشهد الإعلامي، ولم تُبق إلا بعض الوحدات لم تتملكها بعد، مثل قناة “صدى البلد”، ومثل “المصري اليوم” من فئة الصحافة المطبوعة!
وفي هذا العام قامت شركة “سينرجي”، بالاستحواذ على “كعكة الدراما”، وهي شركة، كما يقول تقرير لـ “بي بي سي” مملوكة لشركة إعلام المصريين، وقد ورد في التقرير معلومة جديدة بالنسبة لي، وهى أن “إعلام المصريين” تتبع شركة “إيغل كابيتال”، وهي شركة وقع الاختيار على وزيرة سابقة، لتقوم بدور المالك. وإذا صحت المعلومة فإنها تكون قد فسرت لي بعض التحركات الأخيرة، التي بدت لي غير مفهومة!
فاعلام المصريين كانت مملوكة، بحسب الظاهر من الأوراق، لرجل الأعمال محمد أبو هشيمة، وكانت تستحوذ على عدد من القنوات منها “أون تي في”، وقد اشترتها من نجيب ساويرس قوة واقتداراً، وكذلك صحيفة وموقع “اليوم السابع”، لكن “ايغل كابيتال” بتأسيسها اشترت من إعلام المصريين ما في حوزتها من صحف وقنوات، قبل أن نفاجأ في الأيام الأخيرة، بأن شركة إعلام المصريين تقوم بشراء بعض القنوات التلفزيونية من أصحابها، ليطرح هذا سؤالاً ألم ينته دور إعلام المصريين، لصالح الشركة الجديدة المملوكة على الورق، للوزيرة السابقة، حرم محافظ البنك المركزي الحالي؟!
تقرير “بي بي سي”، لـ “نيفين يوسف”، يقول إن شركة إعلام المصريين هي إحدى شركات “ايغل كابيتال” القابضة. وهو أمر لا بد وأن يصيب من يفكر فيه بدوار البحر، وأن شركة “سينرنجي” تتبع شركة “إعلام المصريين”، التي تتبع بدورها شركية “ايغل”. لا بد إذن من البحث في شجرة العائلة!
فاعلام المصريين تملكت بعض الصحف وبعض القنوات، و”ايغل” اشترت من إعلام المصريين ما في حوزتها من صحف وقنوات، باعتبار “ايغل” ستنفرد بالمشهد، ثم نكتشف أن إعلام المصريين لا تزال تشتري باسمها قنوات تلفزيونية، لنكتشف أنها شركة من شركات “ايغل”، فهل لا تزال إعلام المصريين مملوكة لرجل الأعمال “أبو هشيمة”؟!
الهبوط الدرامي
ومهما يكن، فقد هبط الانتاج الدرامي في رمضان هذا العام إلى 24 عملاً استحوذت شركة واحدة هي شركة “سينرجي” على 15 عملاً، تحت راية “الانتقال من الفوضى إلى النظام، ومن الاسفاف والقبح إلى الرقي والمهنية” وهو ما صاغه أحد الكتاب التابعين لهذه الشركة، وأضاف: “قنوات أون، وسي بي سي، والحياة، ودي أم سي، تقدم محتوى يحترم عقول المشاهدين ويحافظ على البيت المصري”!
القنوات المذكورة، مملوكة لهذه الشركة، وإن تعددت الأسماء، فالمالك الحقيقي لها هو السيسي.
ولك أن تتخيل أن السيطرة على سوق الدراما حدثت في عهد الرئيس محمد مرسي، وأن هذا الشعار رفع في عهده، فكيف ستكون ردة الفعل؟ فمن المؤكد أن الدنيا كانت ستقوم ولا تقعد ويتم التنديد بالسيطرة على الفن باسم الأخلاق، وكان المثقفون سيخرجون لاحتلال وزارة الثقافة من جديد، دفاعاً عن الهوية المصرية، لكن أحداً الآن لم يفتح فمه بكلمة، لأنه ليس مسموحاً لأحد بأن يفتح فمه، وكأن السيسي عقاب من السماء حل بهم، بسبب افتعالهم المشكلات من قبل، ولا يظلم ربك أحدا!
وعلى ذكر هذا، فقد ساق لنا مقدم البرامج المتقاعد باسم يوسف بشرى عظيمة، تتمثل في أنه سيعود للشاشة، بعد توقف دام ست سنوات، لم يقطعها سوى بعدد من الحلقات توقف بعدها بأمر من الباب العالي، فافرحي يا بلادي وكبري، لكن العودة لن تكون عبر الشاشة الصغيرة، بل عبر الشاشة الأصغر، وهي “اليوتيوب”، وليس من القاهرة، ولكن من واشنطن، حيث مقر هروبه، وليس ليقدم البرنامج نفسه، وإنما ليقدم برنامجاً في الأكل الصحي، ومع هذا فقد حرص على التأكيد بأنه في هذا البرنامج لن يتحدث في السياسة مع أن العنوان كان يكفي، ولم يكن يستدعي هذا التأكيد المبالغ فيه!
انظر إلى ما فعله باسم يوسف من إهانات متكررة في حق الرئيس محمد مرسي، لكي تقف على حجم المأساة، فالرجل مع أنه في الخارج، لا يعود ببرنامجه، ولكنه يعود ببرنامج طبخ عن الأكل الصحي، فحتى في مجال تخصصه وهو الطب، هبط لمستوى عمال المطعم بالمستشفي. وهذا بلاء من ربكم عظيم، فلم يفتح أحد فمه والحاكم العسكري يفرض منظومة الأخلاق الخاصة به، على الدراما والفن، فلا يملك أحد أن يصد أو يرد. تذكرون بطبيعة الحال أنه في مثل هذه الأيام من سنة 2013، كان المثقفون المصريون يحتلون وزارة الثقافة ويمنعون وزير الثقافة من الدخول لمكتبه، لأنه إخواني، عينه الرئيس الإخواني، مع أن المثقفين أنفسهم كانوا يعلمون أن الرجل ليس إخوانيا ولا ينتمي للتيار الاسلامي البتة!
قوائم الاحتياط
ما علينا، فالشركة المهيمنة على سوق الدراما في رمضان هذا العام، ليست لها سوابق في مجال الانتاج الدرامي، ومديرها تامر مرسي، لا أحد يعرف من تاريخه إلا أنه كان ضابط مخابرات سابقا، وربما حالي، فعندما تُعسكر الدول، فالشعب يكون على قوائم الاحتياط.
وفي دولة العسكر لا يكفي أن تستحوذ شركة الأجهزة الأمنية على القنوات التلفزيونية، ولكنها تستحوذ أيضاً على الدراما مع أنها مرتبطة بالفن، والعسكر لا شأن لهم بما يتصل بالفنون من أي باب، لينتهي دور شركات الانتاج الرسمية وشبه الرسمية مثل قطاع الانتاج في التلفزيون المصري، و”صوت القاهرة” للصوتيات والمرئيات، ومدينة الانتاج الإعلامي، فضلاً عن شركات الانتاج الخاصة.
ونقل تقرير “بي بي سي” عن المخرجة كاملة أبو ذكرى صرختها من أن تقليص الانتاج سيؤثر على دخل أكثر من مليوني شخص يعملون في صناعة الدراما والمسلسلات!
غداً يصبح لدينا قائد مقاتل على خط الدراما الرمضانية، للرقابة من المنبع، فالحاكم العسكري يريد أن يوجه الفن، حسب رؤيته الخاصة، حتى وإن لم يكن قد شاهد عملاً فنيا في حياته، فهو يريد أيضاً الهدوء وعدم الازعاج.
إنها ثقافة الثكنة العسكرية، التي لا تصلح لإدارة الدول.
صحافي من مصر
الاخ محمد يوسف علي تسالني ان كنت استطيع ان اتظاهر خارج غرفت نومي وهل بالتظاهرات تتقدم الامم انسي التظاهر وركز فيما يفعله السيسي من مشروعات عملاقه واخلع نظاره الاخوان حتي تتضح الرءويه وتري الانجازات العملاقه واحترام زعماء العالم من الصيين لامريكا لماكرون والاتحادالاوربي للزعيم السيسي الذي اجبرهم علي احترامه والزعماء الافارقه اللي انتخبوه لرئاسه الاتحاد الافريقي اخلع نظاره الاخوان لتري الطرق والكباري والعاصمه الجديده والعلمين والمفاعل النووي والطاقه الشمسيه وجبل الحلال وتعمير سينا والمزارع السمكيه وزراعه مليون ونص فدان في الوادي الجديد مصر رجعت ووقفت علي رجليها وجيشها من اقوي الجيوش
Mohamed Sayed,
وأخيراً أحب أن أقول لك أن الإخوان الذين طالبتني بخلع نظارتهم هم من أدخل مرشدهم الأول الشهيد,بإذن الله,حسن البنا كتائب الإخوان إلي فلسطين ليقاتلوا اليهود وعلي أثر ذلك تواطيء المستعمر البريطاني مع الملك فاروق علي حسن البنا فقتله.
Mohamed Sayed,
إذا كانت الأمم لاتتقدم بالتظاهرات,فلما نزلتم تتظاهرون في 30 يونيو في حماية العسكر؟!أما إدعاءك أن زعماء العالم يحترمون السيسي,فالواقع أنهم يحبون الأموال الطائله التي ينفقها في شراء سلاحهم ومنتجاتهم,والمليارات التي أنفقها في شراء السلاح الفرنسي أكبر مثال علي ذلك.أما طرفة إنتخابه لرئاسة الإتحاد الإفريقي فالواقع أن رئاسة الإتحاد بالدور!!!وكلامك عن مشاريع السيسي ذكرني بمشاريع أستاذه في الستينات الزعيم الخالد أبو خالد,مثل صواريخ الناصر والظافر والقاهر والطائره الأسرع من الصوت….إلخ,والتي تكشف زيفها في 67.مشاريع السيسي التي تتحدث عنها وكأنها تمت وأصبحت أمراً واقعاً,فلم يتم منها شيء حتي الأن.مثال ذلك شبكة الطرق التي تربط شمال مصر بجنوبها والتي وعد بإنجاها خلال عام!!!ومع ذلك مازالت حوادث الطرق المميتع تقع بشكل شبه يومي ومعها كوارث السكه الحديد.والمليون ونصف مليون فدان قال عنها وزير الري مصر لاتملك الماء لريها!!!ومفاعل الضبعه الذي يطنطن عليه إعلام العسكر من الستينات هو الآخر وهم لم يتحقق منه شيء.أما حكاية أقوي الجيش فيكذبها قتلي الجيش في سيناء كل بضعة أسابيع وعجز العسكر عن تطهير سيناء من العصابات بالرغم من وعود السيسي المتكرره من 2013….يتبع…