عسكر سوريا..غواية الانقلابات وجنون العظمة لجنرالات البلاغ رقم 1

بيروت: عبد الرحمن مظهر الهلّوش:
حجم الخط
0

«ليتني أحكم سوريا يوماً واحداً ثم أُقتل في صباح اليوم التالي». العقيد حسني الزعيم.

«حركة طائشة قام بها رجل أحمق». خالد العظم معلقاً على انقلاب حسني الزعيم.
«في عام 1957 بدأ ادعاء الجيش بأنه يمثل ضمير الشعب يتلاشى؛ فقد أثبتت سنوات الحكم العسكرية غير المكترث إن الضباط فقدوا تذوقهم للإصلاح، ولم يفقدوا شهيتهم إلى السلطة». (باتريك سيل. الصراع على سوريا)
يُعّدُّ كتاب الصحافي اللبناني فؤاد مطر «عسكر سوريا.. وأحزابها – غواية الانقلابات والتقلبات والولاءات الحنظلية ودراميديا الثعلبة وجنون العظمة لجنرالات البلاغ رقم 1»، الصادر حديثاً عن (الدار العربية للعلوم – ناشرون) في 296 صفحة من القطع الكبير. وثيقة تاريخية مهمة ومرجعاً أساسياً في الاطلاع على مرحلة معقدة من التاريخ العربي الحديث.

مهرجان الانقلابات

الملاحظ في سوريا أنّ الجيش حديث العهد، بدأ بافتتاح مهرجان الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية، فاتحاً الطريق أمام الجنرالات العرب لإعلان البيان رقم واحد، إيذاناً بسيطرة العسكر على السلطة، كما حصل في مصر 1952 والعراق 1958. لقد كان المشهد السياسي السوري منذ ما قبل الاستقلال في غاية التعقيد، وكلمات الرئيس السوري شكري القوتلي للرئيس المصري عبد الناصر في وصف الشعب السوري بأنّ (كل مواطن سوري زعيم) لم تكن عبثية، بقدر ما كانت توصف المشهد السياسي السوري منذ تلك الفترة. وإنّ الانقلابات في سوريا كانت على الدوام تحركها أياد أجنبية من أجل تمرير صفقة معينة اقتصادية أو سياسية، وربما لأغراض ثقافية واجتماعية.

في ظل حكم العسكر

عاشت سوريا حالة من عدم الاستقرار السياسي، وتذبذباً في علاقاتها مع الأقطار العربية، ففي الوقت الذي أيد فيه العقيد سامي الحناوي الوحدة مع العراق، عارضها حسني الزعيم وأديب الشيشكلي، ما أتاح الفرصة لتدخل دول عربية وغربية في شؤون سوريا الداخلية آنذاك. مع انهيار حكم حسني الزعيم ومجيء سامي الحناوي، ظهرت مجدداً نغمة الاتحاد السوري- العراقي، هذه النغمة كانت مرفوضة من بعض الدول العربية ولها أسباب استراتيجية في نظر تلك الدول.

شريعة الانقلاب بالقوة

بدا أنّ الديكتاتوريين العسكريين الذين حكموا سوريا من 1949 حتى 1954 غير مجهزين بأي شيء يمكنهم من معالجه مشاكل البلد، استولوا على السلطة في تتابع سريع في عام 1949 وهم حسني الزعيم 30 مارس/آذار، سامي الحناوي 14 أغسطس/آب، أديب الشيشكلي في19 ديسمبر/كانون الأول كان هذا الأخير أهمهم وقد ظل في السلطة أكثر من أربع سنوات، حتى تم إسقاطه هو الآخر في 27 فبراير/شباط 1954.
في الفَترة من 1949 وحتى 1955 وهي فترة الانقلابات العسكرية المتتالية، كانت كل مجموعة من الضباط تأتي وتقصي المجموعة المضادة لها؛ كان الهدف المعلن للانقلابات العسكرية عام 1949 إصلاح الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية وبشكل رئيس قضية فلسطين والفساد داخل الجيش؛ والهدف غير المعلن، هو ارتباط القادة الانقلابيين في سوريا بدول خارجية وإقليمية لها مصالح في سوريا ومحيطها، حيث كان سامي الحناوي عندما أطاح بالعقيد حسني الزعيم له علاقات قوية بالعراق الممثل بالملكية آنذاك. وعندما قام العقيد حسني الزعيم، قائد الجيش، بإطاحة الرئيس شكري القوتلي لم يصمد في السلطة سوى أشهر ليُطاح به هو نفسه بعد أشهر على يد العقيد أديب الشيشكلي (من محافظة حماة). وعلى عكس ما يتم وصف فترة الانقلابات العسكرية في سوريا بأنها مهدت الطريق أو خلقت ديكتاتورية عسكرية مسلحة، قمعت الشعب الذي لم يهنأ بالديمقراطية سوى ثلاث سنوات (1946- 1949)، ولكن تلك الانقلابات فتحت الطريق أيضاً أمام صعود المعارضة للديكتاتوريات العسكرية، وكانت المعارضة من الطبقة الوسطى، والصراع الذي دار بين مختلف الأطياف داخل الطبقة الوسطى في خمسينيات القرن الماضي، أدى إلى تشتتها إضافة إلى تدخل بعض دول الجوار العربية وغير العربية، بهدف بناء تحالفات تخدم مصالحها خصوصاً العراق، وتركيا.

الديكتاتوريين العسكريين الذين حكموا سوريا من 1949 حتى 1954 غير مجهزين بأي شيء يمكنهم من معالجه مشاكل البلد، استولوا على السلطة في تتابع سريع في عام 1949

انقلاب الزعيم
جنون العظمة الذي أصابه بمجرد تسلمه السلطة، واضعاً نصب عينيه صور نابليون وأتاتورك وهتلر في إطارٍ واحد، وستكتمل الصورة بعصا المارشالية. ففي الثلاثين من مارس سنة 1949 وفي حوالي الساعة الثانية والنصف صباحاً، وقع الانقلاب السوري الأول، الذي خطط له العقيد حسني الزعيم رئيس الأركان العامة. ونفذه المقدم أديب الشيشكلي، من دون أن يثير الضوضاء حوله أو يسرق الأضواء. اعتقل الجيش الرئيس شكري القوتلي ورئيس وزرائه خالد العظم، بعد أن بُلغا مذكرة من الزعيم بأنّ الجيش استلم قيادة البلاد. ونقلا إلى مشفى المزة العسكري. «ليتني أحكم سوريا يوماً واحداً ثم أُقتل بعده»، أمنية ردّدها حسني الزعيم (1897 ــ 1949) في شبابه. لقد تحققت نبوءة هذا الضابط المتهوّر، وحكم سوريا 137 يوماً، لينتهي بالإعدام على يد انقلابي آخر هو العقيد سامي الحناوي. وبذلك، دخلت البلاد منذ ذلك التاريخ نفقاً مظلماً أطاح التجربة الديمقراطية السورية في المهد. الانقلاب الذي وصفه خالد العظم في مذكراته بأنّه «حركة طائشة قام بها رجل أحمق».
كان انقلاب حسني الزعيم أول تدخل للجيش في السياسة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وقد جرّ ذلك ويلات على المنطقة ما زالت تدفع ثمنها حتى اليوم.
يقول جوناثان أوين في كتابه «أكرم الحوراني»: «لقد تأكد حديثاً بعد السماح بنشر بعض الوثائق السريّة، وبعد ما يقرب من 40 عاماً من انقلاب حسني الزعيم تورّط الولايات المتحدة في أول انقلاب عسكري في العالم العربي، وكان قد أُشيع لسنوات أنها ساندت انقلاب حسني الزعيم، شرعت المفوضية الأمريكية بالقيام بعملية هدفها تشجيع الجيش السوري على القيام بانقلاب، من أجل الحفاظ على سوريا من الاختراق السوفييتي، وجلبها إلى طاولة السلام مع إسرائيل».

انقلاب الشيشكلي

حَصلَ انقلاب أديب الشيشكلي الثاني في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1951 حيث كان الشيشكلي يريد الوصول إلى السلطة بالتدريج؛ وكانت الأحزاب السياسية على الساحة السورية آنذاك، لم يكن لها حضور قوي فالحزب الوطني، كان ضعيفاً بينما حزب الشعب كان له نفوذ واسع.
مثّل انقلاب الشيشكلي صدمة ثانية بعد انقلاب الزعيم. لقد كان الحوراني والشيشكلي في أوائل شبابهما عضوين في الحزب القومي السوري الاجتماعي. ويروى أن أديب الشيشكلي ذا الميول نحو أنطوان سعادة، قد نزع قميص حسني الزعيم الداخلي الملطخ بالدم وحمله إلى أرملة سعادة قائلاً: «إليك بالدليل على انتقامنا من الغادر يا سيدتي. غسلنا الدم بالدم». استطاع العقيد أديب الشيشكلي أن يقوم بتحريك دباباته نحو دمشق بتاريخ 9 ديسمبر 1949 ليدافع عن نظام الحكم الجمهوري في سوريا وينقذها من النفوذ البريطاني والوحدة مع العراق الملكي. فقد راح أقطاب اليمين السوري يترددون على بغداد مطالبين بالمال (الوحدوي)… ثم بالجيش العراقي لغزو سوريا، وإقامة الوحدة بالقوة، لكن نوري باشا السعيد كان ذكياً وحاسماً في رفضه استخدام الجيش العراقي غير الواثق من ولائه.

هاجس البطولة

كان الشيشكلي قد تم تسريحه من قبل حسني الزعيم، لكن سامي الحناوي أعاده إلى الجيش، وتم تعيينه آمراً للواء الأول في قطنا مكان الحناوي، ليقوم الشيشكلي بإعداد وترتيب انقلاب ضد الحناوي، نفذه في العام نفسه في 19 ديسمبر 1949؛ ولم يقم الشيشكلي بإعدام الحناوي أو أي من ضباطه؛ إنما اكتفى بإبعادهم إلى خارج سوريا وتحديداً إلى لبنان؛ سامي الحناوي قتل في صيف 1950 في بيروت على يد أحد أقرباء محسن البرازي، رئيس الوزراء في عهد حسني الزعيم الذي قتله الحناوي، وتبقى الحقيقة الحاضرة أن أديب الشيشكلي، قُتِلَ لأنه كان في نظر شعبهُ (ديكتاتوراً)؛ ولد أديب بن حسن الشيشكلي في مدينة حماة في عام (1909). وهو من عائلة كردية كبيرة، كان لها دور فاعل في الحركة الوطنية ضد العثمانيين والفرنسيين. وفي المدرسة الزراعية كانت ملامح شخصيته قد بدأت تتبلور. عرف الشيشكلي منذ صغره بالنشاط والحماسة، دفعه هاجس البطولة والرغبة في اقتحام عالم القوة والنفوذ، إلى المشاركة مع حسني الزعيم في الانقلاب الأول ضد حكومة شكري القوتلي. عرف الشيشكلي أن زمام الأمور قد أفلت كلياً من يده، فسطّر جواب استقالته وغادر إلى بيروت ومنها إلى المملكة العربية السعودية، حيث ظل لاجئاً حتى عام (1957)، عندما توجه إلى فرنسا. فغادر إلى البرازيل في عام (1960)، وعاش في مزرعته الخاصة. إلى أن تم اغتياله عام (1964). وتقول الرواية الأصلية إن الشيشكلي، اغتيل على يد شاب درزي هو نواف غزاله. في شارع في بلدة سيريس في البرازيل.

٭ صحافي وكاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية